في عالم موازٍ، تعيش الفتيات الممتلئات بكل حرية وطلاقة. لا تُفرض عليهن أية قيود ولا يقاومن تابوهات المجتمع، فيلعبن على الشاطئ بملابس السباحة المكشوفة، يركضن في الشارع، يطيّرن طيارات ورقية، يجلسن على المقهى، يرقصن ويغنين، والأهم من كل ذلك أنهن يتعاملن مع شكلهن بكل حب وتقبل، فلا تنمر عليهن ولا ضغوط.
هذا العالم تصوره الفنانة التشكيلية المصرية إسراء زيدان (31 عاماً)، متمنية بأن تخرج فتيات لوحاتها إلى العالم الواقعي الذي نعيشه، فيصبحن حرّات ويستمتعن بالحياة دون الالتفات لآراء المجتمع حول شكل أجسادهن.
تخرجت إسراء من كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان عام 2012، وظلت بعد تخرجها ترسم لوحاتها بطريقة كلاسيكية من حيث الحفاظ على النسب التشريحية المضبوطة للجسد، وبعد أن توظفت كمدرسة مساعدة في الكلية ذاتها، أصبحت تدرّس لطلابها نفس الطريقة الكلاسيكية وظلت تتبع نفس الأسلوب حتى حصلت على درجة الماجستير في التشريح وأهميته عام 2016.
"خلال تلك الفترة كنت أمارس الفن لأغراض محددة، سواء للتدريس أو الدراسات العليا، كنت أريد أن أنتهي من رسالة الماجستير، وبعد أن انتهيت، بدأت محاولاتي في البحث عن شيء جديد ومميز"، تقول إسراء لرصيف22 متحدثة عن بداية ولادة شخصياتها المميزة.
في لوحات إسراء زيدان تعيش الفتيات الممتلئات بكل حرية وطلاقة دون الالتفات لآراء المجتمع حول شكل أجسادهن.
بمجرد مشاهدة لوحات الفنانة الشابة، تنتقل لك طاقة الفتيات الإيجابية وتنتابك حالة من البهجة تجعلك تضحك تلقائياً، وتقبّلهن لوزنهن وأجسامهن الممتلئة يشجعك على تقبل نفسك في كل حالاتها.
رصيف 22 حاور إسراء زيدان عن فنها وشخصيات لوحاتها، وما وراء هذه الشخصيات وطريقة رسمها وعرضها.
كيف توصلت إلى أسلوبك الفني المميز في رسم الشخصيات؟
كنت دائماً أشعر أنني لا أجد نفسي في أسلوب الفن الكلاسيكي رغم تمكّني منه. كنت أريد التوصل إلى أسلوب خاص بي، أستطيع التعبير من خلاله عما يدور بداخل رأسي من أفكار وما بقلبي من مشاعر.
لم أكن أخطط لرسم هذه الشخصيات بذلك الشكل، إنما هي نتاج أفكار متعددة مررت بها. أتذكر عندما أنشأت حساباً على موقع إنستغرام، شاهدت صوراً كثيرة لعارضات أزياء، ولاحظت تقليد الفتيات لهن، شعرت أن كل ذلك غير حقيقي وأن الواقع مختلف تماماً، أيضاً كنت أبحث عن فكرة ناجحة أستطيع تنفيذها تجعل المشاهد يستمتع ويشعر بالابتهاج. حاولت كثيراً وجرّبت حتى رسمت لوحة بها فتاة ممتلئة الجسم.
هل كنت تشعرين بالقلق من رسمك لشكل يتم التعامل معه على أرض الواقع بالتنمّر والهجوم المتواصل؟
كون الفتاة بدينة فهذا أمر عادي. لم أشعر بالقلق، إنما الخجل، إذ إنني أخرج عن المألوف وعن القواعد التي درستها.
بمجرد مشاهدة لوحات الفنانة الشابة، تنتقل لك طاقة الفتيات الإيجابية وتنتابك حالة من البهجة تجعلك تضحك تلقائياً، وتقبّلهن لوزنهن وأجسامهن الممتلئة يشجعك على تقبل نفسك في كل حالاتها.
كيف كانت ردود الأفعال على شخصيات لوحاتك؟
بعض أساتذتي لم يتقبلوها في بادئ الأمر وانتقدوها، فمنهم من استهان بها وقال إنها مجرد رسوم للأطفال، ومنهم من قال إنها غير مطابقة للمواصفات التشريحية، ومنهم من رآها غير هامة ونصحني بأن أتغاضى عنها، ولكن من ناحية أخرى، شجعتني أستاذتي المشرفة على رسالة الماجستير، وقالت إنها فكرة مميزة وستنجح، أما المشرفون على رسالة الدكتوراه التي أعمل عليها حالياً فدعموني ونصحوني بأن تكون الرسالة عن نفس الموضوع، وقد خصصت جزءاً منها للفنانين الذين تناولوا الجسم البشري بشكل غير مألوف.
