شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
شتاء غياب الأصدقاء البارد والطويل

شتاء غياب الأصدقاء البارد والطويل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 24 أبريل 202112:46 م

الهجرة نوع من الخيانة المبررة والمشروعة، خيانة للأصدقاء والذكريات والأماكن، وتحتاج إلى شجاعة أنا شخصياً لا أمتلكها.

حين أعلنت أمريكا أنها ستقوم بضربة عسكرية على سوريا، عام 2013، كان الشارع السوري مترقباً وخائفاً وبدأ الناس بنشر التحليلات والشائعات، وانقسم الأهالي في قريتي إلى ثلاث مجموعات، الأولى قالت: إن أمريكا ستضربنا من البحر بواسطة سفينة حربية هي الأحدث في العالم وسيكون ميناء اللاذقية أول الأهداف؛ والثانية كانت ترى أن الضربة من البحر تمويه وتكتيك عسكري هدفه تضليل الدفاعات السورية لأن أمريكا تنوي ضربنا بواسطة عشرات الطائرات الموجودة في قواعدها المنتشرة في الخليج؛ أما المجموعة الثالثة فرأت أنه سيتم ضربنا بالغازات السامة.

ليلتها، أرسلت إلى صديقي المغترب رسالة عبر فيسبوك: مرحباً يا صاحبي القديم متى ستعود أيها الوغد؟ ربما لن أستطيع أن أنتظرك أكثر فخلال الأيام القادمة قد توجّه أمريكا لنا ضربة عسكرية من سفينتها التي تسبح على مهل في مياه المتوسط وربما أكون من بين الأموات. لحظة تقرأ خبر موتي منشوراً على فيسبوك مع صورة لنعوتي لا تكتب عنّي شيئاً على بروفايلك لأني لا أحب ذلك، أعرف أنك لن تفعل ولكنّي واثق من أنك ستروي لحبيبتك وللأصدقاء بعض المواقف المضحكة التي عشناها وتضحكون وأضحك أنا في قبري، بعدها ستقول كلاماً يجعل قلبي يتألم ويجعل الآخرين يعرفون كم أنا محظوظ لأنك صديقي.

غيابك يا صاحبي شتاءٌ باردٌ وطويل، هل تفكر في أن تعود؟

منذ 25 سنة بدأت صداقتنا. في تلك الأيام لم تكن لدينا موبايلات فكنتُ أتصل بك على هاتفك الأرضي وإنْ لم تكن موجوداً أطلب من أهلك أن يخبروك أنني غداً سأزورك. وأحياناً، كنت آتِي بدون اتصال فلا أجدك، وأنتظرك نصف ساعة ثم أغادر لأبحث عنك في المدينة، أفتش في ثلاثة شوارع وأربعة مقاهٍ وحديقة عامة وأجدك في أكثر الأحيان. الآن، لدينا هاتف جوال وفيسبوك وواتساب والكثير من وسائل التواصل ولكننا لا نستطيع أن نلتقي سوى في العالم الافتراضي.

"أخبرته ذات مرة أنني أخبّئ له حصته من هواء مدينة اللاذقية إلى يوم عودته، وأن عودته بالنسبة إليّ ستجعلني أشعر بأن كل الأشياء الجميلة التي ضيّعتها في طفولتي وبكيت عليها عادت بلحظة واحدة"

غداً إنْ غادرت السفينة الأمريكية دون أن تضربنا هل تفكر في أن تعود؟

لو أنك هنا لوجدنا حلاً لهذه الضربة الأمريكية اللعينة كما كنّا نفعل حين كانت تصادفنا أزمات حادة نناقشها بجدية لساعات، وحين لا نجد حلاً ننتقل إلى الخطة "ب"، وحين لا نجد حلاً ننتقل إلى خطة البجعة السوداء الخاصة بالكوارث والأزمات، وحين لا نجد الحل نبدأ باقتراح حلول مضحكة. كنّا نصنع الضحك من أقسى المواقف.

لو أنك في سوريا الآن لجلسنا معاً نشرب المتة ونستمع إلى أغاني عابد عازرية، ألبوم "توابل"، وبينما ندخن أخبرك أنّي قلق ومتوتر مما قد تقوم به تلك السفينة الأمريكية فتقول: اسمع ما أجمل أغنية عابد عازرية "أنبِت الصخر ودعنا نحتمي بالصخر من حمى الدوار" ثم تبدأ بالسخرية من تلك السفينة التي لا تشبه سفينة جزيرة الكنز في برامج الأطفال قائلاً: أي سفينة لا يوجد فيها القبطان سيلفر هي مجرد خردة لا قيمة لها وليس بمقدورها أن تفعل شيئاً، ثم تطلب منّي أن أدخل على يوتيوب وأكتب "حكمة سيلفر" ونبقى لمدة دقيقتين نستمع إلى كلام عميق ورائع بين سيلفر وجيم.

"حين أموت أريد أن يُكتب على شاهدة قبري: لا شيء مهم في حياته التي أنفقها في الضحك مع الأصدقاء"

بعدها نبدأ بمناقشة الحلول الكوميدية التي يمكنها ردع السفينة الأمريكية ومن بين الحلول ستكون نظرية مواجهة العدو بالإعلان عن مباراة ودية بين فريقي كرة القدم والسلة السوريين بحيث يُلعب شوط بكرة القدم في ملعب كرة القدم وشوط بكرة السلة في ملعب كرة السلة، وهذه النظرية بحسب علم النفس الحربي ستربك العدو وتجعله يفكر أن هناك خطة مخفية وسرية يتم الإعداد لها فيؤجل الضربة وينشغل بالبحث والتحليل عما يحدث في الخفاء، وبدون تردد أوافقك الرأي ونضحك.

مضى عام 2013 وحتى الآن لم أمت وصديقي ما زال في السويد نتواصل كل يوم تقريباً برسائل عبر واتساب، وفي حال كانت سرعة الإنترنت جيدة في السويد والتيار الكهربائي ليس مقطوعاً، نجري مكالمة عبر واتساب لساعات طويلة.

أخبرته ذات مرة أنني أخبّئ له حصته من هواء مدينة اللاذقية إلى يوم عودته، وأن عودته بالنسبة إليّ ستجعلني أشعر بأن كل الأشياء الجميلة التي ضيّعتها في طفولتي وبكيت عليها عادت بلحظة واحدة.

منذ هجرتهِ عام 2011 لم نلتقِ سوى مرة واحدة في بيروت، لحظة اللقاء لم يعانقني بل ألقى دعابة وحين أنهينا الضحك تعانقنا. حين أموت أريد أن يُكتب على شاهدة قبري: لا شيء مهم في حياته التي أنفقها في الضحك مع الأصدقاء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image