من بين مئات المستوطنين المتعصبين الذين يرفعون علم إسرائيل باللونين الأبيض والأزرق، تجرأت سيدة على اقتحام صفوفهم ورفع علم فلسطين متحديةً كل الهتافات المتعصبة وغير عابئة بمصيرها المحتوم: البطش والاعتقال، في أفضل الأحوال.
كانت هذه هي التونسية هالة الشريف (58 عاماً)، زوجة المناضل الراحل عثمان أبو غربية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وأحد أبرز قادتها حتى وفاته عام 2016.
كانت هناك غابة من الأقمشة البيضاء والزرقاء تندفع صوب باب العامود
— حمود السيابي (@AlsiyabiHamood) June 16, 2021
ولمجرد أن رفعتْ شابة قطيفة بلون المُهج انهالت عليها الهراوات لتمنع فعْلها الخادش
ما أقسى على المرء أن يكون وطنه ليس بوطنه
والعَلم الذي يهيْمن على الأفق هو العَلم الذي يُحاكَم تحت سطوة ألوانه
ويُقْتل تحت جبروت ساريته pic.twitter.com/eLxpCX0uU5
خلال "مسيرة الأعلام"، هذه المسيرة السنوية للمستوطنين التي يجوبون خلالها الشوارع، مرددين الهتافات العنصرية مثل "الموت للعرب" والمسبات للنبي محمد، الثلاثاء 15 حزيران/ يونيو، استطاعت الشريف بجرأة لا مثيل لها أن تلوّن المشهد وتفرض وجود علم دولة فلسطين رغم كل التطرف والكراهية اللذين يلفان الحدث.
عقب ثوانٍ من رفعها العلم الفلسطيني، هاجمها أحد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وسلب منها العلم ثم اعتدى عليها بالضرب واعتقلها ونقلها إلى مركز تحقيق المسكوبية السيىء السمعة. بعد ذلك، قضت محكمة إسرائيلية بالإفراج المشروط عنها، الأربعاء، ودفعها كفالة قدرها 2000 شيكل (نحو 600 دولار أمريكي).
لكن المركز الفلسطيني للإعلام أفاد لاحقاً بأن "الاحتلال يمدد اعتقال الناشطة هالة الشريف بعد استئناف حكم الإفراج المشروط عنها، وسيتم تقديمها للمحكمة الخميس، 12 ظهراً".
"بنت القدس قبل وبعد #تونس"... خلال #مسيرة_الأعلام، استطاعت #هالة_الشريف بجرأة لا مثيل لها أن تلوّن المشهد وتفرض وجود علم #فلسطين رغم كل التطرف والكراهية اللذين يلفان الحدث غير عابئة بمصيرها المحتوم: البطش والاعتقال
فلسطينية ومقدسية حرّة
يرفض كثيرون وصف الشريف بـ"التونسية"، ويذهبون إلى إنها فلسطينية. شبكة "القسطل" الإخبارية المعنية بتغطية القدس ذكرت: "هكذا رفعت علم فلسطين قبل اعتقالها... الفلسطينية هالة الشريف ترفع علم دولتها خلال رفع أعلام الاحتلال في مسيرة الأعلام بباب العامود أمس وذلك قبل الاعتداء عليها واعتقالها".
ووصفها آخرون بـ"الفلسطينية التونسية" و"الفلسطينية من أصل تونسي" و"المقدسية الحرّة"، معتبرين أنها "فخر لكل فلسطين". استخدم هذا الوصف أيضاً رامي عبده، مؤسس ورئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" الذي أضاف أن الشريف "ياسمينة تونس في القدس".
وعقّب الصحافي علاء أبو دياب على شجاعة الشريف قائلاً: "من القدس نقول: لا نريد أن نُشفى من حب تونس".
في غضون ذلك، قدم تونسيون نشطون عبر تويتر الشكر للشريف قائلين لها: "رفعتِ راسنا".
"بدافع شخصي تقوم بدور كبير جداً لعله من أكبر الأدوار وأخطرها عندما ترفع علماً فلسطينياً قبالة الآلاف من غلاة المستوطنين المتوحشين"... #هالة_الشريف ليست مجرد زوجة مناضل ولا تونسية مُحبة لفلسطين
ناشطة في الدفاع عن القضية
لا تكتفي الشريف بزواجها من أبو غربية، ولا استقرارها في رام الله حتى عقب رحيله، بل تنشط على كل صعيد يمكنها من خلاله أن تدعم الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني.
ذكر موقع "ألترا فلسطين": "في السّنوات الأخيرة بات لافتاً حضورها شبه الدائم في المواجهات الميدانية مع الاحتلال بالقدس والضفة الغربية، وفي الوقفات المساندة للشهداء والأسرى. فقد كانت حاضرة لحظة هدم الاحتلال منزل عائلة أبو حميد في مخيّم الأمعري برام الله، وبقيت في الخان الأحمر نحو شهرين، لمنع الاحتلال من تنفيذ مخططه بتهجير السكّان".
وتابع: "في 2019، منعها جهاز الشاباك الإسرائيلي من دخول مدينة القدس عبر حاجز قلنديا، إذ كانت في طريقها للمشاركة في نشاط مجتمعيّ لتنظيف مسجد عمر بن الخطاب في البلدة القديمة. وهي التي اعتادت زيارة المدينة مرتين وثلاثاً أسبوعياً" إذ كان زوجها من مواليد البلدة القديمة.
سبق للشريف أن رفعت العلم الفلسطيني خلال مسيرة المستوطنين عام 2019 وهو العام الذي اعتقلت فيه أيضاً وأُبعدت خلاله شهراً عن القدس المحتلة.
أما الصحافي المقدسي أحمد البديري، فكتب عن الشريف: "إنها أكثر من مجرد سيدة تونسية تعيش في فلسطين أو حتى كانت زوجة عثمان أبو غربية. هي سيدة من طراز خاص. ولعلها قد تجاوزت زوجها ودولتها التي نشأت فيها وتحولت إلى سيدة مقدسية حقيقية تحمل هموم القدس وترفع العلم الفلسطيني وتتفاعل مع المدينة وكأنها ولدت وعاشت فيها".
وشدد على أن الشريف "وضعت القدس هدفاً لها. فهذه ليست أول مرة تعتقل فيها ولعلها لن تكون الأخيرة"، مبرزاً أنها "بدافع شخصي تقوم بدور كبير جداً لعله من أكبر الأدوار وأخطرها عندما ترفع علماً فلسطينياً قبالة الآلاف من غلاة المستوطنين المتوحشين".
وأشاد البديري ببسالة الشريف في المواجهة من أجل "إعلاء الصوت المقدسي" إذ "تُلقى على الأرض وتُضرب وتبيت في المعتقلات ثم تعود إلى هناك إلى رام الله وهي سيدة مجتمع من الدرجة الأولى"، مشيراً إلى أنها "بنت القدس قبل تونس وبعدها".
وسبق للشريف أن رفعت العلم الفلسطيني خلال مسيرة المستوطنين عام 2019 وهو العام الذي اعتقلت فيه أيضاً وأُبعدت خلاله شهراً عن القدس المحتلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...