كنت مترددة حتى رأيت ردود الأفعال الإيجابية على اللوحات، فقد وصلتني رسائل كثيرة من فتيات لا يعرفنني، استحسنَّ الرسومات وشجعنني على أن أستمر.
ما أكثر ما لفت انتباهك في الرسائل التي تلقيتها؟
كثيرات قلن إنهن وجدن أنفسهن في اللوحات وإنهم فرحن بالأمر. لم يشعرن بالاضطهاد أو أنهن وحيدات. وهناك فتيات يعانين من نوبات اكتئابية نتيجة ما يواجهنه بسبب وزنهن، وعندما يشاهدن اللوحات يشعرن بأن هناك أملاً، وبعضهن يحتجن ما يشجعهن على حب أنفسهن وكانت فتيات لوحاتي خير معين لهن.
بذلك شعرت بأنني أعبر عن عدد كبير من السيدات، وأنني أساعد الأخريات على أن يشعرن شعوراً جيداً تجاه شكلهن، وألا يفقدن ثقتهن في أنفسهن، وأعزّز الشعور لديهن بأنهن طبيعيات أياً كان شكلهن أو هيئاتهن. البشر مختلفون وليس من المنطقي أن تكون هناك أشكال محددة للجمال أو مسطرة تقاس عليها المعايير.
كل ذلك كان دافعاً لي وسبباً لأستمد الثقة بنفسي أنا أيضاً.
ما هي المواقف التي تتعرض لها الفتيات بسبب الصور النمطية عن أجسادهن؟
كلنا نعيش صراعاً ما بداخلنا بسبب هذا الأمر، بداية من الرسائل الخفية التي تُرسل إلينا من خلال الإعلانات ومواقع التواصل، والتي تُشعرنا أننا لسنا كفاية، ونحتاج لأن نبذل مجهوداً أكبر لنصبح أحلى وأفضل، وعلى الرغم من أن هدف كل هذا هو بيع منتجات معينة، وأن الأمر في الحقيقة تجاري بحت ليس له علاقة بالجمال أو القبح، إلا أننا في بعض الأوقات نتأثر وتكون لدينا قابلية لتزعزع الثقة.
أيضا تواجه الفتيات نوعاً من التنمّر في حياتهن العاطفية، سواء من شركاء حياتهن أو من أقاربهم، فهناك قصص زواج تفشل بسبب أن والدة الرجل ترى بأن الفتاة أسمن أو أرفع من أن تتزوج ابنها، وتضع شكلاً معيناً في ذهنها لعروسة ابنها، ولن تتنازل حتى تجد ذلك الشكل. فتيات أخريات يشعرن بالرعب بسبب جسمهن عند حلول الصيف، وتنتابهن مشاعر القلق تجاه ذهابهن إلى الشواطئ.
كلنا نعيش صراعاً ما بداخلنا بسبب الصورة النمطية عن الأجساد النسائية، بداية من الرسائل الخفية التي تُرسل إلينا من خلال الإعلانات ومواقع التواصل، والتي تُشعرنا أننا لسنا كفاية، ونحتاج لأن نبذل مجهوداً أكبر لنصبح أحلى وأفضل
من جهة أخرى، لا تستطيع الفتاة الممتلئة العمل في بعض الأماكن، وأصحاب الوظائف يرفضونها بسبب شكلها، وفي مجال السينما مثلاً من الصعب أن تأخذ فتاة بدينة أدوار البطولة، ومن تستطيع التمثيل يتم إجبارها معظم الوقت أن تتنمّر على شكلها ونفسها، وتُقدم بقوالب كوميدية ليضحك عليها المتفرجون. لذلك أرى أن الفتيات يتعرّضن لظلم كبير، وبالرغم من أننا نعيش في بلد نسبة البدانة فيه عالية، إلا أنه من الصعب العثور على ملابس مناسبة، وأشعر أن هذا إقصاء غريب وتهميش لشريحة كبيرة في المجتمع، وكأنها غير موجودة.
هناك إجبار وضغط مستمر كي تفقدي وزنك، وإن لم تنجحي في ذلك ستنعزلين في منزلك مكتئبة تخافين الخروج.
