استبقت السلطات الأردنية تظاهرات كانت مقررة يوم أمس الأربعاء 24 آذار/ مارس، بشن حملة اعتقالات واسعة ضد ناشطين شباب، في محاولة لإجهاض الدعوات إلى إحياء الذكرى العاشرة لحراك "24 آذار"، والذي يمثل علامة مهمة في تاريخ الحراك الشعبي الأردني. وطالت موجة الاعتقالات الواسعة متظاهرين في مختلف محافظات المملكة.
"يوجد هنا شعب" كان عنوان التظاهرات التي دعا إليها ناشطون أردنيون قبل أسبوعين، لاستغلال الذكرى العاشرة للحراك الشعبي الأردني من أجل الخروج في تظاهرات مطلبية سياسية واقتصادية. وطوال فترة الأسبوعين الماضيين كان "يوجد هنا شعب" العنوان الأبرز على مواقع التواصل الاجتماعي، وبقي وسمه متصدراً لمدة يومين قبل أن يتفوق عليه في الصدارة عشية 24 آذار/مارس وسم "ضد_24_آذار".
بيانات مزيفة وتصريحات مكذوبة حول إلغاء التظاهرات ظهرت في فضاء الشبكات الإجتماعية الأردني لإحباط التجمعات التي كانت تعتزم إحياء ذكرى حراك 24 آذار.
ربما لم يلتقط منظمو تظاهرات "يوجد هنا شعب" إشارة تصدر وسم #ضد_24_آذار الرافض لدعوات الخروج إلى الشارع، بسبب حساسية الوضع الوبائي في الأردن، خصوصاً مع قفز أرقام الوفيات بكورونا إلى ما يربو عن 100 حالة في اليوم، وكون عدد المصابين بالفيروس قارب العشرة آلاف في اليوم الواحد.
ساهمت حملة رفض التظاهر في مشاركة أعداد صغيرة في التظاهرات، إذ فاق عدد جنود وضباط ومعدات الأمن أعداد المشاركين في مختلف محافظات المملكة. وبدأ الحشد الأمني في ساعات مبكرة من صباح الأربعاء قبل بدء موعد المظاهرات.
الأصوات التي أعلنت رفضها لخروج أية تظاهرات في "وضع وبائي مخيف"، ومنهم أصوات ناشطين وحقوقيين، كانت مؤشراً على فشل الدعوة إلى تظاهرات "يوجد هنا شعب"، وترافقت مع خروج أخبار مغلوطة من بعض المواقع الإلكترونية عشية 24 آذار، زعمت بأن "منظمو فعالية 24 آذار أصدروا بياناً أعلنوا فيه "إلغاء الفعالية بعد التشاور مع أغلبية أعضاء المكتب التنفيذي"، هذه الأخبار التي نفاها المنظمون وشبهوها بما وصفوه "إعلام السيسي".
كفاءة في الاعتقال
ما أن بدأت تجمعات ناشطين في المراكز التي دعوا إلى التجمهر فيها في محافظات المملكة لبدء الفعالية، قوبلت تلك التجمعات بأجهزة الأمن التي تواجدت بأعداد كبيرة، كما بادرت الأجهزة الأمنية إلى اعتقال ناشطين قبل بدء التجمع.
وحتى ما بعد الساعة العاشرة من مساء الأربعاء، توالت الأخبار التي تحدثت عن أعداد الموقوفين وعدد من تم الإفراج عنهم، وحتى ساعة كتابة هذا التقرير، بيَّن رئيس لجنة الحريات في نقابة المحامين المحامي وليد العدوان في حديثه لرصيف22 أن الاعتقالات تجاوزت الثلاثين شخصاً منهم محامين وناشطين، "وحتى الساعة التاسعة والنصف تم الإفراج عن معتقلي محافظة مادبا".
وكشف مصدر فضل عدم الكشف عن اسمه لرصيف22 أنه صدر قرار مساء أمس بالإفراج عن موقوفي محافظة المفرق، الذين رفضوا الإفراج عنهم بعد اشتراط الأمن توقيعهم على كفالة مقبل خروجهم. وبعد ساعة من رفضهم وافقت الأجهزة الأمنية على الإفراج عنهم بدون كفالة.
وأفاد المصدر ذاته أن أخباراً تحدثت عن الإفراج عن 200 موقوف في محافظة إربد، لكن تم الاحتفاظ بهوياتهم الشخصية في المركز الأمني، وطلب منهم مراجعة المركز صباح اليوم الخميس.
