كشفت المظاهرات الأخيرة في العاصمة الأردنية عمان، عن نقلة نوعية في تاريخ الاشتباكات مع الأمن. نقله اختلط فيها الخيال بالواقع، والعب بالجد، وتحولت الشوارع إلى ساحات ببجي الدامية.
الفرق أن الموت هذه المرة لن يكون مصحوباً بمحاولة أخرى. خطؤك الأول، سيكون الأخير.
ببجي لعبة قتال رقمية بين مجموعة من اللاعبين، تعتمد على البقاء وسط معارك عبر جمع الأسلحة والذخيرة وقتل الآخرين، كل معركة في اللعبة تتكون من 100 لاعب ولاعبة يتنافسون ضد بعضهم البعض بشكلٍ فرديٍّ أو على شكل مجموعات، ويحصل الفائز على بعض النقود ليشتري بها ما يحتاجه من متاجر اللعبة.
محمد نور أو الهتيف كما يلقبه أصدقاؤه، شاب أردني عادي لم يتجاوز عمره 20 عاما، تفاعل مع أحداث حي الشيخ جراح، غضب للدم واستثار لاغتصاب الأرض، فهب للتعبير عن غضبه.
مكث "الهتيف" طويلا هو وأصدقاؤه يلعبون لعبتهم الأثيرة "ببجي"، والآن قرروا نقلها للواقع، مسلحين بخبرات اكتسبوها من عالمهم الافتراضي.
ما هي الببجي؟
في مطلع عام 2017 كشف مصمم الألعاب الايرلندي بريندان غرين عن لعبته الجديدة "ساحات معارك اللاعبين المجهولين" (Player unknown's Battlegrounds) والتي اشتهرت باسم PUBG أو ببجي بالعربية.
وببجي لعبة قتال رقمية بين مجموعة من اللاعبين، تعتمد على البقاء وسط معارك عبر جمع الأسلحة والذخيرة وقتل الآخرين، كل معركة في اللعبة تتكون من 100 لاعب ولاعبة يتنافسون ضد بعضهم البعض بشكلٍ فرديٍّ أو على شكل مجموعات، ويحصل الفائز على بعض النقود ليشتري بها ما يحتاجه من متاجر اللعبة.
كانت ببجي في البداية مخصصةً لأجهزة الحاسوب وأنظمة تشغيل ويندوز وإكس بوكس ون، ليتم فيما بعد طرح نسخةٍ للهواتف وأنظمة تشغيل أندرويد وios. وهو ما ساهم في انتشارها بجنون بين الشباب.
ببجي.. اللعب بين الحظر والمظاهرات
انتشار لعبة ببجي القتالية الرهيب، دق ناقوس الخطر لدى كثير من السلطات الأمنية في عواصم شتى، باعتبارها لعبة شديدة الخطورة، تعرِّف الشباب على الأسلحة الحقيقية، وتقربهم أكثر من الدم والعنف.
وزادت حدة الاعتراضات ضدها بعد مجزرة مسجد نيوزلندا التي قام فيها القاتل بإعدام المصليين بالرصاص، وكأنه ضمن لعبة في بثٍّ حيٍّ للمجزرة.
وانتهي المطاف بحظر ببجي في بلدان كثيرة، من ضمنها الأردن التي حظرتها في أبريل/ نيسان 2017.
اللعبة المحظورة (نظريا) في الأردن، عادت لتفرض وجودها بقوة ليس عبر شاشات المحمول كالمعتاد، بل هذه المرة ظهورها كان على الأرض، حيث فوجئ الجميع بجيل الببجي يقود الاحتجاجات الأخيرة بمحيط السفارة الإسرائيليّة "عند مسجديّ؛ الكالوتي والصالحين"، وقرب الحدود الفاصلة بين الأردن وإسرائيل.
لكن اللعبة المحظورة (نظريا) في الأردن، عادت لتفرض وجودها بقوه ليس عبر شاشات المحمول كالمعتاد، بل هذه المرة ظهورها كان على الأرض، حيث فوجئ الجميع بجيل الببجي يقود الاحتجاجات الأخيرة بمحيط السفارة الإسرائيليّة "عند مسجديّ؛ الكالوتي والصالحين"، وقرب الحدود الفاصلة بين الأردن وإسرائيل.
"اللعبة بتقلب واقع!"، بهذه الكلمات عبّر براء خالد (17 عامًا) لرصيف22 عن المشاعر التي انتابته أثناء التوجه للحدود الفاصلة بين الأردن وفلسطين.
قائلا "علمت بأن هناك من ينوى التوجه للحدود من أصدقائي، وحينها عزمت على الوصول لفلسطين ومساعدة الناس هناك ، غير أنَّ الجيش ألقى القبض علينا قبل أن نصل إلى الحاجز الفاصل".