هناك بعض التعليقات على لوحاتك في إنستغرام، تظن بأنك تشجعين على السمنة، فما تعليقك؟
أنا لا أشجع السمنة، بسبب مخاطرها الصحية، إنما ما أناقشه وأدافع عنه هو حب النفس في كل حالاتها، وأن البدانة ليست عاراً نختبئ بسببه، فأنا الآن مثلاً فتاة ممتلئة، ماذا أفعل؟ هل أنتحر بسبب عدم تقبل المجتمع لي؟ هذا غير عادل. على كل فتاة أن تحب نفسها، وإذا واجهتها مشكلة صحية أن تعمل على معالجتها وتفقد الوزن لكن دون ضغوطات، فهناك فتيات يصبن بأمراض كثيرة مثل البوليميا والأنيميا الشديدة، بسبب فقدان الوزن بطريقة سريعة جداً وغير صحية، فقط من أجل التخلص مما يواجهنه.
كيف تختارين موضوعات لوحاتك، وهل البهجة الموجودة فيها مقصودة؟
أبحث دائماً عن الأشياء التي تسعدني وأرغب بمشاركتها، والموضوعات التي تمثل لي ذكريات سعيدة، مثل جلسات السمر مع صديقاتي، وموضوعات من الحياة اليومية، والتعبير عن الصيف وألوانه. كل ذلك يساعدني على تخفيف الضغط الذي أشعر به، فالمرح بداخل لوحاتي ينتقل تلقائياً بداخلي، ولذلك أحب استخدام الألوان المبهجة، كالوردي والأحمر والأصفر والأزرق.
الفتيات في اللوحات يمارسن النشاطات المختلفة وهن في أقصى درجات استمتاعهن بالحياة، والأهم أنهن غير مهتمات بما قد يقوله الآخرون، وغير مباليات بأي شيء سوى سعادتهن وحريتهن، فلا يوجد أي سبب يمنعهن من أن يعشن حياتهن بشكل طبيعي، لذلك حرصت على تصوير بعض النشاطات التي يعتقد البعض أن الجسم الممتلئ يعيقها، مثل اليوجا أو الرقص وركوب الدراجات.
أما عن تعمّدي خلق روح البهجة، فهذا حقيقي، لأننا نعيش واقعاً صعباً بما فيه الكفاية، فلا أحب تناول أفكار اللوحات كأنها قضايا ثقيلة أو مشكلات عويصة، إنما أميل لاستخدام البساطة. بغض النظر عن كل ما نواجهه، نحن فتيات جميلات من حقنا الاستمتاع بالحياة دون الالتفات لأي أمر آخر.
هل أنت متأثرة بالفنان الأمريكي دوين برايرز الذي اخترع شخصية هيلدا؟
أحب أعمال هذا الفنان حباً شديداً. يسعدني أن يربط شخص ما أعمالي به، وهو قد صوّر هيلدا دائماً كفتاة مبتهجة خفيفة الظل. استعنت بها في رسالة الدكتوراه، وأعتبرها أقرب الشخصيات روحاً لخاصتي، وعلى الرغم من أن جسدها ليس ممتلئاً كثيراً، لكنها طوال الوقت سعيدة ومنطلقة. أعتقد أنني تأثرت بها وأحببتها فكانت جزءاً من مخزوني البصري. وعلى الرغم من تشابه الروح فإن هيلدا تختلف، إذ كانت تستخدم في ترويج الإعلانات، لذلك رُسمت سعيدة لتحمس المشاهدين لشراء المنتجات.
أحيانا يُشبّهني البعض بالفنان الكولومبي فرناندوا بوتيرو، الذي يرسم أيضاً فتيات بدينات، ولكني لا أشعر بهذا التشابه، لأن لوحاته مختلفة تماماً أسلوباً وروحاً وموضوعاً.
شخصية هيلدا في لوحات الفنان الأمريكي دوين برايرز
هل فكرت في إطلاق أسماء على شخصيات لوحاتك؟
لا، لأن الاسم سيحوّلها لشخصية مستقلة بذاتها، وسيحدث نوعاً من الفصل بينها وبين المتفرج، إنما ما أريده هو أن يرى كل شخص نفسه في اللوحة، فهي إنسان ما، ربما أنا، ربما أنت، ربما كلنا، وذلك سيساعد أكبر عدد ممكن من الفتيات.
هل تبحثين، بجانب هذا النوع من لوحاتك، عن أساليب أو موضوعات جديدة؟ وما الذي تسعين لتحقيقه في الفترة المقبلة؟
لن أتخلى عن هذا الأسلوب أو عن رسم الفتيات والتعبير عنهن وعن أفكارهن، كما أنني أعمل حالياً على مجموعة لوحات مستوحاة من الأفراح المصرية وتجهيزاتها، وأسعى لإقامة معارض فنية على المستوى الدولي وليس المحلي فقط، بعد مشاركتي في العديد من المعارض الجماعية وأيضاً إقامتي لعدد من المعارض الفردية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع