في خطوة توقّع محللون استخدامها للانقلاب على الثورة، أعلن الجيش السوداني وقوع اشتباكات مع نظيره الإثيوبي في منطقة حدودية، إثر محاولة مليشيات موالية لأديس أبابا سحب مياه من نهر عطبرة، وزراعة أراضٍ سودانية دون موافقة الخرطوم.
وقال الناطق باسم الجيش السوداني عامر محمد الحسن إن الاشتباكات استمرت على مدار يوم 28 أيار/مايو الجاري، ما أسفر عن مقتل ضابط سوداني، وإصابة ستة آخرين، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السودانية.
وأوضح الحسن قائلاً: "الميليشيات الإثيوبية بإسناد من الجيش الإثيوبي درجت على تكرار الاعتداء على الأراضي والموارد السودانية"، مشيراً إلى أن الخرطوم "تمد حبال الصبر في إكمال العملية التفاوضية الرامية إلى وضع حد لهذه الأعمال العدائية والاجرامية".
وكشف المتحدث العسكري أن في 26 أيار/مايو انتشرت قوة تُقدر بقوة سَريّة مشاة للجيش الإثيوبي حول معسكر للقوات السودانية في منطقة العلاو داخل الأراضي السودانية، ثم اتفق الجانبان على سحب نقطة المراقبة التابعة للقوات السودانية إلى داخل المعسكر، على أن تعود السرية الإثيوبية إلى معسكرها.
مع ذلك واصلت القوات الإثيوبية اعتداءها، حتى حاولت مليشيات إثيوبية في 28 أيار/مايو الوصول إلى الضفة الشرقية لنهر عطبرة الذي يُعد أحد روافد نهر النيل من أجل سحب المياه منه، فاعترضتها قوة سودانية.
وانسحبت المليشيات إلى المعسكر الإثيوبي، بعد اشتباكات نتج عنها إصابة أحد عناصرها، إلا أنها عادت مرة أخرى إلى منطقة شرق بركة نورين مدعومة بتعزيزات من فصيلة من الجيش الإثيوبي، واشتبك عناصرها مع قوات السودانية مجدداً، وفقاً للمتحدث العسكري.
وأرسل الجيش السوداني تعزيزات ضخمة إلى المنطقة الحدودية مع إثيوبيا في ظل تصاعد الغضب الشعبي في الخرطوم جراء مقتل أحد الضباط في الاشتباكات واستمرار أديس أبابا في السيطرة على الأراضي السودانية.
أسباب الخلاف
دائما ما تُسجّل حوادث توغل لمزارعين من إثيوبيا داخل الأراضي السودانية، وتحديداً في منطقة الفشقة من أجل الزراعة في موسم الفيضان، نظراً لخصوبة هذه الأراضي، لكن سرعان ما تقع اشتباكات مع الجيش والمزارعين السودانيين.
في 27 أيار/مايو، عقد مزارعون وضباط إثيوبيون اجتماعاً مع القوات السودانية في منطقة جبل حلاوة، لطلب السماح لهم بالزراعة داخل الأراضي السودانية، وهو ما رفضته الخرطوم.
وتقدر منطقة الفشقة السودانية التي تخضع لسيطرة الجيش الإثيوبي بنحو 600 كيلومتر مربع، وهي أراضي زراعية شديدة الخصوبة.
مصر قد تكون المستفيد من الاشتباكات التي جرت بين السودان وإثيوبيا، إذ يتوقع مراقبون أن الخرطوم قد تتحالف مع القاهرة لمنع أديس أبابا من ملء خزان سد النهضة الشهر المقبل
وكانت إثيوبيا سيطرت على هذه المنطقة، حين تعرض الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا، قيل إن منفذيها ينتمون إلى تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الذي كان يقيم في السودان في تلك الفترة، فتوغل الجيش الإثيوبي داخل الأراضي السودانية بحجة ملاحقة منفذي الهجوم.
وتعترف إثيوبيا بتبعية المنطقة للسودان، لكنها لم تتخذ خطوات عملية لترسيم الحدود، فسمحت للمزارعين الإثيوبيين بزراعة المنطقة ووفرت لهم الحماية.
ما تداعيات الاشتباكات؟
تأتي الاشتباكات وسط توتر إقليمي بين مصر والسودان وإثيوبيا، على خلفية اعتزام أديس أبابا ملء خزان سد النهضة، في حزيران/يونيو المقبل، دون موافقة الخرطوم والقاهرة.
وكانت السودان تُظهر خلال المفاوضات موقفاً محايداً، حيث رفضت الخرطوم مثلاً التوقيع على اتفاق في الولايات المتحدة، صاغته الإدارة الأمريكية حول سد النهضة، بعدما رفضت إثيوبيا بنوده وقبلتها مصر.
كما رفض الخرطوم، الشهر الماضي، التوقيع على اتفاق ثنائي اقترحته إثيوبيا لحل أزمة سد النهضة دون حضور مصر، مطالبة بضرورة توافق كافة الأطراف.
ومع ذلك توقع محللون أن الاشتباكات التي وقعت بين السودان واثيوبيا، قد تدفع الخرطوم نحو مساندة مصر ضد أديس أبابا في أزمة سد النهضة، في حال لم يتم حل هذا النزاع.
وقال المحلل السياسي السوداني الرشيد محمد إبراهيم إن هذا النزاع سوف يمهّد لتفاهم كبير بين القاهرة والخرطوم في ظل أواصر الأخوة والتضامن التي تجمع البلدين في الأوقات الصعبة وتشدد أديس أبابا.
ولفت المحلل السوداني لرصيف22 إلى أن أديس أبابا لا تزال ترفض الوصول إلى حل لأزمة سد النهضة، بل شرعت في نشر منظومات أسلحة روسية لحماية السد، وبدأت في عملية تعزيز قواتها العسكرية قرب الحدود السودانية.
ورأى أنه لا يمكن فصل التوغل الإثيوبي داخل الأراضي السودانية خلال الأيام الماضية، مع تأزم قضية بناء سد النهضة الذي يبعد قليلاً عن الحدود السودانية.
ولفت إبراهيم إلى أن هذا الصراع ضمن سلسلة الاستقطاب الجارية حالياً في السودان والولايات المتحدة، إذ تحاول القاهرة وأديس أبابا عبر شركات العلاقات العامة جذب تأييد الأحزاب الأمريكية حول قضية سد النهضة، كذلك يحاول الطرفان كسب دعم السودان.
اشتباكات بين الجيش السوداني والإثيوبي جراء محاولة أديس أبابا سحب مياه من نهر النيل، والخرطوم تعلن مقتل ضابط… مراقبون يتخوفون من استخدام المجلس العسكري لهذه الأزمة لفرض الأحكام العرفية والسيطرة على مقاليد الحكم
من جانبه رأى الناشط والمحلل السياسي السوداني وائل نصر الدين أن هذه الاشتباكات وقعت بسبب اعتقاد إثيوبيا أن السودان، خصوصاً المجلس العسكري، أقرب لوجهة النظر المصرية في قضية سد النهضة و يدعم المفاوضات التي تمت في الولايات المتحدة.
وكانت إثيوبيا قد لعبت دوراً في رعاية اتفاق تبادل السلطة في السودان بين المجلس العسكري الحاكم وتحالف "قوى الحرية والتغيير"، ممثل قوى الثورة، في تموز/يوليو 2019.
وتوقع إبراهيم أن يستغل المجلس العسكري النزاع مع إثيوبيا للانقلاب على الاتفاق مع "الحرية والتغيير"، وفرض الأحكام العرفية في البلاد، والسيطرة على مقاليد الحكم، خصوصاً أن قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، "حميدتي"، صرّح منذ يومين بأن الأداء الاقتصادي لحكومة الثورة "مخيب للآمال".
وختم إبراهيم بالقول إن هناك انقساماً وخلافاً بين المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة الحاكم، سوف يُعقّد تبني موقف موحد، لكن الواضح أن الجيش بعد انسحاب أحزاب كبيرة مثل حزبي "الأمة" و"المؤتمر" من تحالف "قوى الحرية والتغيير" يجد هذه الظروف فرصة لاعتبار الاتفاق الموقع لتقاسم السلطة ملغياً ويعيد تشكيل المشهد السياسي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...