في الخامس من أيار/ مايو، رُشق أحد المساجد، على طريق ألبرت رود إلفورد في لندن، بالبيض والحجارة، ففتحت شرطة متروبوليتان تحقيقاً استمعت فيه إلى شهود أكدوا أن سيارة مرّت قرب المكان فيها أربعة أشخاص قاموا بالفعل وفرّوا هاربين.
ووصف المشرف على المسجد، أحمد نواز، الحادث بالمخجل قائلاً إن "كل ما بات يطلبه المسلمون في هذه المدينة هو أن يعامَلوا كبشر لا أكثر".
لعل هذا الحادث قطرة في بحر ما تعيشه مساجد كثيرة في لندن والمملكة المتحدة عموماً، وهو ما دفع المجلس الإسلامي البريطاني إلى إطلاق مبادرة منذ عام 2015 لتشجيع المساجد على تنظيم أبواب مفتوحة للتعريف بها، انخرط فيها في العام الأول 20 مسجداً، صارت 80 في 2016 ثم 170 في 2017.
رغم ذلك، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة YouGov أن حوالي 90% من البريطانيين لم يدخلوا قط إلى أي مسجد في حياتهم.
في أبوابها المفتوحة، ركزت مساجد بريطانيا على توفير الطعام للمشردين والتبرع بالدم وتوزيع الكتب الدينية التي تدعو إلى التسامح والتعايش من أجل تبديد المفاهيم الخاطئة عن المسلمين في هذا البلد.
ومن بين العمليات التي انخرطت فيها المساجد بكثافة، في الآونة الأخيرة، عمليات التلقيح ضد كوفيدـ19 التي احتضنتها باحات مساجد عدة، إذ انضمّ نحو 100 مسجد في بريطانيا إلى حملة مواجهة المعلومات المضللة حول اللقاح، كما استغل كثيرون من الأئمة في لندن خطب الجمعة للتأثير في المسلمين والتأكيد لهم أن اللقاحات آمنة وحلال.
ويرى رئيس المجلس الاستشاري الوطني للمساجد والأئمة، قاري عاصم، أنه "لو سُجِّل انخفاض في أخذ اللقاحات بين المسلمين في بريطانيا مقارنة بجميع االأديان الأخرى، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تأجيج ظاهرة الإسلاموفوبيا"، مضيفاً: "في هذا الوباء، لا ينبغي لأحد أن يكون كبش فداء".
ورغم ذلك، سُجّل تردد من قبل بعض المسلمين في لندن على تلقي اللقاح، فبعضهم كان مُصِرّا على أنه يبطل الصيام كما نقل عنهم ذلك الطبيب كاشف عزيز، من مركز ساتون الطبي، جنوبي لندن.
ومن أبرز مساجد لندن التي انخرطت في عمليات التلقيح مسجد شرق لندن، الذي يُعَدّ الأكبر مساحة في المدينة، والذي أنشأ عيادة مؤقتة بلافتات واضحة كان الهدف منها وضع حد لتردد البعض في أخذ اللقاح بدعوى أنه يحتوى على منتجات حرام.
كما انضم مسجد فينسبري بارك الشهير في شمال لندن إلى العملية، وزاره أمير ويلز تشارلز، رفقه عقيلته، للاحتفاء بالأمر. ولم تكن هذه زيارته الأولى له، إذ حضر افتتاحه عام 1994، كما زاره عام 2017 بعد اعتداء فينسبري بارك الإرهابي.
مسجد في شكل "مصنع للتطرف"
أن ينخرط مسجد فينسبري بارك في عملية التلقيح فذلك أمر مثير حقاً للتأمل، إذ لطالما ارتبط بحكايات كثيرة، ووصفت صحيفة "دايلي تلغراف" تحويله من بؤرة تطرف إلى نموذج للخدمات الاجتماعية بأنه قصة نجاح حقيقية.
يبقى حضور المساجد في لندن مرتبطاً بكثير من الجدل بين مراقبة أمنية وطيدة وانتقاد يميني عنيف يحذّر من أسلمة المدينة، وتاريخٍ من الأحداث التي وجد فيها مسلمو المدينة أنفسهم مجبرين على الدفاع عن هويتهم
تطوّر هذا المسجد من غرفة صغيرة كان يستخدمها مسلمون بنغال في الستينيات من القرن الماضي إلى أحد أشهر المساجد في أوروبا. ولكن هذه الشهرة كانت سلبية إذ اقترن ذكره باسم أبي حمزة المصري الذي أصبح إمامه عام 1997 وعزز قبضته الحديدية عليه إلى درجة أن أنصاره كانوا يمنعون أي شخص غير موثوق به من أن تطأ قدماه عتبة المسجد.
ولاذ أمناء المسجد حينذاك بالقضاء البريطاني في محاولة لطرد أبي حمزة أو على الأقل منعه من إلقاء الخطب فيه. لكن رغم صدور حكم لصالحهم إلا أنه لم يُنفّذ.
وأصبح مسجد فينسبري بارك نقطة جاذبة لمتطرفي لندن، بل وذكرت صحيفة "الغارديان" أنه كان لمدة غير بسيطة مسرحاً لعمليات تدريب على حمل الأسلحة. وأغلق المبنى بعد مداهمة للشرطة ليواصل أبا حمزة إلقاء خطبه كل يوم جمعة في الشارع خارج المسجد المغلق حتى ألقي القبض عليه عام 2004.
وشهد المسجد في صيف 2014 حضوراً مكثفاً للأمن بعد تفاقم خلاف بين صحافي في قناة العربية ومشرف على المسجد. وقتها قال الصحافي إن المشرف احتجزه نصف ساعة بينما قال المشرف أن الصحافي له نوايا خبيثة في تصوير ما يجري داخل المسجد.
أن ينخرط مسجد فينسبري بارك في لندن في عملية التلقيح ضد كوفيد-19 فذلك أمر مثير حقاً للتأمل، إذ لطالما ارتبط بحكايات كثيرة، ووصفت صحيفة "دايلي تلغراف" تحويله من بؤرة تطرف إلى نموذج للخدمات الاجتماعية بأنه قصة نجاح حقيقية
ومع مطلع 2015، وبعد أحداث صحيفة "شارلي إيبدو"، سُلط الضوء من جديد على علاقة المسجد بالتطرف، وزُعم أن المعتدين على المجلة الفرنسية الساخرة كانوا من أتباع جمال بقال، الواعظ المتطرف الذي كان يقيم في المسجد في أواخر التسعينيات.
وتلقّى المسجد إثر ذلك تهديدات عبر البريد، كما حاول أحدهم إضرام النار فيه، لكن المحاولة أخفقت بسبب هطول شديد للأمطار. كما ألقى أحدهم لحم خنزير على جدرانه عام 2016.
لكن يبقى أكبر حدث تراجيدي شهده تاريخ المسجد هو حادث الدهس، عام 2017، عندما صدمت شاحنة مستأجرة العديد من المصلين الذين كانوا يغادرونه، فتوفي شخص متأثراً بإصابته البليغة وجُرح عشرة آخرون. جرى ذلك في عام شهدت فيه لندن سلسلة هجمات إرهابية نفّذها مسلمون وعانت الجالية المسلمة من وطأتها.
وحُكم على الجاني المتهم بحادث الدهس قرب المسجد بالسجن المؤبد لتطوى الصفحة إلى غير رجعة.
شارع "الخطيئة"
لم يكن مسجد فينسبري بارك المسجد الوحيد مثار الجدل في عاصمة الضباب. هناك مسجد آخر أو مشروع مسجد أثار جدلاً من نوع آخر، ما تسبب في إجهاض فكرته قبل تأسيسه.
المسجد كان يُفترض أن يُبنى في ساحة بيكاديلي في لندن المرتبط ذكرها بحياة الليل والحانات واقتناص لحظات اللذة، لذا فإن آخر ما قد يناقشه المرء في مكان كهذا هو تأسيس مبنى للعبادة.
لكن كان هذا بالضبط ما اقترحته قبل شهور مؤسسة عزيز الخيرية، التي تقدّم منحاً دراسية للطلبة المسلمين وتموّل برامج خيرية في بريطانيا على مجلس بلدية وستمنستر بغية استصدار ترخيص يقضي بتحويل جزء من مبنى تروكاديرو في الساحة إلى مسجد.
وقتها، تقدّم المعترضون على المشروع بشكوى للبلدية، اعتبروا فيها أن المكان سيجعله مسجداً ضخماً، كما قال البعض إن بناء أي مسجد "يتعارض تماماً مع طبيعة المنطقة التي ظلت محجاً للثقافة والترفيه طوال تاريخنا، وبما أنه لا توجد أماكن عبادة أخرى في المنطقة فإن فرض مسجد هناك من شأنه أن يغيّر طابعها وطبيعتها"، كما قال آخر: "من المهزلة أن نضحي بمبنى شُيِّد قبل قرون لصالح الإسلام، وهو ليس دين هذا البلد على أية حال"، وأكد آخرون أن وجود أعداد كبيرة من المسلمين في المنطقة "قد يجعل المثليين الذين يعيشون في منطقة سوهو المجاورة غير مرتاحين".
في نهاية المطاف، لم يؤسَّس ذلك المسجد ولكن ما أحدثته فكرته قد يكون نموذجاً للجدل الذي يثيره حضور المساجد في مناطق بعينها في لندن.
لندن بلا مساجد؟
دأب الإعلام اليميني على توجيه انتقادات عنيفة للمساجد في بريطانيا، كتهميش النساء مثلاً إذ تفيد الأرقام بأن أكثر من ربع المساجد البريطانية لم تضع في تصميم بنائها مصلى للنساء، بل وحتى في المساجد التي يوجد فيها مصلى للنساء، غالباً ما تكون مساحته أصغر بكثير من مصلى الرجال.
وتقول أنيتا نيار، المشرفة على حملة بعنوان "افتحوا مسجدي"، إن مصليات النساء في مساجد لندن عادة ما تكون أصغر مساحة من مصليات الرجال، أو في القبو، أو في أدوار عليا.
كما وجهت انتقادات لاذعة للمجالس المحلية في لندن التي أعطت موافقتها على بث الأذان خارج المساجد في المساء في فترة الإغلاق لمساعدة المسلمين في رمضان على البقاء على اتصال بأماكن عبادتهم، فضلاً عن الانتقاد الموجه لمسجد شرق لندن الذي سُمح له باستعمال المكبر في النداء للصلاة.
ويبقى حضور المساجد في لندن مرتبطاً بكثير من الجدل بين مراقبة أمنية وطيدة وانتقاد يميني عنيف يحذّر من أسلمة المدينة، وتاريخٍ من الأحداث التي وجد فيها مسلمو المدينة أنفسهم مجبرين على الدفاع عن هويتهم في مدينة تضج بأماكن عبادة كل الأديان والمعتقدات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع