"لأنني حبشية فأنا عاهرة في نظرهم"، هكذا تبدأ سهى (اسم مستعار) حديثها، "في كل مكان نحن معرضات للتحرش والاعتداء الجنسي، لا نستطيع الإبلاغ عن ذلك لأننا متأكدات أن القانون لا يمنح الحقوق للاجئات، حتى داخل المجتمع نُعتبر أدنى درجة من المواطنات".
ولدت سهى ،22 سنة، في الخرطوم من أب وأم أثيوبيين، قدما إلى السودان بحثاً عن الأمن والاستقرار بعيداً عن الحرب الأهلية التي تعيشها بعض المناطق في بلدهما، ورغم أن سهى ولدت وعاشت ودرست في السودان ما تزال السلطات السودانية تعتبرها لاجئة، تحكي الشابة الأثيوبية الأصل لرصيف22 أنها تعرضت للتحرش مراراً في المواصلات العمومية والشارع وفي العمل: "مرة كنت استقل الحافلة رفقة صديقتي، وقد عمد شخص إلى لمس أجزاء من جسدي، فقررت أن أدافع عن حرمتي، فانتفضت في وجهه، ولأنني لاجئة، انقلب الموقف ضدي واتهمني بالكذب وأنني أنا لمسته واقتربت منه وكاد يضربني، وللأسف ركاب الحافلة صدقوه وكذّبوني، حينها قررت أن انزل من الحافلة تجنباً لأي إعتداء".
وتضيف سهى: "مثل هذه المواقف تجعلك تلومين نفسك لأنك تكلمت ودافعت عن نفسك، وحتى حين نتعرض للتحرش في العمل نفضل الصمت حتى لا نفقد مورد رزقنا، فالقانون لا يحميك وصاحب العمل لن يقف في جانبك، وربما يلومك ويقول لك إن لباسك غير محترم وإنك من أثرت غريزة المتحرش أو أنت قمت بالتحرش".
تضطر سهى إلى أن تلبس الحجاب رغم أنها مسيحية، تفادياً لأي اعتداء محتمل، وتختار ثياباً متناسبة مع معايير اللباس المحتشم داخل المجتمع السوداني (تنورة طويلة وقميص بكمين طويلين)، لكنها تقول إن السودانيين يتعرفون على هويتهن من خلال لهجتهن وسحناتهن، وتضيف: "نحن اللاجئات أكثر عرضة للتحرش من السودانيات لأنه ليس لنا ظهر نستند عليه مثلهن، عائلاتنا وضعيتها هشة داخل المجتمع، لا يستطيع أفرادها الدفاع عنا والوقوف في وجه السودانيين".
حكاية أخرى لا تختلف تفاصيلها كثيراً عن قصة سهى، إذ تعرضت أنجيلينا (اسم مستعار) مراراً للتحرش الجنسي خلال العمل وقبل وصولها للخرطوم، تعمل اللاجئة الإريترية بائعة شاي "ست الشاي" في أحد شوارع الخرطوم. "أول مرة تعرضت للتحرش كان في المخيم المخصص للاجئات في الحدود الإثيوبية السودانية، وأعرف لاجئات تعرضن للاغتصاب"، تحكي أنجيلينا أن المتحرش أو المغتصب دائماً يكون من الطاقم المشرف على المخيم وليس بغريب عنه، إذ يتم استغلال هشاشة وضع اللاجئات والاعتداء جنسيا عليهن.
عند وصولها للخرطوم واضطرارها للعمل في مهن هامشية، تعرضت انجلينا للتحرش أثناء العمل من قبل زبائن، لكنها لم تستطع أن تتكلم أو تحتج لأنها بذلك تخسر لقمة عيشها وزبائنها "ليس لدي بديل. إن لم أقبل وأصمت فلن أجد ما أعيل به نفسي وأسرتي"، وتضيف "الأغلبية يعتبرون أن ست الشاي غير محترمة وتعمل في الدعارة".
تعرضت انجلينا للتحرش أثناء العمل ومن قبل زبائن حتى، لكنها لم تستطع أن تتكلم أو تحتج لأنها بذلك تخسر لقمة عيشها وزبائنها. "ليس لدي بديل إن لم أقبل وأصمت فلن أجد ما أعيل به نفسي وأسرتي"
التحرش مجرّم ولكن...
جرّم القانون الجنائي السوداني خلال سنة 2015 التحرش الجنسي بتعديله للمادة 151، إذ تنص المادة على أنه "يعد مرتكباً جريمة التحرش الجنسي كل شخص يأتي فعلاً أو قولاً أو سلوكاً يشكل إغراء أو دعوة لشخص آخر لممارسة غير مشروعة للجنس أو يأتي سلوكاً مشيناً أو غير لائق له طبيعة جنسية يؤدي إلى إيذاء الشخص المجني عليه نفسياً أو يعطيه إحساساً بعدم الأمان، يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات والجلد".
ورغم أن القانون يجرم التحرش في السودان، فنادراً ما ترفع لاجئة دعوى قضائية ضد المتحرش، ووفقاً لما صرحت به سهى وأنجيلينا أن أغلب اللاجئات يعتقدن أن القانون لن يحميهن ضد مواطنين سودانيين، كما أن رفع دعوى قضائية مكلف مادياً في ظل الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللاجئون في السودان.
رغم أن القانون يجرم التحرش في السودان، فنادراً ما ترفع لاجئة دعوى قضائية ضد متحرش، لأن أغلب اللاجئات يعتقدن أن القانون لن يحميهن ضد رجال سودانيين، كما أن رفع دعوى قضائية مكلف مادياً في ظل في ظل الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللاجئون في السودان
من جهة أخرى تتخوف اللاجئات من متابعتهن بالجرم الفاضح والمخل بالآداب العامة كرد فعل لرفع دعوى قضائية مرتبطة بالتحرش، إذ تنص المادة 105 من القانون الجنائي على أن "من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو التزين بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة ويسبب مضايقة للشعور العام"، فيما حددت العقوبة بالجلد بما لا يتجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً".
وقد أكد التقرير الصادر سنة 2015 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول عدالة النوع الاجتماعي والقانون بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن صيغة هذا التعريف للجريمة فضفاضة، وأحياناً يساء استخدامه من قبل الشرطة لتخويف النساء.
الهشاشة الاجتماعية
يعتبر حاتم إلياس، المحامي والناشط في مجال حقوق اللاجئين، أن الصعوبات التي تعانيها اللاجئات مرتبطة بالتطبيق العملي للقوانين وليس بالقوانين في حد ذاتها رغم أنها تحتاج إلى تعديل يميز اللاجئة بشروط حمائية أكبر، موضحاً أن "القانون الجنائي السوداني متأخر في ما يتعلق بقضايا التحرش، لأن المرأة السودانية بدورها لا تجد حماية في قضايا التحرش والتمييز"، غير أنه يعود ليؤكد أن وضع اللاجئة أسوأ من وضع السودانيات، مفسراً ذلك بكون اللاجئة ليس لديها السند الاجتماعي، في حين أن السودانية تجد الدعم الاجتماعي لقضيتها خصوصاً ضد المتحرشين المنتمين للأجهزة الأمنية وأصحاب السلطة.
وحول عدم رفع اللاجئات دعوى قضائية، يقول المحامي السوداني إن اللاجئة لها الحق في أن ترفع قضية والقانون يخولها ذلك، لكن وضعيتها الاجتماعية والخوف الذي تعيشه يجعلاها تعتقد أنها إذا قدمت شكوى بمواطن أو رجل أمن تحرش بها لن ينصفها القضاء.
ومن أجل تجاوز هذا الوضع، يقول إلياس: "يجب أولاً تعديل قانون اللجوء ووضع مواد أكثر حمائية للاجئات بالتوازي مع سن قانون وطني يجرم جميع أشكال العنف، ثانياً يجب على اللاجئات أن يطالبن بحقوقهن، وأخيراً على المجتمع أن يغير نظرته للاجئة وألا يتعامل معها على أنها أدنى من السودانيات"، موضحاً أن "المجتمع يتعامل مع اللاجئات على أنهن موضوع مساومة جنسية".
من جهة أخرى يعتبر حاتم أن دور المفوضية السامية للاجئين ضعيف جداً في السودان.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم