شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الجنس بين الأمس واليوم... كيف تؤثر التكنولوجيا على الخصوبة وفرص الحمل؟

الجنس بين الأمس واليوم... كيف تؤثر التكنولوجيا على الخصوبة وفرص الحمل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 2 فبراير 202105:34 م

احتلّت التكنولوجيا جزءاً كبيراً من حياتنا، وهذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً، إذ إنه، ومن خلال "كبسة زر" واحدة، نستطيع القيام بمهام كانت تتطلب في السابق مجهوداً كبيراً، بالإضافة إلى تطبيقات الهاتف التي بوسعها مساعدتنا على تنظيم حياتنا بشكل أفضل، ولكن يبدو أن الكثير من الأشخاص باتوا يعتمدون على التكنولوجيا بشكل مفرط لمحاولة إنجاب الأطفال، وهو أمر لا يصلح للجميع، لا بل يمكن أن يحمل تداعيات خطيرة، سواء كان ذلك على الصحة الجسدية أو النفسية.

كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤثر سلباً على حياتنا الجنسية وعلى فرص الحمل؟

الوقت الضائع على التكنولوجيا

يمكن لأي شخص عانى من الضغوط الكامنة وراء المحاولات المتكررة في الحمل دون جدوى، أن يخبر أنها واحدة من أكثر التجارب رعباً وإحباطاً وإزعاجاً، مع ما يتضمنه ذلك من اختبار مشاعر الحزن، الغضب والاكتئاب، وهي أحاسيس أقرب إلى المراحل التي يمرّ بها الشخص عند فقدان شخص عزيز على قلبه، والفراغ الكبير الذي يتركه وراءه.

فبمجرد أن يفكر الأزواج في الحمل وإنجاب طفل، يمكنهم تخيّل كل تفاصيل الحمل والولادة بشكل مثالي، بدءاً من شعور المرأة بالركلات الأولى داخل البطن، وصولاً إلى اختيار الاسم وشراء الملابس المفعمة بالألوان، ولكن أحلام اليقظة هذه قد تصطدم بواقع مختلف تماماً، إذ يواجه ملايين الأزواج في جميع أنحاء العالم صعوبة كبيرة في الحمل.

وبالرغم من أن مغريات اللجوء إلى وسائل عديدة للمساعدة في زيادة فرص الحمل، سواء عبر أشخاص مختصين، أو تناول "كوكتيل" من الفيتامينات والأدوية التي تُباع على أساس أنها تساعد على الحمل، هي أمور طبيعية ومفهومة، إلا أن الاعتماد على التكنولوجيا لإنجاح هذه العملية هو أمر يُنذر بالقلق ويؤثر سلباً على الخصوبة لدى الجنسين.

في إطار الجهود التي يبذلها البعض لمعرفة الأوقات المناسبة للحمل، بالإضافة إلى الوقت الضائع على تطبيقات الهاتف، فإنه يمارس الجنس بمعدلات أقل

تطرقت القابلة القانونية والخبيرة في الصحة الإنجابية فرح كنج، إلى العلاقة بين التكنولوجيا والخصوبة، من منظورين، اجتماعي وصحي، فقد أوضحت أن استخدام الهاتف الذكي بشكل مفرط قد يتحول إلى إدمان يؤثر على سلوك المرء وكيفية تعامله مع الطرف الآخر، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على الرغبة الجنسية والعملية الجنسية برمتها: "تصبح فرص الحمل أقل وذلك بسبب انخفاض الرغبة الجنسية، وبطبيعة الحال، قلّة ممارسة الجنس، وذلك نتيجة الوقت الذي يقضيه المرء على هاتفه".

وفي سياق متصل، تحدثت كنج لموقع رصيف22، عن خطر الأشعة الزرقاء وما فوق البنفسجية المنبعثة من الشاشات: "هذه الأشعة تؤثر سلباً على الجسم، بحيث إنها تسبب أمراضاً عديدة، من بينها السرطان، كما أنها تؤثر على الخصوبة، إذ كشفت العديد من الدراسات أن الخلايا التي تتكاثر بشكل سريع تجذب هذه الأشعة، ما يعني بأن ذلك يؤثر سلباً على البويضة وعلى سرعة الحيوانات المنوية وتحركها".

واللافت انه في السنوات الأخيرة، انخفض حجم الحيوانات المنوية بنسبة  50%، لذلك، لا شك أن هناك شيئاً ما في بيئتنا يؤثر على خصوبة الرجال.

في هذا الصدد، تبحث العديد من الدراسات في مدى تأثير إشعاع التردد اللاسلكي والضوء الأزرق المنبعث من الهواتف على الجسم البشري، وبخاصة على الحيوانات المنوية، فقد كشفت دراسة أن الهواتف التي يتم الاحتفاظ بها في غرفة النوم طوال الليل، تبعث ضوءاً صناعياً يؤثر على إيقاع الساعة البيولوجية لدينا، وعلى مستويات الميلاتونين والكورتيزول، ما يؤثر على الخصوبة.

وكانت دراسة أخرى أجرتها جامعة إكستر قد كشفت أن الرجال الذين يحتفظون بهاتف محمول في جيب البنطلون، قد يتسببون، عن غير قصد، في إتلاف فرصهم بأن يصبحوا آباء، وذلك بسبب الإشعاع الكهرومغناطيسي للترددات الراديوية (RF-EMR) المنبعث من الأجهزة، والذي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على خصوبة الرجال وعلى جودة الحيوانات المنوية لديهم.

الجنس... بين الأمس واليوم

من الملاحظ أنه، وبسبب الطفرة التكنولوجية، بات الكثير من الأفراد أقل صبراً ويريدون الحصول على كل شيء بسرعة فائقة، ما يزيد من الضغط على عملية الحمل، وهو نقيض ما تحتاجه أجسامنا، بحيث تظهر الدراسات أنه في إطار الجهود التي يبذلها البعض لمعرفة الأوقات المناسبة للحمل، بالإضافة إلى الوقت الضائع على تطبيقات الهاتف، فإنه يمارس الجنس بمعدلات أقل.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت أخصائية الخصوبة إيما كانون، لصحيفة تلغراف البريطانية: "من الواضح أن هذا الحال لا ينطبق على الجميع، ولكن هناك اتجاهاً واضحاً تجاه الأشخاص الذين لديهم وقت أقل لممارسة الجنس".

وتحدثت كانون عن أسباب انخفاض النشاط الجنسي وتراجعه مع الوقت: "في خمسينيات القرن الماضي، كان الجماع في المساء يعد خياراً جيداً، إذ يتوقف البثّ التلفزيوني مع النشيد الوطني عند الساعة التاسعة مساء، وعلى الأرجح أنه لم تكن هناك وسائل تدفئة، فكان العناق في السرير وممارسة الجنس أمراً سهلاً".

وشرحت إيما بأن الحياة اليوم قد تغيّرت كثيراً، إذ بات الأزواج يعملون لوقت متأخر من الليل، ويعودون إلى منازلهم مرهقين، ويكتفون بالتحديق بهواتفهم الذكية أو يذهبون إلى صالة الألعاب الرياضية، مضيفة: "هذا التآكل في الوقت المناسب، وخاصة بالنسبة للنساء، له آثار كارثية على الخصوبة".

هذا وتحدثت كانون عن أثر التطبيقات على فرص الحمل: "يخبرني الكثير من الناس أنهم يفقدون رغبتهم الجنسية عند محاولاتهم لأنجاب طفل، وهذا لأنهم يخططون لممارسة الجنس وفق مواعيد محددة بدلاً من إعطائه الأولوية"، وأضافت:" في الكثير من الأحيان، يستخدم الأفراد منتجات الخصوبة كأداة تحكم ويقللون الجنس في هذه العملية".

وعمّا إذا كانت التطبيقات التي تساعد المرأة مثلاً على تتبع الدورة الشهرية، مضرة بالمطلق، أجابت إيما: "إذ تم استخدامها بشكل صحيح، يمكن أن تكون التطبيقات مفيدة حقاً لمساعدة النساء على فهم دورتهنّ الشهرية بشكل أفضل، ولكن إذا كانت لديهنّ دورة منتظمة، فلا ينبغي استخدام التطبيقات لتقليل الجنس إلى مرتين في الشهر"، معتبرة أن الأفراد الذين يحصرون الجنس في أيام الخصوبة فقط في الشهر، يفوتون على أنفسهم فرصة الحمل: "لقد حضرت امرأة لرؤيتي بعد أن ذهبت إلى أربعة متخصصين في الخصوبة، ولم يسألها واحد عن حياتها الجنسية. كانت تمارس الجنس مرتين في الشهر فقط".