ناشطون أردنيون وصفوا نهج استخدام الشائعات وترويج البيانات المزيفة في إحباط الحراك بـ"إعلام السيسي".
وأكد العدوان ما تداوله مغردون على "تويتر" من تدخل الشرطة لمنع محامين من زيارة المعتقلين، وقال: "نعم تم منع محامين من الزيارة، ذلك لأن الزيارات تزامنت مع دخول ساعات حظر التجوال"، وما إذا كانت لجنة الحريات النقابية ستصدر بياناً حول ما حدث قال: "نحن حتى اللحظة نجري اتصالات لضمان الإفراج عن باقي الموقوفين وبعدها سنتخذ قراراً حول البيان".
وكانت العناوين المطلبية الأبرز التي أعلنها منظمو فعالية "يوجد هنا شعب" قبل اليوم المعلن للتظاهرات تتجه نحو: "تغيير النهج السائد من خلال إنهاء العمل بقانون الدفاع، وقف سياسة تجويع الشعب، تشكيل حكومة انتقالية تكون حكومة إنقاذ وطني، كف يد المخابرات عن الحياة السياسية، وتعزيز مفهوم الشعب مصدر السلطات، وتعديل كل من الدستور وقانون الانتخاب، وتشكيل حكومة منتخبة من الشعب" وغيرها من المطالب.
وصاحبت فعالية "يوجد هنا شعب" قبل وأدها، حالة من التناقض في التعامل مع المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية، إذ بدأت الأجهزة محاولة المنع باستخدام ذريعة مخالفة التظاهرات لأوامر الدفاع، التي تمنع التجمعات بسبب الظرف الوبائي. لكن خلال عملية الاعتقال - وفق ما كشفته عدة فيديوهات - ظهر تزاحم كبير للمعتقلين من المتظاهرين داخل سيارات الشرطة، إضافة إلى تلاصق أفراد من الشرطة دون مراعاة للتباعد الاجتماعي قبيل فض التظاهرات.
وكان منظمو الفعالية قد أعلنوا عشية 24 آذار عن ضرورة التزام المشاركين بالسبل الوقائية، مثل ما نشره الناشط علاء ملكاوي على حسابه على "تويتر": "نأمل من المشاركين الحرص على ما يلي: ارتداء الكمامة بشكل صحيح طوال وقت الفعالية والاحتفاظ بكمامة أخرى احتياط، إحضار علبة معقم صغيرة واستخدامها من حين لآخر، الالتزام بالتباعد الجسدي والمحافظة عليه".
"هل كانت طريقة الاعتقالات أكثر أماناً من تفشي كورونا من التظاهرات؟" يتساءل الخبير الحقوقي محمود حشمة في تعليقه لرصيف22 حول ما حدث، وأضاف: "الموضوع لا يحتاج توثيق، فالصور والفيديوهات كشفت أن أفراد الأمن لم يلتزموا بالتباعد الجسدي بينهم، الأمر الذي يدلل أن منع إقامة التظاهرات حرصاً على عدم تفشي كورونا هي حجة، والحقيقة هي منع المتظاهرين من ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم وحقهم في التجمع السلمي هي ذات الحقوق التي كفلها الدستور الأردني".
ويختم بقوله: "بالطبع أنا ضد أي سلوك قد يساهم في تفشي الوباء، لكن في الوقت ذاته ضد ما رصدته على مواقع التواصل الاجتماعي من تعامل أفراد الأمن مع المتظاهرين، الذين بالنهاية لم يرتكبوا خطأ، بل على العكس التزموا بارتداء الكمامات وبالتباعد الجسدي".
ووصف الحقوقي عمر العطعوط في تغريدة له ما حدث من اعتقال لمتظاهرين بأنه مؤشر على "مأزق الحكم وليس العكس، لاسيما وأن تجميع الموقوفين في أماكن الحجز هو ما خالف تعليمات الصحة وأوامر الدفاع، وليس التزام المتظاهرين بالتباعد والكمامة الذي خالف تلك التعليمات".
يشار إلى أن رصيف22 حاول التواصل مع ناشطين شاركوا في فعالية "يوجد هنا شعب" لكن هواتفهم كانت مغلقة حتى ساعات متأخرة، وتبين أن السبب أنهم موقوفون في مراكز للشرطة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...