"لا يوجد في مستشفى جهينة الحكومي أسرّة عناية مركزة أو جهاز أشعة مقطعية، لأن المستشفى لا تزال تخضع لأعمال الصيانة. المتوفر فقط هم 8 أسرّة عزل في قسم رعاية الطفل بالمستشفى، ومع ذلك لا تستوعب أهالي المركز. الوضع الصحّي شديد الخطورة، ويموت يومياً في قريتنا من 6 إلى 7 حالات متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا، لعدم قدرة المستشفى على استيعاب أعداد المصابين".
بهذه الكلمات لخّص الشاب المصري أحمد وضع وباء فيروس كورونا المستجد بمركز جهينة الذي يتبع محافظة سوهاج في جنوب الصعيد، والتي تتعرض حالياً لموجة انتشار عنيفة من فيروس كورونا المستجد، بدأت في مارس/آذار الماضي ومستمرّة حتى الآن، حسب تأكيدات مصادر طبية لرصيف22.
وما يزيد من خطورة كورونا في سوهاج، هو تدني الخدمات الصحية ونقص الأطباء والعمالة بالوحدات الصحية على مستوى المحافظة، بالإضافة إلى قلّة الإمكانيات الطبية، وخروج عدد من المستشفيات من الخدمة نتيجة أعمال الصيانة والتجديدات، وهو ما يعمّق من أزمة الوباء في المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، حسب تعداد السكان العام لسنة 2020 الصادر عن وكالة الإحصاء الرسمية بمصر "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء".
يخدم مركز جهينة بسوهاج مدينة واحدة و14 قرية، ويتجاوز تعداد سكانه 200 ألف نسمة. هذا العدد الكبير من السكان يتلقى خدماته الصحية من مستشفى جهينة المركزي الحكومي، وقد خرجت تلك المستشفى أصلاً من الخدمة في عام 2017 نتيجة أعمال الصيانة، وصارت مستشفى سوهاج العام (تبعد عن جهينة بنحو 29 كم) هي الملاذ الوحيد للمرضى بشكل عام، لا سيما أثناء الجائحة.
هذا الوضع الصعب، دفع أحمد ومجموعة من شباب المركز للقيام بمبادرة خيرية تضمّ متطوعين أطباء وصيادلة لمتابعة الحالة الصحية للمصابين بالفيروس في القرية، عن طريق الهاتف أو زيارتهم منزلياً، بعد تأكدهم من عدم قدرة المستشفى العام على استيعابهم.
استطاع كمال عن طريق تبرعات أهالي القرية توفير 112 أسطوانة أوكسجين، يتم تشغيلها للحالات شديدة الخطورة بمعرفة الأطباء المتطوّعين، وبالرغم من ذلك فإن هذا غير كاف، نظراً لتزايد أعداد الحالات المصابة بالفيروس. يقول كمال: "أنبوبة الأوكسجين الواحدة تكلفنا 3000 جنيه، ونحتاج يومياً تعبئة اسطوانات الأوكسجين بعد نفاذها، وهذه العملية تكلفنا أيضاً نحو 1700 جنيه مصري، وهذه مبالغ كبيرة نحتاج إلى دعم من وزارة الصحة تمدنا حتى بأسطوانات الأوكسجين لمتابعة الحالات المعزولة منزلياً".
ما يشير إليه أحمد أكّده نقيب الأطباء بسوهاج، الدكتور محمود فهمي، في حوارٍ مع موقع مصراوي المحلي، قال فيه: "لا يوجد بيت في سوهاج إلا وبه إصابة أو اثنتان أو ثلاث... تأتيني استغاثات يومياً لأهال يبحثون عن أسرّة وأماكن في العناية المركزة. نريد أسرّة إضافية وأسطوانات أوكسجين وأجهزة ضخّ أوكسجين مركزي. أيضاً الناس تحتاج لمزيد من الوعي واتباع التدابير الاحترازية وتطبيق التباعد الجسدي بشكل صحيح، والامتناع عن إقامة الحفلات، السرادقات والأفراح".
لا يوجد بيت في سوهاج إلا وبه إصابة أو اثنتان أو ثلاث... تأتيني استغاثات يومياً لأهالي يبحثون عن أسرّة وأماكن في العناية المركزة. نريد أسرّة إضافية وأسطوانات أوكسجين وأجهزة ضخّ أوكسجين مركزي
حديث نقيب الأطباء وشهادة الشاب السوهاجي أحمد قابله نفيٌ حكومي من قبل وزارة الصحة والسكان، ممثلة في الدكتور حسان النعماني، رئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية بسوهاج، الذي نفى وجود إصابات خطيرة بكورونا في سوهاج، وأن الإصابات المسجّلة في المحافظة مثل الإصابات المسجّلة في باقي محافظات مصر.
وقال النعماني، الذي أثار حديثه لاحقاً موجة من الغضب داخل المحافظة: "الوضع الوبائي في المحافظة ليس مشكلة كبيرة تستدعي كل هذا القلق". على المستوى الشعبي، قوبلت تصريحات النعماني برفض واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر مواطنون مصريون من سوهاج أن حديث النعماني لا يمت للواقع بصلة، مطالبين بتدخّل عاجل من رئيس الجمهورية.
وفي سابقة للبرلمان الحالي في مصر بتكذيب مسؤول تنفيذي، وصفت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري تصريحات النعماني بأنها "غير مسؤولة ومنفصلة تماماً عن الواقع" فيما يخصّ أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد. وقال رئيس اللجنة طارق رضوان، في بيان برلماني، إن "تصريحات النعماني تؤدي إلى كارثة مكتملة الأركان من خلال التهوين غير المبرر من خطورة الفيروس"، مطالباً "بزيادة التدابير والإجراءات الاحترازية المشددة، بدلاً من إطلاق الشائعات والمغالطات في أوقات شديدة الحساسية والدقة"، على حد تعبيره.
في 21 أبريل/نيسان الجاري، كشفت وزارة الصحة عن العدد الإجمالي لإصابات فيروس كورونا بسوهاج، وقالت في بيان لها "إن حالات الإصابة المؤكدة في المحافظة منذ بداية الجائحة حتى اليوم بلغت حوالي 7 آلاف حالة، من إجمالي عدد سكان المحافظة والذي يبلغ أكثر من 5 ملايين مواطن".
واعتبرت وزارة الصحة في بيانها أن معدل الإصابات بالموجة الحالية من فيروس كورونا في سوهاج أقلّ شدة من الموجة الأولى، "حيث وصل معدل الإصابات في الأسبوع الواحد خلال الموجة الأولى 600 إصابة، بينما الموجة الثانية 200 إصابة في الأسبوع الواحد، مع ملاحظة زيادة بسيطة في أعداد الإصابات"، طبقاً للبيان. وهو ما ذكره أيضاً رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائي بوزارة الصحة بأن" هناك زيادة طفيفة في حالات الإصابة(...) لا تستدعي القلق، لأن الأمور تحت السيطرة".
لكن مصدراً من إدارة الطب الوقائي بمحافظة سوهاج (يتحفظ رصيف22 على ذكر اسمه حرصاً على سلامته) تحدث عن الوضع الوبائي في سوهاج والإمكانيات الطبية المتوافرة هناك قائلاً: "الإمكانيات الطبية في مستشفيات سوهاج أقل بكثير من إمكانيات المستشفيات في المحافظات الأخرى"، ضارباً المثل بمستشفيات محافظة أسيوط، حيث "هناك فرق بين السماء والأرض".
يرجع المصدر الطبي أسباب ارتفاع معدل الإصابات بكورونا في سوهاج إلى قلة وعي المواطنين، لكن هناك أسباباً أخرى يشير إليها، وهي أن هناك مستشفيات لا تزال تحت التجديد والصيانة، وهو ما أثّر على استيعاب أعداد المصابين في المستشفيات داخل نطاق الخدمة. أمر آخر يشير إليه المصدر وهو انعدام الثقة بين المواطن في سوهاج والقطاع الطبي: "الناس عندها رعب من المستشفيات وتلجأ إليها كحل أخير. جهود المتطوعين نفعتنا أكثر من جهود الحكومة".
إضافة إلى ذلك تعاني الغالبية العظمي من مستشفيات سوهاج من غياب جهاز الأشعة المقطعية لاكتشاف مدى وجود تليف في الرئة، وهي إحدى مضاعفات كورونا الخطيرة. وتعتمد الأشعة المقطعية في مصر كوسيلة تشخيص بديلة لمسحات PCR الأعلى تكلفة والأكثر ندرة.
وتمتدّ المعاناة إلى المواطن أيضاً في التواصل مع الإسعاف الحكومي الذي يتعامل بروتين لا يتناسب مع الإبلاغ عن حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، فضلاً عن العزل الصارم الكلي الذي يُطبّق على الشخص المصاب في مستشفيات العزل، إذ يمنع تماماً من هاتفه المحمول للتواصل مع أهله، بعد وصول صور وفيديوهات ترصد حالة مستشفيات العزل إلى الإعلام عبر السوشال ميديا، هذا العزل الصارم بات يسبب ضرراً نفسياً على الأشخاص المصابين، ويدفع بالأهالي لتفضيل العزل المنزلي على المستشفيات. هذا ما يؤكّده أحمد والمصدر الطبي بإدارة الطب الوقائي في سوهاج.
وعن أعداد كورونا الحقيقية، ينفي المصدر علمه بكل الحالات، فدوره يقتصر فقط على متابعة الحالات المصابة عبر التواصل هاتفياً أو زيارتهم منزلياً في حال استدعت الحالة الصحية للمريض زيارة الطبيب، فقال إنه يتابع يومياً من 10 إلى 15 حالة مصابة بالفيروس، ما بين حالات جديدة وحالات يتابع معها بشكل دوري.
وقال المصدر: "أخطر ما في المستشفيات هي العناية المركزة. كل العنايات المركزة في المحافظة مشغولة".
الدكتورة كريمة حامد، وكيلة وزارة الصحة في سوهاج، أكدت في تصريح مقتضب لرصيف22 "وجود زيادة طفيفة في أعداد الإصابات"، إلا أنها عادت وقالت إن الموجة الحالية بدأت في الانحسار، "وهناك مؤشرات تقول إن حدة الإصابات ستنخفض بداية من الأسبوع المقبل".
يجد أحمد نفسه أمام خيار فرض حظر تجوال على سوهاج لاحتواء الإصابات، فلا هو قادر على رفض فكرة الحظر، ولا هو موافق على فرض الحظر، حتى لا يتأثر العمال الذين يعملون بنظام اليومية، فهم أكثر الفئات تأثراً في حال فرض حظر التجوال، وأيضاً هم الأكثر عرضة للفيروس
وسط هذا السجال بين المواطنين والمسؤولين، يجد أحمد نفسه أمام خيار فرض حظر تجوال على سوهاج لاحتواء الإصابات، فلا هو قادر على رفض فكرة الحظر، ولا هو موافق على فرض الحظر حتى لا يتأثر العمال الذين يعملون بنظام اليومية، فهم أكثر الفئات تأثراً في حال فرض حظر التجوال، وأيضاً هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس: " هم كده ميّتين ميّتين"، على حد تعبير أحمد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...