ويكمل: "في اللعبة إذا انصاب واحد من اللي معاك بدك تداويه، مش لازم يموت، واحد معك ما بتسيبه، أنا كنت هيك، ما قبلت الجيش يضرب الشباب، قعدت أدافع عنهم"
يتذكر الفتى التجمّع في ساحة الجنديّ المجهول بالشونة، والذي بدا له أشبه بتجمّع اللاعبين في ببجي بانتظار اكتمال العدد، "كنا بنستنى عشان نفوت ببجي، صرنا بنستنى عشان نفوت الحدود"، حالت الأجهزة الأمنيّة دون توجه الناس للحدود، ولم يرق ذلك لبراء، فانطلق مع مجموعةٍ من الشبان يتسلقون الجبال ويمرون بالمزارع التي قام أصحابها بتزويدهم بالطعام والشراب لمتابعة مسيرهم، "المزارع زي الدوا اللي بنوخذه في ببجي عشان نقدر نكمل، كنت ذات قلبي باللعبة، وهسا انقلبت واقع، بدي ألعبها".
"كنا بنستنى عشان نفوت ببجي، صرنا بنستنى عشان نفوت الحدود"
سلّم الجيش براء للأجهزة الأمنيّة التي اصطحبته إلى أحد مراكز الشرطة. وهناك خاطب الصبي رئيس المخفر قائلا "افتحوا الحدود وشوفوا جيل الببجي شو بدو يعمل".
أما فؤاد سليم (18 عامًا) فيحدث رصيف22 بكل الفخر عن مشاعره وهو متجه للاحتجاج ويقول: "الفرق بين اللعبة والواقع هو تبديل الطائرة بالسيارة، حفّزت ببجي الشباب على الشجاعة والتحلي بالقوة والصلابة للمضيّ قدمًا تجاه رغباتهم، منذ المرة الأولى التي قفزت فيها من الطائِرة عبر الهاتف المحمول وحتى نزولي من السيارة على أرض الواقع، كانت الأحداث جاذبةً لي، أكثر حتى من تلك التي ارها خلف الشاشة. أي حدا اسمه عدو ما أرحمه، اللعبة غيّرت أساليبي كثير"، يقولها الشاب منتشياً قبل أن يختتم حديثه قائلا "منحت ببجي لاعبيها الدافع للاستمرار، وهو ذاته ما رآه الشبان الذين خرجوا للمظاهرات، لقد أرادوا البقاء على قيد الحياة والانتصار في المعركة دون ظهور العبارة الأخيرة نهاية كل مرحلة".
الجيل الحاليّ يرغب بتحرير فلسطين من خلال تطبيق ما يقوم به بالألعاب الإلكترونيّة، متناسيًا أن الواقع مختلفٌ تمامًا، بهذة الكلمات عبر سامي حسام (19 عامًا) لرصيف 22 عن تحفظه على الاحتفاء بما يعرف بجيل الببجي شارحا "الشباب بحاجة لفطنة وذكاء أكثر، والقوة غير المتواجدة حاليًا"، يستدرك حسام "اللعبة خلّت في جرأة، ما بميّزها إلا اللي بلعب".
سلّم الجيش براء للأجهزة الأمنيّة التي اصطحبته إلى أحد مراكز الشرطة. وهناك خاطب الصبي رئيس المخفر قائلا: افتحوا الحدود وشوفوا جيل الببجي شو بدو يعمل".
حاجز الخوف انكسر
في لقائه مع رصيف22، أكد الطبيب النفسيّ عبدالله أبو العدس قدرة الألعاب الإلكترونيّة على كسر حاجز الخوف وزيادة تواصل الشباب وتفاعلهم مع ما هو حولهم، إضافةً لتنميّة المهارات الفكريّة وصقل شخصياتهم مع إزالة بعض السمات القلقيّة والتوتريّة للتواصل الذي يتطلب الكلام أو التفاعل.
ويقول إن تأثير الألعاب مثل ببجي تمثل بتقاطعها مع العالم الرقمي، فكلما كان عالٍ زادت الآثار السلبية على الدماغ، "ما نريده هو تعزيز التقاطع مع البيئة الخارجية والعالم الواقعي"، إذ يرى أن انتقال الشباب من العالم الافتراضي إلى الواقع أدى لنقلهم جزءً من تجاربهم التي عاشوها في العالم الأول من خلال المظاهرات، ما أدى لنوعٍ من الجرأة وكسر حواجز الخوف لديهم.
ويصف الطبيب حال الجيل الحاليّ بمن يعيش صراعًا بين العالمين؛ الرقميّ والواقعيّ، ما دفعهم للاستفادة من الأول لدعم الثاني، إذ وجد العالم الرقميّ لمنح المساحة النفسيّة والاجتماعيّة وتفريغ إحباطات العالم الواقعيّ أحيانًا، " فيروس كورونا رفع التقاطع مع العالم الخارجيّ، ومع تحسن الوضع الوبائي سيكون هناك عودة واندماج بين العالمين".
عالم افتراضي وفد منه شباب واعد، امتزجت فيه الشاشات بالخيال بالواقع، ليفرض جيل الببجي نفسه على الساحة، لتتغير نظرة المجتمع لهم، من كونهم صغار تلهيهم الألعاب عن مهامهم، إلى قاده اشتباكات، يكرون ويفرون، ويجبرون الجميع علي النظر إليهم بجديه انتزعوها بأنفسهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين