يعتبر عدد من الدراسات التي أجراها باحثون اختصاصيون في علم النفس أن الإدمان على استخدام فيسبوك هو اضطراب نفسي عصري، ويشير إلى ارتباط وثيق بين الإفراط في استخدام هذا الموقع وحالات القلق المرضي والاكتئاب في المجتمع.
رغم أنه لم يصنف كاضطراب نفسي بشكل رسمي إلى اليوم إلا أن علم النفس يوضحأعراض الإدمان على استخدام فيسبوك Facebook Addiction Disorder: قضاء المستخدم وقت بمعدل ساعة في اليوم الواحد إلى أن يصبح الدخول إلى الموقع قهريا فيقضي المستخدم ليال بكاملها على فيسبوك مما يسبب له الأرق. يدفعه الهوس بالبقاء على فيسبوك بأن يتابع أخبار ويتواصل مع شريك سابق باستمرار فيقضي وقت على فيسبوك أثناء دوام العمل وتصبح فكرة الخروج من الموقع تسبب له التوتر والقلق.
فمن إقبال الأصدقاء على الموقع إلى ضرورة إدارة الحساب لبثّ صورة مثالية عن النفس، إلى مقارنة الشخص لواقعه مع حياة الآخرين الافتراضية، يعاني المدمنون على استخدام فيسبوك من عناصر اضطراب نفسي قد يدفعهم إلى الاكتئاب. مع العلم أن استخدام فيسبوك على نحو سليم ومتوازن يشكّل تحدّياً حقيقياً للاستفادة من وسيلة التواصل الاجتماعي هذه، وتالياً لتحقيق نجاح أكبر في الحياة المهنية والاجتماعية عوضاً عن الغرق في عالم افتراضي لا فائدة منه.
ليست المرة الأولى التي يربط فيها علماء النفس والباحثون بين استخدام التكنولوجيا ومنها وسائل التواصل عبر الإنترنت، والاكتئاب. ففي عام 1998 خلص الباحث روبرت كرو Robert Krau في جامعة كارنيجي ميلون Carnegie Mellon University إلى أنه كلما زاد استخدام الشخص للإنترنت، ازداد شعوره بالاكتئاب والوحدة، وذلك بعد عامين من اقتراح مجموعة من الاختصاصيين في علم النفس وضع "إدمان الإنترنت" في خانةالاضطرابات النفسية بشكل رسمي.
وبيّنت دراسة من جامعة ميشيغان Michigan University أن ازدياد الوقت الذي يقضيه المستخدم على فيسبوك يزيد من احتمال شعوره بالوحدة والإحباط، وهذا ما يؤكده الدكتور خالد ناصر المتخصص في التواصل العائلي. يقول: "يشكل فيسبوك ملعباً للـ"أنا" حيث يعمل صاحب الحساب على إدارة صورته لتشكّل نموذجاً ذا سمات حسنة تتطابق مع تطلعاته الاجتماعية. غير أن إدراك المستخدمين أنهم يديرون حياة افتراضية لبناء تلك الصورة المثالية عن أنفسهم، وخاصة الذين يعانون من نقص في الثقة بالنفس، يجعلهم أكثر عرضة للمعاناة من الآثار النفسية الناجمة عن إدمان فيسبوك".
وعن وقوع المدمنين في حلقة مفرغة، يقول ناصر: "تبدأ الحلقة مع الذين يعانون من قلة ثقة في النفس، عبر الهروب من واقعهم الذي لا يعجبهم، فيتجهون إلى المقارنةبين حياتهم وما هو ظاهر من حياة الآخرين من خلال ما ينشرونه على فيسبوك. هي مقارنة ليست واقعية بسبب مثالية حياة الآخرين الافتراضية المقدمة عبر فيسبوك. ومن ثم يشعرون بالإحباط لإضاعتهم الوقت، فيدفعهم هذا الإحباط إلى الهروب مجدداً من واقعهم إلى عالمهم المتخيّل".
إن المدمن يشعر بضرورة تصحيح صورته ومقاومة شعوره بالإحباط من خلال بناء صورة فرحة عن حياته عبر حسابه على فيسبوك. يعد الإفراط في تعميم الحياة الخاصة من أبرز سمات هذا الإدمان، وهو قد ينتج عنه إسراف في الإفصاح عن مشاعر السخط والغضب في حالات الانفصال عن الشريك أو الخلاف مع صديق، مما ينعكس سلباً على صورة المستخدم.
يضيف ناصر: "كثيرون يفقدون السيطرة على إدارة حساباتهم على فيسبوك، وهذا يحصل في الواقع عندما يفقد الإنسان أعصابه في وقت ما. فشلهم في انتقاء ما يبرزونه إلى العلن لإعطاء الصورة التي يريدون إيصالها إلى الآخرين عن أنفسهم، يزيد من إحباطهم ويجعل من حياتهم الخاصة شأناً عاماً".
ويقسم ناصر علم النفس المدمنين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعية إلى فئتين. الفئة الأولى تضمّ المستخدمين الإيجابيين Active Users وهم الذين يشاركون في الحوارات وينشرون تعليقات وصوراً بشكل مستمر. أمّا الفئة الأخرى فهي تلك الخاصة بالمستخدمين السلبيين Passive Users الذين يراقبون ما ينشره الآخرون ويتابعونها عن قرب.
إذا كان المستخدمون الإيجابيون حوّلوا فيسبوك إلى منبر عام لتبادل الآراء ليحل مكان المقهى الذي يمثّل المكان التقليدي للتحاور في شؤون الثقافة والسياسة، مستفيدين من مساحة الحرية التي خلقها الموقع لهم، فإنّ المستخدمين السلبيين يعانون من الإحباط جراء مقارنة واقعهم بحياة الآخرين الافتراضية نتيجة مراقبتهم لهم عن كثب.
يؤكّد ناصر أنه باستطاعة مستخدمي فيسبوك أن يستفيدوا من الموقع لتطوير قدراتهم العملية والاجتماعية. يقول: "الحل هو أن نجد توازناً بين العالم الافتراضي والواقع، فنعرف أن كل ما نراه ليس واقعاً ثابتاً، ثمّ ينبغي أن نحد من وقت استخدام فيسبوك كي لا نهرب من الواقع ونقع في حلقة مفرغة تدفعنا للاكتئاب". ويستطرد: "الناجحون الذين يمتلكون مهارة التواصل مع الآخرين يستخدمون فيسبوك لتسهيل التواصل، فيساهم الموقع في تحقيقهم المزيد من النجاح على الصعيد الشخصي والمهني."
يستطيع مستخدم فيسبوك أن يستفيد من الموقع لإعادة إحياء صداقات قديمة والتواصل مع أشخاص خارج البلاد أو لتسويق العمل، كما يستطيع، بحسب ناصر، الاستفادة من الموقع إذا دخل إليه بهدف التصفح السريع.
يختم الدكتور خالد ناصر: "لا ضرر في أن يعود شخص إلى البيت بعد يوم طويل من العمل ويدخل إلى فيسبوك، لأن ذلك يساعده على أن يريح عقله قبل النوم لكون استخدامات فيسبوك لا تستلزم مجهوداً عقلياً. في هذه الحالة، لا يكون الاستخدام إدماناً بل عادة صحية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 ساعاتحبيت اللغة.
ادريس حسن -
منذ 13 ساعةسلام عليكم
أحضان دافئة -
منذ يوممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين