في خطوة هي الأولى من نوعها انتقلت إدارة جماعة الإخوان المسلمين من مصر إلى مكتبها في العاصمة البريطانية لندن، وهو ما أثار تساؤلات حول تعزيز التشتت في صفوف التنظيم، فضلاً عن مخاوف لدى أفراد من الجماعة من وقوع الأخير تحت تأثير السياسة البريطانية.
في 14 أيلول/ سبتمبر، أعلن المتحدث باسم "الإخوان المسلمين" في مصر طلعت فهمي تولي إبراهيم منير الذي يشغل منصب نائب المرشد العام، قيادة الجماعة واعتباره المسؤول الأول لها في الداخل والخارج، وذلك بعدما اعتقلت الشرطة المصرية محمود عزت الذي كان يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام محمد بديع القابع في السجن منذ عام 2013.
ويُعد منير من الشخصيات المثيرة للجدل إذ اعترف سابقاً أنه تعاون مع الأمن المصري في ستينيات القرن الماضي، كما صرّح مرة أن الشريعة تمنع التدخل في حرية الناس عندما سُئل عن أمور تتعلق بالإيمان بالله أو المثلية الجنسية.
قيادة الإخوان
تأتي هذه الخطوة بعد جدل بدأ داخل "الإخوان المسلمين" حول قيادة الجماعة إثر شغور منصبي المرشد العام والقائم بأعماله، حيث برز طرف يطلب إجراء انتخابات لاختيار مسؤول جديد وشاب وطرف ثان يطالب بتشكيل لجنة تتولى إدارة التنظيم وثالث يدعم تولي منير المنصب.
وكانت الجماعة قد أقرّت، في 28 آب/أغسطس الماضي، باعتقال عزت، مُطَمئنة في المقابل بأن أعمالها "تسير بانتظام".
ويرى عدد من أعضاء الجماعة أن القائم بأعمال المرشد يجب أن يكون مُنتخباً وأن يحصل على البيعة، وفقاً للائحة الداخلية للتنظيم.
وكان المتحدث باسم الجماعة الذي يقيم في تركيا قد قال: "إبراهيم منير هو الآن نائب المرشد وصار المسؤول الأول عن إدارة الجماعة وفق لوائح وتقاليد الجماعة وأعرافها، ولكل مرحلة خصائصها وظروفها"، نافياً أن يكون في لائحة الجماعة ما يمنع تعيين قائم بأعمال المرشد من خارج مصر.
وأصدر منير بياناً حمل صورته، أعلن فيه عن "بدء مرحلة جديدة" تتضمن "ترتيبات داخلية جديدة" سيتم إعلام أفراد الجماعة بها في الوقت المناسب.
وخاطب منير أعضاء الجماعة، داعياً إياهم إلى طاعته والتماسك ووحدة الصف، وقال: "أخاطبكم جميعاً بما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى (دستورنا) في سورة الأنفال، وما حملته من توجيهات ربانية ومعان سامية كانت وما زالت منهلاً لبرامج تربية الصف (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)".
اعتراضات
ما إن نشر منير بيان توليه قيادة الجماعة، حتى خرجت اعتراضات على القرار، مطالبة بإجراء انتخابات وتولي قيادات شابة.
وكتب البرلماني السابق أشرف عبد الغفار على فيسبوك: "لا إبراهيم منير أفضل ولا محمود حسين، كلاهما شركاء الجريمة، يجب أن تعود الجماعة خالية من كل هؤلاء بانتخابات جديدة و لوائح جديدة ووجوه جديدة لم تشارك في جرائم وفساد السنوات السبع".
وقال ناشط في تغريدة له على تويتر: "هل عقمت الجماعة من القيادات الشبابية، ولماذا يتم اختيار د. إبراهيم منير ونعلم أنه خارج مصر منذ سنين ولا يعلم عن مصر الكثير".
وتساءل: "أين شباب الإخوان؟ وسؤالي عن من هم في سن الأربعين والخمسين، لماذا لا يتم اختيار أحد من كوادر الجماعة رغم أن فيهم الكثير والكثير؟".
تعليقاً على رفض عدد من الأخوان القرارات الجديد، قال الباحث المصري المختص في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان إن منير لا يحظى بأي حضور أو تأثير داخل ما تبقى من عناصر الإخوان الذين لا يزالون يحافظون على ولائهم للتنظيم.
يأتي تعيين إبراهيم منير بعد جدل بدأ داخل "الإخوان المسلمين" إثر شغور منصبي المرشد العام والقائم بأعماله، حيث برز طرف يطلب إجراء انتخابات لاختيار مسؤول جديد وشاب وطرف ثان يطالب بتشكيل لجنة تتولى إدارة التنظيم
ولفت، في حديثه لرصيف22، إلى أن مصدر قوة منير هو هامش الحركة المتاح له سياسياً وإعلامياً، وهو ينتمي لجناح محمود عزت الذي كان يراهن على الصبر الاستراتيجي والكمون حتى يتم ترميم هيكل الجماعة وإعادة اللحمة لها، لكنه غير قادر على التواصل مع إخوان الداخل، وبالتالي سيبقى منصبه محاولة لاستمرار رمزية منصب المرشد دون انعكاس فعلي على حركة التنظيم.
وقال بان: "في المحصلة، سيبتلع ضباب لندن ما تبقى من بريق الجماعة عبر قيادة باهتة هي الأقل حضوراً وتأثيراً سواء في مواجهة الإخوان أو المتعاطفين أو حتى المتابعين للجماعة بشكلها التقليدي وبتنظيمها المتماسك، ولا أتصور أن أي قيادة مهما كانت مواهبها الحركية أو الفكرية قادرة على إعادة تعويمها".
من جانبه، غرّد الكاتب الصحافي قطب العربي قائلاً: "حين تنجح جماعة الإخوان في استعادة زخمها، ولملمة شتاتها، وتجديد دمائها فستكون هذه هي البداية الحقيقية للتغيير في مصر".
وأضاف العربي: "اليوم أصدر المسؤول الأول عن الجماعة الأستاذ إبراهيم منير نائب المرشد العام قراراً بتشكيل لجنة إدارية عليا جديدة ندعو الله أن تكون فاتحة خير".
المعروف عن إبراهيم منير
وُلد المسؤول الجديد عن الإخوان عام 1937 وتخرّج من جامعة القاهرة عام 1952، وهو عضو في مكتب الإرشاد، وأمين التنظيم الدولي للجماعة، والمتحدث باسم الإخوان المسلمين في أوروبا؛ ويقيم منذ سنوات في لندن.
في عام 1955، حُكم على منير بالسجن 5 سنوات عندما كان في عمر 18 عاماً، ثم أُفرج عنه، لكنه اعتُقل مرة أخرى في العام ذاته وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية عُرفت إعلامياً بـ"إحياء التنظيم".
انتقل منير إلى الكويت هرباً من الملاحقات الأمنية ثم طلب اللجوء السياسي إلى بريطانيا، وبالفعل سافر إلى لندن حيث افتتح مكتباً لجماعة الإخوان.
صرح معارضو منير أن الأخير عميل لأجهزة أمنية وذلك بسبب اعترافه في عدد من اللقاءات الإعلامية أنه التقى بمسؤولين من الاستخبارات البريطانية وتم تجنيده من قبل ضباط مصريين لنقل أخبار المعتقلين من الإخوان.
وفي عام 2012، أصدر الرئيس الراحل محمد مرسي عفواً على منير وآخرين.
اعترف منير في الحلقتين 13 و14 من برنامج "مراجعات" على شاشة قناة "الحوار" مع الفلسطيني عزام التميمي أنه كان على تواصل مع رجال الأمن أثناء اعتقاله عام 1965، وذكر أن مفتش أمن الجيزة اللواء حسن أبو باشا طلب وقتها رؤيته، لينجح في تجنيده لنقل أخبار أعضاء جماعة الإخوان في تقارير كان يسلمها لرجال الأمن.
ظهر منير كثيراً في مؤسسات بريطانية وغربية متحدثاً باسم جماعة الإخوان، منها لقاء في مجلس العموم البريطاني، قبل عامين، عندما نظم المجلس ندوة عن فكر الجماعة.
"سيبتلع ضباب لندن ما تبقى من بريق الجماعة عبر قيادة باهتة هي الأقل حضوراً وتأثيراً سواء في مواجهة الإخوان أو المتعاطفين أو حتى المتابعين للجماعة بشكلها التقليدي وبتنظيمها المتماسك"... سيكون إبراهيم منير أول من يدير "الإخوان المسلمين الأم" من خارج مصر
وكان منير يجيب عن أسئلة خمسة من أعضاء مجلس اللوردات البريطاني، وعدد من الباحثين والسياسين العرب والأجانب بالندوة.
وخلال الجلسة، سأله أحد المشرعين البريطانيين عن موقف الجماعة من الإلحاد والمثلية الجنسية، فأجاب أن الشريعة الإسلامية تمنع الحاكم أو المجتمع من التدخل ضد حريات الناس.
وفي الجلسة ذاتها، تبرأ منير أيضاً من أفكار وفتاوى عضو جماعة الإخوان الشيخ يوسف القرضاوي التي تشجع على العنف، مشيراً إلى أن لا أحد ملزم بها.
قيادة الإخوان في لندن
باختياره لهذا المنصب، سيكون منير أول من يدير "الإخوان المسلمين الأم" من خارج مصر، وليس حتى من إحدى الدول العربية التي تتواجد فيها فروع للجماعة.
ويعتقد متابعون أن انتقال ادارة الجماعة من القاهرة إلى لندن سوف يسمح للمسؤول الجديد بحرية الانتقال والحركة على عكس عزت الذي ظل مختبئاً سبع سنوات.
ومع ذلك، يرى القيادي السابق في جماعة الإخوان مختار نوح أن انتقال الإدارة إلى لندن سوف يعزز الانقسام أكثر، فالقيادات المقيمة في الدوحة تخضع لتأثير السياسة القطرية، لذا من غير المحتمل بنظره أن تقبل بقرارات قد تشعر قطر أنها تخدم لندن، وكذلك القيادات المقيمة في تركيا والمتماهية مع السياسات التركية.
ولفت نوح، في تصريح لرصيف22، إلى أن المعضلة الثانية تكمن في مكتب لندن الذي يخيم عليه طابع الجاسوسية، ويُنظر له بريبة بسبب ما يُشاع عن ارتباطه بالاستخبارات البريطانية، واصفاً منير بأنه صاحب "شخصية ضعيفة ويفتقد الرؤية والاستراتيجية".
وفي عام 2009، تحدث منير في حوار مع أحد وسائل الإعلام المصرية عن علاقة بريطانيا بمكتب الجماعة في لندن قائلاً: "الحكومة البريطانية تعلم أنني عضو مكتب إرشاد للإخوان، وأنا لا أخجل من هذه الصفة، كما أنها تعلم من يقوم بزيارتنا ومن ينتمي لفكرنا من خلال متابعتها عن طريق الكاميرات المشهورة عن بريطانيا، وعن طريق اتصال مباشر بيني وبين الجماعة، وطرق كثيرة أخرى".
وأضاف: "بريطانيا كأي بلد تريد أن تعرف عن الإخوان لأن ذلك يساعدها في رسم السياسات الخارجية، وباعتبار مصر أهم منطقة في الشرق الأوسط، فهم يأتون الينا لمعرفة الواقع ليس أكثر ولا أقل، فمنطقتنا من أهم المناطق في هذه المرحلة التاريخية، أما إذا أرادوا أن يوصلوا رسائل فليقوموا بإيصالها دوننا، فأنا أكرر نحن لسنا وسيطاً لتوصيل الرسائل وليست هذه مهمتنا".
ولم يصدر حتى الساعة أي رد فعل عن الحكومة البريطانية أو وسائل الإعلام الإنكليزية حول خبر انتقال إدارة الجماعة إلى لندن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا