أصبح معتاداً على متابعي السوشال ميديا في مصر مشاهدة منشورات تتحدث عن وقائع تحرش، أو اعتداءات جنسية. برزت هذه المنشورات بعد فضح المتحرش أحمد بسام زكي العام الماضي، وكذلك الإعلان عن قضية الفيرمونت، وما تبعهما من ظهور مدونات وصفحات لفضح المتحرشين، مثل حساب Assault Police، على إنستاغرام، وحساب Speak Up، عبر مواقع تواصل اجتماعي مختلفة. ولعلّ آخرها قضية الشابة بسمة التي راح أحد موظفي المطار يصوّرها من الخلف لأغراض خاصة.
ورغم وجود بيئة إلكترونية مُشجعة على الحديث عن الاعتداءات الجنسية إلى حد ما، ووجود نشطاء داعمين لذلك، واكتساب تلك القضايا زخماً، ما يُعَدّ بمثابة تقدم عن سنوات مضت لم يكن الحديث عن مثل هذه الحوادث مرحباً فيه، إلا أنه حتى الآن تتباين الأحكام القضائية، وتظهر عوائق قانونية، عند محاولة الفتاة الحصول على حقها عند تعرضها لاعتداء، ما يدفع إلى التساؤل: لماذا تواجه هذه العوائق؟ وهل يمكن لها أن تحصل على حقها في النهاية؟
تباين الأحكام والقرارات القضائية
في الخامس من حزيران/ يونيو الماضي، حَفظت النيابة العامة المصرية تحقيقاتها مع الطبيب البرازيلي فيكتور سورينتينو المتهم بالتحرش ببائعة في بازار، بعدما تنازلت الفتاة عن اتهامها له. وكان فيديو تحدثه مع البائعة بكلمات باللغة البرتغالية تحتوي على إيحاءات جنسية قد أثار موجة غضب عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حِفظ القضية كان من نصيب قضية "اغتصاب فتاة في فندق الفيرمونت" أيضاً، إذ أصدرت النيابة العامة بياناً في 11 أيار/ مايو الماضي قالت فيه إنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة، وأمرت بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً.
وأوضحت النيابة في البيان أن أحد أسباب قرارها هو التراخي في الإبلاغ عن الواقعة وتأخره لمدة ست سنوات من حدوثها فضلاً عن عدول بعض الشهود عن أقوالهم.
وقبل "الفيرمونت"، كانت البراءة من نصيب المتهمين بالتحرش الجنسيّ بالشابة "بسنت" (فتاة ميت غمر)، وهي الواقعة التي قالت عنها مؤسسة قضايا المرأة المصرية إنها "موثقة بالصوت والصورة"، داعيةً النيابة العامة إلى الطعن على الحُكم، وهو ما فعلته لاحقاً.
لكن لم تنتهِ كل الوقائع بالحِفظ، فمثلاً قضية المتحرش أحمد بسام زكي انتهت بالحكم عليه، في 11 نيسان/ أبريل الماضي، بالسجن ثماني سنوات، لإدانته بهتك عِرض ثلاث فتيات؛ كما انتهت قضية اغتصاب منّة عبد العزيز والتعدّي عليها بإدانة مغتصبها والمعتدين، في 24 أيار/ مايو الماضي.
مشاكل قانونية تُعيق العدالة
تقول المحامية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عزيزة الطويل لرصيف22 إنه بالرغم من أن كل قضية يختلف سبب حِفظها، وعدم تمكن الفتاة المعتدى عليها من الحصول على حقها، إلا أن هناك أسباباً مشتركة في تلك القضايا وفي قضايا أخرى عَملت عليها، تتلخص في قُصور القوانين، وعدم تطبيق بعض القضاة لنص القانون في أحيان أخرى.