هذا وكانت عيادة إيما كانون قد أجرت استبياناً لمعرفة معدل الجنس الذي يمارسه الأزواج الذين يستخدمون تطبيقات الخصوبة، مقابل أولئك الذين لا يستخدمون التكنولوجيا، وقد تبيّن أن الأفراد الذين يستخدمون التكنولوجيا، يمارسون الجنس بشكل أقل (بين مرتين وأربع مرات في الشهر)، مقارنة بالأزواج الذين لا يستخدمون التكنولوجيا (ما بين ثماني إلى عشر مرات في الشهر)، ما يشير بوضوح إلى أن التكنولوجيا تقلل الأوقات المتاحة للنشاط الجنسي.

السوشال ميديا والإجهاد

عند الحديث عن خطورة التكنولوجيا، لا بدّ من الإتيان على ذكر دور وسائل التواصل الاجتماعي لجهة تعزيز مفهوم المقارنة، ما يؤدي إلى نتائج عكسية على كافة الأصعدة، ومن بينها موضوع الخصوبة.

تعليقاً على هذه المسألة، قالت إيما كانون: "المقارنة مع الآخرين هي بطبيعتها خطيرة وليست مفيدة من حيث الخصوبة. بالطبع وسائل التواصل الاجتماعي تشكل أبرز اللحظات المبهجة في حياتنا، ولا نعرف ما هي الصراعات الموجودة وراء الكثير مما نراه، ولكن بالنسبة لأولئك الأزواج الذين يحاولون إنجاب طفل، يمكن أن يكون خنجراً في القلب- أو الرحم- عندما يبدو أن كل امرأة قادرة على الحمل إلى ما لا نهاية".

من هنا، شددت إيما على ضرورة التيقظ ضد الكمّ الهائل من المعلومات المضللة التي يروج لها بعض الأشخاص: "تقوم النساء بتتبع الأنظمة الغذائية وأنظمة التمارين الرياضية من إنستغرام وفيسبوك، ويفقدن الكثير من الوزن، ثم تتوقف لديهنّ الدورة الشهرية".

الخصوبة في تراجع مستمر، والسبب يعود إلى أن العديد من الأفراد يقضون وقتاً متزايداً في التحديق في شاشة الهاتف، وذلك على حساب ممارسة الجنس مع شركائهم، بالإضافة إلى خطورة الإشعاعات التي تصدرها الأجهزة الذكية والتي تؤثر سلباً على البويضات والحيوانات المنوية

وبمعزل عن التأثيرات الفيزيولوجية، فإن الإجهاد الذهني الناجم عن الأنظمة الغذائية القاسية له تأثير حقيقي للغاية على أجسامنا، وهذا ما تتطلق عليه كانون مصطلح Instafear، و"هو ما يجعل الجسم ينتج مواد كيميائية في الدماغ تخبرنا أننا بخطر. كل هذا جزء من آلية القتال أو الهروب، لذلك في كل مرة نشعر فيها بالخوف أو الحسد، نحصل على هذا الاندفاع القليل من الكورتيزول أو الأدرينالين"، مشيرة إلى أن هذا الأمر يؤثر سلباً على الخصوبة.

إذن، الخصوبة في تراجع مستمر، والسبب يعود إلى أن العديد من الأفراد يقضون وقتاً متزايداً في التحديق في شاشة الهاتف، وذلك على حساب ممارسة الجنس مع شركائهم، بالإضافة إلى خطورة الإشعاعات التي تصدرها الأجهزة الذكية والتي تؤثر سلباً على البويضات والحيوانات المنوية، لذا إذا أراد الأزواج زيادة فرصهم في الحمل، فيبدو أنهم بحاجة إلى ترك الهاتف جانباً، على الأقل لفترة قصيرة، والتفكير في كيفية إشعال حياتهم الجنسية وتحييدها عن الضغوطات اليومية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image