شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عمالة الأطفال في سوريا... كارثة مجتمعية ولا حلول حكومية

عمالة الأطفال في سوريا... كارثة مجتمعية ولا حلول حكومية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 12 يونيو 202106:01 م

بدأ محمد العمل منذ حوالي عامين، خلال شهور العطلة المدرسية فقط، في مغسل للسيارات في أحد أحياء العاصمة دمشق. يباشر الطفل ذو الثالثة عشرة سنة عمله في الثامنة صباحاً وينتهي في السادسة مساء، مقابل ألف ليرة سورية (حوالي 30 سنتاً أمريكياً، حسب سعر الصرف المركزي ساعة كتابة هذا التقرير) في اليوم، لكن الإكراميات (البخشيش) التي يحصل عليها من الزبائن أهم من راتبه، يقول لرصيف22.

عمله "أقل صعوبة من أطفال آخرين يعملون في ورشات الميكانيك والكهرباء"، يضيف أثناء حديثه، فلا مهام له سوى مسح السيارات. يقول إنّه يعمل كي يساعد والده، البائع المتجوّل، في إعالة أسرته المكوّنة من ستة أفراد.

تشير تقارير لوجود عشرات آلاف الأطفال في سوريا ممن يعملون في أشكال غير مقبولة من العمل.

يزداد الوضع سوءاً في ضواحي المدن السورية، خاصة تلك التي كانت ميداناً للمعارك خلال فترات الحرب، واليوم تعاني أكثر من غيرها من الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر والتسرب من المدارس. تتحدث منى (اسم مستعار) لرصيف22، وهي العاملة في إحدى المنظمات الإغاثية في غوطة دمشق الشرقية، عن "مشاهد مرعبة للأطفال العاملين في المنطقة".

تقول منى إنّ "معظم الأطفال في الغوطة اليوم يعملون، فالآباء قد اختفوا أو ماتوا، أو خرجوا نحو الشمال السوري في اتفاقيات التسوية التي حدثت منذ ثلاث سنوات، وبأحسن الأحوال هم لا يجدون عملاً، والأمهات لا يمكنهن تدبر تكاليف المعيشة وحدهن، ليقع العبء الأكبر على الأطفال، فنجدهم ينتشرون في الورشات والمحال في مختلف أنحاء الغوطة، حيث يعملون في ظروف صعبة للغاية ومقابل مبالغ زهيدة، فليس من المستغرب أن نجد طفلاً يحمل حجارة أثقل منه وهو يعمل في ورشة للبناء، وآخر يعمل في تصليح السيارات".


عمالة الأطفال قديمة في سوريا

يعيش حوالي 90% من السوريين تحت خط الفقر، وقد زاد الوضع الاقتصادي في سوريا تدهوراً ووصل لمستويات قياسية خلال الشهور الماضية، حتى أن العاصمة دمشق صُنفت كأسوأ مدينة للعيش في العالم، حسب مؤشر "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" التابعة لمجموعة الإيكونوميست، ما ساهم في تفاقم مشكلة عمالة الأطفال في البلاد، لكن هذه الظاهرة ليست بالجديدة على الشارع السوري.

تشرح الناشطة والمرشدة النفسية، أفين شيخموس، أسباب عمالة الأطفال، حيث قالت في تقرير صحفي إنّ "غياب المعيل عند نسبة كبيرة من الأسر السورية، داخل وخارج سوريا، بسبب الحروب التي نتج عنها النزوح والتدهور الاقتصادي الصعب والفقر، أجبر الأهالي على دفع أطفالهم إلى سوق العمل لتوفير أُجَر السكن والإنفاق على الغذاء".

لكن، الحرب ليست السبب الوحيد للمشكلة، رغم أنّها زادت في حدّتها، ففي سنوات "اللبرلة الاقتصادية" وهي السنوات العشر الأولى من حكم الأسد الابن، انتشر آلاف الأطفال في شوارع المدن السورية، وخاصة بعد مواسم الجفاف التي ضربت شرق البلاد، ابتداء من العام 2005، فانتقل سكان تلك المناطق ليعيشوا في مخيمات وبيوت صفيحية حول المدن الكبرى، وخاصة دمشق وحلب وحمص واللاذقية، وصار الرجال والأطفال والنساء يعملون في مهن مختلفة من أجل إعالة أنفسهم وعائلاتهم.

"الفقر والجهل وعدم قدرة السلطات على منع ذلك" كانت الأسباب الأساسية لهذه المشكلة، حسبما ورد في تحقيق صحافي نشره موقع "دويتشه فيله" سنة 2009، والذي يذكر انتشار "تشغيل الأطفال في مختلف المناطق السورية، لاسيما حيث تكثر الورش الصناعية في مدينتي حلب ودمشق. أما طبيعة عملهم فلا يندر أن تكون مجهدة".

أما اليوم، فإنّ ناشطين في مناطق سيطرة النظام السوري قابلهم رصيف22 قالوا إنّه بالكاد تخلو مهنة من الأطفال، ذكوراً وإناثاً، حيث يعملون في شروط مجحفة لا تتلاءم مع أعمارهم وأجسادهم، وخاصة في ورشات الحديد وميكانيك السيارات والأماكن التي تحتاج عمالاً لتوصيل الطلبات.

معظم الأطفال في الغوطة اليوم يعملون، فالآباء قد اختفوا أو ماتوا أو غادروا، أو لا يجدون عملاً، والأمهات لا يمكنهن تدبر تكاليف المعيشة وحدهن، ليقع العبء الأكبر على الأطفال، فنجدهم ينتشرون في الورشات والمحال ويعملون في ظروف صعبة للغاية ومقابل مبالغ زهيدة

كذلك يعمل الأطفال كعمال تنظيف وخدمة زبائن في الكثير من المطاعم ومحال تقديم الأكل والمشروبات، وصولاً إلى عملهم كباعة متجولين لمختلف أنواع البضائع، وأيضاً كمتسولين أو ضمن الشبكات التي تعمل على جمع البلاستيك والورق من القمامة لبيعها لمعامل إعادة التدوير.

ولا تقتصر هذه الظاهرة بطبيعة الحال على مناطق سيطرة الحكومة السورية، إذ تشير تقارير صحفية إلى انتشار عمالة الأطفال في كافة أنحاء البلاد الممزقة بين سلطات مختلفة، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً.


ما الذي تفعله الحكومة السورية لمواجهة هذه المشكلة؟

لا تتوفر أرقام رسمية دقيقة عن عمالة الأطفال في سوريا اليوم، لكن، وحسب مشاهدات رصيف22 والمقابلات التي أجراها، فإنّ أعداد الأطفال العاملين يقدّر بعشرات الآلاف، وهذا ما يتطابق مع ما ورد في تقرير لمنظمة العمل الدولية، حيث أشار لوجود "عشرات آلاف الأطفال في سوريا ممن يعملون في أشكال غير مقبولة من العمل، بما يخالف اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 و182".

رغم القوانين والاتفاقيات التي وقعتها وأصدرتها الحكومات السورية المتعاقبة، لا دليل على أي إجراءات حكومية حازمة للحد من ظاهرة عمالة الأطفال، كفرض رقابة على الأماكن التي تشغلهم بظروف مجحفة، ومعاقبة أرباب العمل الذين لا يلتزمون بشروط تشغليهم

كما ورد في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إنّ "أربعة من بين خمسة أشخاص من السوريين (يعيشون) تحت خط الفقر، ما يدفع بالأطفال لاتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة، مثل التوجّه إلى عمالة الأطفال وزواج القصّر والتجنيد للقتال، وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في سد الرمق".

بخلاف اتفاقيات العمل الدولية واتفاقيات حماية الطفل الدولية والعربية فإنّ قانون العمل السوري ينص في المادة 113 منه، بالمرسوم رقم 17 لعام 2010، على منع تشغيل الأحداث الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي، أو إتمام سن الخامسة عشرة، أيهما أكثر، كما حظرت المادة 114 من قانون العمل تشغيل الأحداث لأكثر من ست ساعات يومياً على أن تتخللها ساعة راحة.

لكن، ورغم كلّ هذه القوانين والاتفاقيات التي وقعتها وأصدرتها الحكومات السورية المتعاقبة، لا دليل على أي إجراءات حكومية حازمة للحد من ظاهرة عمالة الأطفال، كفرض رقابة على الأماكن التي تشغلهم بظروف مجحفة، ومعاقبة أرباب العمل الذين لا يلتزمون بشروط تشغليهم التي حددها القانون، بل إن هيئات حكومية، مثل المجلس المحلي لمدينة التل في ريف دمشق، قامت بتوظيف أطفال كعمال نظافة، حسبما ورد في تقرير صحافي صادر العام الفائت. وفي الوقت ذاته، تغيب أي جهود كافية وحلول مستدامة من منظمات المجتمع المدني للتصدي لهذه الظاهرة.

تحكي الناشطة الإغاثية العاملة في الغوطة الشرقية، منى، عن انتشار إحساس عام، وخاصة عند الأطفال، بعدم جدوى التعليم، لذلك يُفضّل الكثيرون التسرب من المدرسة أو الهروب من الدوام المدرسي، لأنّ العمل خلال الأوقات الحالية أهم بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى عائلاتهم، فالتعليم وفق رأيهم "ما رح يطعمي خبز، والمعيشة غالية كتير".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image