توضح الطويل أنه مثلاً في قضية "بسنت"، اعتمد المحامون على صعوبة إثبات تهمة التحرش على المتهمين، بسبب وجود تجمع كبير، رغم أنها كانت موثقة، كما أن القاضي لم يقتنع بوجود تهمة هتك العِرض لعدم وجود آثار على جسد الفتاة، بالرغم من أن أحكام محكمة النقض، السلطة القضائية الأعلى في مصر، تواترت على أن هتك العِرض لا يستلزم وجود أثر على جسد الضحية، و"هو ما يعكس عدم وجود قواعد راسخة في القضاء المصري يستند إليها القضاة عند الحُكم".
تُشير الطويل إلى أمر آخر، وهو المَيل إلى إدانة المرأة أكثر من الرجل، في حالات الاعتداء الجنسي، وهو ما يدفعها في بعض الأحيان إلى التأخر في الإبلاغ، وهذا يُضعف موقفها، في حين لا تراعي جهات التحقيق ذلك البُعد المجتمعي الذي يشكل ضغطاً على المرأة، فعلى سبيل المثال "سيدة الكرم"، وهي السيدة المُسنّة القبطية التي اعتُدي عليها في قريتها بتعريتها، إثر اتهام ابنها بإقامة علاقة "آثمة" مع مسلمة، حُكم بالبراءة على المتهمين في قضيتها، ووردت ضمن حيثيات الحُكم حجة تأخرها في الإبلاغ، ما أضعف فرصة إثبات الواقعة، وهو ما جاء في بيان النيابة العامة أيضاً في قضية "اغتصاب فتاة في فندق الفيرمونت".
الشك في المقام الأول يذهب تجاه الضحية. في قضية السيدة التي قفزت من الشباك بعدما اقتحم شقتها صاحب العقار، وحارسه، أجري فحص مهبلي لها، للتأكد من سلوكها! هذا التشكيك بالناجيات واجهته بشكل آخر ضحايا أحمد بسام زكي...
"تظل الفتاة المُبلغة في حصار نفسي قوي"، تقول الطويل، مُدللة على ذلك ببسنت، فتاة ميت غمر، والتي دافعت عنها الطويل، وتقول إنها اتُّهمت من قِبل دفاع المتهمين والأهالي بعدم الاتّزان والخلل في الإدراك، كما شُوّهت صورتها بحجة ارتدائها ملابس "غير لائقة".
وكمثل آخر على أن "الشك في المقام الأول يذهب تجاه الضحية"، تضرب الطويل مثلاً في قضية السيدة التي قفزت من الشباك بعدما اقتحم شقتها صاحب العقار، وحارسه، إذ أجري فحص مهبلي لها، للتأكد من سلوكها أولاً، و"هي الاتهامات التي وُجهت بشكل آخر لضحايا أحمد بسام زكي". "هذه الضغوط تدفع بعض الفتيات في بعض الأحيان لعدم التبليغ من أساسه"، توضح الطويل.
هناك بُعد آخر له علاقة ببعض الطلبات الصعبة لإثبات الواقعة، تبعاً لمبدأ "البيّنة على مَن ادّعى". تضرب الطويل مثلاً بقضية هتك عِرض فتيات في مدينة طنطا، في محافظة الغربية، من قِبل طبيب نفسي، إذ طُلب منهنّ إحضار شهود على الواقعة. "واحدة رايحة لطبيب نفسي هتجيب شهود منين؟"، تعلّق الطويل مؤكدة على أهمية تحديث النصوص، واتّباع نهج محكمة النقض التي توسعت في أحكام الإدانة في جرائم هتك العِرض.
تستعرض الطويل مسألة أخرى تعطل إدانة المتهمين، وهي عدم حماية الشهود، والمجني عليها المُبلغة، وكذا بياناتها، وحمايتها شخصياً، لعدم وجود تشريع ينص على حماية الشهود، وهو ما ظهر أثره في "قضية الفيرمونت"، التي تراجع فيها شهود عن شهاداتهم، بشكل أظهر أنه تم الضغط عليهم.
وعمّا يُحاول المحامي فعله وسط هذه الظروف، تقول إنها هي مثلاً تحاول أن تكون متواجدة وقت التبليغ عن الواقعة، وإحضار شهود لكن في بعض الأحيان تصطدم برد فِعل النيابة.
ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، كانت لديها قضية لسيدة تعرّضت لتحرش جنسي، وكان هناك شاهد، لكن وكيل النيابة أعطى المتهم قراراً بإخلاء سبيله، وما فعلته الطويل هو تقديمها استئنافاً على القرار، وحوّلت القضية إلى مُحقق آخر، قام بحبس المتهم احتياطياً، وفي النهاية أُحيل للمحاكمة، وأدين بحبسه ست سنوات.
ما هو أثر تلك المشاكل؟
ارتبط فريد (اسم مستعار) بقضية "الفيرمونت"، وتُعبّر تجربته عن كيف يمكن لعدم وجود قانون أو آلية لحماية الشهود أن يُضيع حق المجني عليه.
لدى فريد حساب على موقع إنستاغرام، تابع من خلاله نشر صفحةAsaault Police أخباراً عن تعرّض شهود لتهديدات بالقتل، بسبب تحدثهم عن قضية "الفيرمونت"، ما دفعه إلى نشر "بوست" عن القضية على فيسبوك، لاقى رواجاً واسعاً، وساهم في نقل المعرفة بالقضية من مجتمع إنستاغرام ضيّق الانتشار في مصر إلى المجتمع الافتراضي الأوسع، فيسبوك.
تظل الفتاة المُبلغة عن الاعتداء الجنسي عليها في حصار نفسي قوي، فهناك ميل إلى إدانة المرأة أكثر من الرجل، وهو ما يدفعها في بعض الأحيان إلى عدم الإبلاغ أو التأخر في الإبلاغ، ولا تراعي جهات التحقيق البُعد المجتمعي الذي يشكل ضغطاً على المرأة
بعد منشوره المذكور، تفاجأ الشاب بتواصل أحد الأشخاص معه، مدعياً أنه على معرفة بالضحية وصديق لعمرو السداوي، أحد المتهمين باغتصابها. أخبره أن بعض ما كتبه حول تعرّض الفتاة لاغتصاب جماعي من سبعة أفراد ذوي نفوذ غير دقيق. ورَوى له رواية مفادها أن الفتاة كانت ذاهبة إلى حفل مع أصدقائها في فندق "الفيرمونت"، وهناك قابلها أحمد طولان، أحد المتهمين باغتصابها في باحة الفندق، وكانت الفتاة على معرفة بسيطة به، ودعاها إلى حفلة خاصة، وأن الفتاة قالت لهم إنها ذاهبة إلى تلك الحفلة، وبعد نصف ساعة عادت وأخبرتهم إنها ستعود مجدداً للحفلة لنسيانها حقيبتها، لكنها مكثت فترة طويلة دون أن تعود. وبحسب الراوي، حاول التواصل معها لكن هاتفها كان مغلقاً، ولم يتمكنوا من التواصل معها مرة أخرى في ذلك اليوم. وفي نهاية الأسبوع كان معزوماً على حفلة أخرى، وجرى تداول حديث وسط شباب تلك الحفلة عن فيديو "حفلة جنس جماعي"، شاهد منه دقيقتين أو ثلاث، ظهرت فيهم الفتاة فاقدة للوعي.
يحكي فريد أنه تلقى بعد كتابته للبوست المذكور نفسه بيوم اتصال من شخص مجهول عرّف نفسه بأنه أستاذ في الجامعة البريطانية، وطلب منه إزالة اسم "بيبو خميس"، نجل رجل الأعمال المصري البارز المُتوفي محمد فريد خميس، ورئيس مجلة أمناء الجامعة البريطانية الأسبق.
وقيل إن بيبو متورط في القضية لكن الفتاة نفت ذلك لإحدى المحاميات، وهو ما دعا فريد إلى كتابة توضيح بذلك لكنه لم يُحبّذ فكرة إزالة الاسم نهائياً. ولكن من تلك اللحظة، بدأ قلق فريد يتزايد وصار يشعر بتورطه في أمر قد يؤذيه، خاصة مع وجود علامات استفهام حول نفوذ المتهمين وما الذي يمكن أن يفعلوه. "مثلاً بيان النيابة العامة اﻷول حول القضية ذكر أنه لا يوجد أحد من المتهمين في مصر، بينما صديق السداوي أكّد لي أن السداوي حينها كان في مصر".
استمر فريد في النشر حول القضية، وكتب على فيسبوك أن هناك فيديو للواقعة بحوزة البعض. بعد نشر البوست، تواصل معه صديق السداوي مرة أخرى طالباً منه مسحه، وفي نفس الوقت أخبره أن ما فعله المتهمون في الفيرمونت ليس أبشع أفعالهم، فلهم أكثر من عشرة حوادث سابقة مماثلة.
تلقى فريد بعد ذلك تهديداً من شخص مجهول عبر فيسبوك: "إحنا عارفينك يابن (...) لو ملمّتش الدور هنجيبك". بعد ذلك حققت النيابة في القضية، وأرعبت فريد متابعته لكيف تحولت شاهدة مثل نازلي مصطفى إلى متهمة.
يرى فريد أنه لا توجد حماية كافية للشهود، وهو ما دفعه إلى عدم تقديم شهادته عن الواقعة والحديث عمّا وصله من معلومات، مختتماً حديثه بالقول: "لديّ صديقات تحدثن إليّ في الفترة الأخيرة عن تعرضهم لوقائع اغتصاب، وعندما دعوتهم للإبلاغ، قالوا لي: هو بعد اللي حصل لنازلي، مين هَيّشهد معايا؟".
كيف يتعامل المحامون والضحايا مع تلك المشاكل؟
يرى المحامي والحقوقي أحمد راغب، والذي ترافع عن المدعيات في قضية أحمد بسام زكي، أن الأمر ليس شديد الصعوبة أمام المحامي عندما يتعامل مع ذلك النوع من القضايا. يقول لرصيف22: "المشكلة الأساسية في وجود تصور دائم بأن جرائم الاعتداءات الجنسية صعب إثباتها، لوجود شرط العلانية، وفي اﻷغلب هي تتم في الغرف المغلقة، لكن هذا تصور أكبر من حجمه لأنها في النهاية تخضع للإثبات الجنائي".
وأدوات الإثبات الجنائي من الأدلة كثيرة، بحسب راغب، فالدليل وهو الشيء المباشر لإثبات الجريمة يمكن أن يكون شهادة شهود، أو قرائن مختلفة، أو مقاطع فيديو. لكن راغب يتفق مع المحامية عزيزة الطويل في أنه يظل هناك عائق يتعلق بالأسباب المجتمعية وراء تردد المجني عليهم في تقديم البلاغات خوفاً من الوصم بـ"فضيحة".
ويشير راغب إلى أن خبرة محامي المدعية قد تمكّنه من الاستفادة من أخطاء الخصم، فمثلاً في قضية أحمد بسام زكي، لجأ محاميه إلى تحرير محاضر كيدية ضد الفتيات، فضلاً عن تهديدهم لسحب بلاغاتهم، وهو ما استغله راغب أمام جهات التحقيق ليُثبت تورط زكي، والدليل اللجوء إلى هكذا أساليب لإنهاء القضية.
النيابة العامة هنا دورها، بحسب راغب، ليس مجرد حبس المعتدين وتقديمهم إلى المحاكمة بل عليها الموازنة بين حقوق المتهم والمجني عليها، وهو ما على المحامين أن يدركوه، فالنيابة لن تتجاهل حقوق المتهم، إذ قد يمكن أن يكون بريئاً بالفعل، ولذا يجب على المحامي بذل المجهود وجمع الأدلة لحفظ حقوق موكله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع