شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"فحوص العار"... حملة رقمية لإدانة الفحص الشرجي القسري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 28 مايو 202105:00 م

يقدم رصيف22 هذه المقالة ضمن سلسلة تغطي ثلاث حملات تسلّط الضوء على أبرز الانتهاكات التي يتعرّض لها أفراد المجتمع الكويري في العالم العربي، وقد عملت عليها مجموعات مختلفة من منظمات عربية بارزة، بعد المشاركة في دورة تدريبية من تنظيم معهد صحافة الحرب والسلام IWPR.

في المنطقة العربية، لا تساعد العديد من وسائل الإعلام المحلية (رغم بعض الاستثناءات) في إدانة الفحوص الشرجية، مفضلة عدم الحديث عن هذا الموضوع الشائك.

أما في مواقع التواصل الرقمي، فيشنّ الناشطون/ات بين الحين والآخر حملاتهم/هنّ لجذب اهتمام السلطات الرسمية ورفع الصوت عالياً من أجل التشديد على أن الفحوص الشرجية، علاوة على كونها مُحقّرة لكرامة الإنسان، هي في الواقع شكل من أشكال التعذيب وممارسة لاإنسانية تنطوي على الكثير من الانحياز والإساءة بحق أفراد المجتمع الكويري.

أصوات مناهضة

أثناء الفحص الشرجي القسري، يُطلب من الشخص المعني أن ينزل بنطاله وأن يتخذ وضعية السجود، ثم يشرع الطبيب من خلال أصابعه أو بواسطة أدوات معيّنة، في "التفتيش" في شرجه عن أية آثار يمكن أن تكون دليلاً على إيلاج قضيبي.

واللافت أن هذه الممارسة المسيئة والقاسية على الصعيدين الجسدي والنفسي، تجري غالباً في حضور بعض عناصر الأمن، لغرض التدخل الفوري لتقريع الشخص في حال امتناعه عن الامتثال أو لتقييده إن أبدى أية مقاومة.

من بين الأصوات المناهضة للفحص الشرجي القسري، ينشط فريق مكوّن من خمس منظمات عربية مدافعة عن حقوق المجتمع الكويري هي: دمج (تونس)، موجودين (تونس)، موزاييك (لبنان)، بداية (مصر) ومساحات (مصر)، بتنظيم حملة رقمية بعنوان "فحوص العار".

يشنّ الناشطون/ات بين الحين والآخر حملاتهم/هنّ لجذب اهتمام السلطات الرسمية ورفع الصوت عالياً من أجل التشديد على أن الفحوص الشرجية، علاوة على كونها مُحقّرة لكرامة الإنسان، هي في الواقع شكل من أشكال التعذيب وممارسة لاإنسانية تنطوي على الكثير من الانحياز والإساءة بحق أفراد المجتمع الكويري

تستعمل الحملة أدوات التواصل الاجتماعي، للمناصرة، بحيث يعمل الفريق على نقل القضية إلى الفضاء العام، لتسليط الضوء على حقيقة أن هذه الممارسة هي ضدّ الحريات وتمسّ بالكرامة، فضلاً عن كونها لا تستند إلى مبررات طبية، وبالتالي فإن عشوائية ممارستها تجعل كل أفراد المجتمع عرضة لها لمجرّد الاشتباه.

ترى حملة "فحوص العار" أن التوعية، بعيدة المدى، هي خطوة أولى قبل الضغط على السلطات المعنية.

وتتوجّه الحملة بالدرجة الأولى إلى فئتين محددتين من المجتمع: الفئة الأولى تضم الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاماً، فتقول لهم: "أنتم عرضة للخضوع للفحص الشرجي القسري، لمجرّد الاشتباه". أما الفئة الثانية فتشمل الأفراد بين 30 إلى 40 عاماً، وتحمل لهم الرسالة التالية: "قد يخضع ابنكم مستقبلاً للفحص الشرجي القسري، لمجرّد الاشتباه".

هذا وتركز حملة "فحوص العار" على حقيقة أنه، وأثناء القيام بالفحوصات الشرجية، تُسلب الحقوق من الأفراد المعنيين، ويعاني البعض منهم من صدمة نفسية دائمة، بحيث تستمر الآثار النفسية الصعبة لهذه الممارسة المهينة لفترة طويلة.

عشوائية التحقير

في حديث مع موقع رصيف22، كشف إبراهيم، أحد منظمي حملة "فحوص العار"، والناشط في مجال حقوق المجتمع الكويري في تونس والمنطقة العربية، أن "لهذه الممارسة جذوراً في الكراهية، والفوبيا، والهلع المستمر، أي أنها متصلة بقضايا التنوّع وقبول الاختلاف وحرية الخيارات الفردية بالتراضي".

وتابع إبراهيم (32 عاماً) الذي يعمل مع منظمة "دمج"، بالقول: "الواقع، إن الفحوص القسرية بدأت من خلال أطباء كانت لهم خلفية ارتيابية من المثلية الجنسية"، موضحاً أن الفحص الشرجي يقوم على معاينة عضلة فتحة الشرج من حيث شدتها وارتخائها، والكشف عمّا إذا احتوت على احمرار أو جروح أو أية آثار يمكن لها أن تكون مؤشراً على حدوث اتصال جنسي.

إلا أنه، وحسب تأكيد إبراهيم، هذه المعايير لا يمكن أن تكون دليلاً كافياً لإثبات أي اتصال جنسي، إذ غالباً ما تظهر العلامات ذاتها في ظروف أخرى، كإصابة المرء ببعض الأمراض التي تسبب بدورها احمراراً أو ارتخاء في العضلة الشرجية.

تركز حملة "فحوص العار" على حقيقة أنه، وأثناء القيام بالفحوصات الشرجية، تُسلب الحقوق من الأفراد المعنيين، ويعاني البعض منهم من صدمة نفسية دائمة

وفي هذا الصدد، يؤكد الناشط على أن ثمة قضايا كاملة استُعمل فيها الفحص الشرجي بوصفه دليل إثبات وحيد، بل وسُجّلت حالة واحدة على الأقل، لفحص شرجي قسري لقاصر يبلغ من العمر 15 عاماً.

وعن عشوائية هذه الفحوصات الشرجية، قال إبراهيم: "يحدث أن توقف الشرطة أفراداً لمجرّد الاشتباه في مظهرهم".

وتابع بالقول: "هذه الأحكام الظاهرية، التي هي مسيئة في كل الأحوال، تظل غير دقيقة، فوسائل التعبير الجندري عن طريق الملابس وقصات الشعر متغيّرة ولا يمكن أن تكون دليلاً كافياً لميول الفرد الجنسية، هذا إذا ما تحدثنا مبدئياً عن الإجراء الأولي، أما إذا ذهبنا إلى المبدأ الإنساني، الذي يكفل حق أي فرد في العيش الحرّ الكريم، فإن اعتقال أي إنسان تحت أي سبب وانتهاك خصوصية جسده وإرغامه على ممارسة قاسية، هو في الواقع ضرب من ضروب الاعتداء الجنسي، وهو أمر مستهجن مهما كانت المزاعم".

وبالنسبة لمدى إشراك السلطات للأطباء في هذه الممارسة، أكد الناشط أن مهمة الأطباء الحقيقية تتمثل في تقديم خدمات صحية: "تشترط أخلاقيات الطب ألا ينخرط الأطباء في ممارسات تعذيب وانتهاك حقوق إنسان، وتكفل أن تحترم كرامة المريض/ة وخصوصيته/ها، مع هذا تُشرِك بعض السلطات الأطباء في هذه التجاوزات، وتجعلهم شركاء في الجريمة".

من هنا، أوضح إبراهيم أنه تم اختيار عنوان "فحوص العار" للحملة الرقمية، لكونه يتسق مع عناوين حملات أخرى في ذات السياق: "أردنا القول إن العار يطال كل المشاركين/ات في هذا الانتهاك، من أطباء وسلطات رسمية وأصوات داعمة لهذه الممارسة التي يجب أن تتوقف".

قوانين ضد الحقوق

تنتشر "فحوص العار" رسمياً بين سلطات دول عربية مختلفة رغم الحركات الحقوقية العالمية المناهضة.

في مصر، يواجه الحراك الحقوقي مشقة بسبب صرامة الإجراءات الأمنية التي تبسط قبضتها على الحقوقيين/ات وتمارس انتهاكات، وتجعل الفحص الشرجي إلزامياً بحيث لا يحق لأفراد المجتمع رفضه.

أما في لبنان، فقد عمّم نقيب الأطباء، د. شرف أبو شرف، في الثامن من آب 2012، تنبيهاً على الأطباء، موضحاً أن كل طبيب يشارك في الفحوصات الشرجية يُعرّض نفسه لعقوبات، استناداً إلى المادة 30 من قانون الآداب الطبية التي تحظّر على الأطباء التورط في ممارسات ضارة.

واللافت أن هذا الأمر جاء قبل يومين من تصريح لهيومن رايتس ووتش تطالب فيه السلطات اللبنانية بإيقاف الفحوص الشرجية وإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، التي تجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة"، وهي المادة التي تستند عليها السلطات في ملاحقة المثلية الجنسية.

أما عمادة الأطباء في تونس، فقد اكتفت بتوجيه الأطباء المنخرطين قضائياً في هذه الممارسة إلى ضرورة تنبيه من يخضعون للفحص إلى حقهم في رفضه. الأمر الذي جاء مع إقرار السلطات التونسية في 2017 أن الفحص الشرجي غير ملزم.

مع العلم بأن الجهات الرسمية في تونس ما تزال تنظر إلى رفض الفرد للخضوع لهذا الفحص على أنه دليل إدانة.

في هذا الصدد، تحدّث إبراهيم عن حالات قضائية من بينها الحكم على شخصين بالسجن لسنتين (خفّفت بعد الاستئناف إلى سنة واحدة) استُعمل رفضهما للخضوع إلى الفحص الشرجي دليلاً.

وعن سؤال رصيف22، بخصوص الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية الذي يجرم العلاقات الجنسية المثلية، ويعتمد في إثبات الواقعة على تقرير الطب الشرعي، يجيب إبراهيم: "وُجد الفصل 230 مع الاستعمار الفرنسي 1919، وكان معداً لتجريم حدوث إيلاج قضيبي، لكن هذا الفصل في القانون التونسي ذهب أبعد من هذا ليشمل تجريم المثلية مجتمعياً".

وكشف إبراهيم أنه كثيراً ما تتغاضى المحكمة التونسية عن تفاصيل الظروف المحيطة بعملية إثبات واقعة الاتصال الجنسي، ولا تولي اعتباراً لممارسات عناصر الأمن من مطاردة للبشر في فضائهم الخاص، وانتهاك حرمة المنازل بكمائن لاصطياد المثليين/ات، ومن تنكيل وضرب مصاحب لعملية الاعتقال.

كم يبلغ تقريباً عدد الأشخاص الذين يخضعون للفحص الشرجي في بعض البلدان العربية؟

تمكن موقع رصيف22، من الحصول على مجموعة بيانات تكشف العدد التقريبي للأفراد الذين خضعوا للفحص الشرجي القسري في عدة بلدان عربية:

في تونس: اعتقلت السلطات في العام 2018، أكثر من 120 شخصاً "بتهمة" المثلية الجنسية، كانوا جميعاً عرضة للفحص الشرجي القسري (المصدر: الائتلاف المدني للحريات الشخصية)، كما اعتقلت السلطات في العام 2019، 121 شخصاً، خضعوا جميعاً للفحص الشرجي. (المصدر: منظمة دمج).

أما قبل العام 2018، فقد خضع حوالي 60-70 شخصاً، للفحص الشرجي القسري سنوياً. (المصدر: منظمة دمج).

هذا ووثّق تقرير "هيومن رايتس ووتش" في النصف الأول من العام 2016، ست حالات في قضية "القيروان"، خضعوا جميعاً للفحص الشرجي.

في مصر: في العام 2018، خضع 6 أشخاص على الأقل، للفحص الشرجي القسري، بينما خضع 7 أشخاص على الأقل، للفحص الشرجي القسري في العام 2019. (المصدر: منظمة مساحات)، إضافة إلى حالة واحدة على الأقل وثّقها تقرير هيومن رايتس ووتش 2004 "في زمن التعذيب" (ص169)، والذي ذكر أنه "تحدث على الأرجح بلسان العديد من ضحايا الفحوص الشرجية".

"تشترط أخلاقيات الطب ألا ينخرط الأطباء في ممارسات تعذيب وانتهاك حقوق إنسان، وتكفل أن تحترم كرامة المريض/ة وخصوصيته/ها، مع هذا تُشرِك بعض السلطات الأطباء في هذه التجاوزات، وتجعلهم شركاء في الجريمة"

يذكر أن تقرير هيومن رايتس ووتش، الصادر في تموز 2016، بعنوان "الدوس على الكرامة... الفحوص الشرجية القسرية في مقاضاة المثلية الجنسية"، كان قد جمع أدلة للفحوص الشرجية في 8 بلدان هي (الكاميرون، مصر، كينيا، لبنان، تونس، تركمانستان، أوغندا، زامبيا)، منوهاً بأنه قد تلقّى تقارير عن لجوء الشرطة في سوريا إلى الفحوصات الشرجية القسرية، دون أن يتسنى للتقرير أن يتحقق من الأدلة بشكل مستقل.

وأوضحت هيومن رايتس ووتش أن التقرير هذا استند إلى مقابلة 32 رجلاً وامرأة متحوّلة، خضعوا لفحوص شرجية قسرية، إضافة إلى لقاء أطباء وطواقم طبية والحصول على آراء مختصين في الطب الشرعي في جميع أنحاء العالم.

وخرج التقرير بتوصيات بمنع هذه الممارسة اللاإنسانية وضرورة أن تعارض المؤسسات الحقوقية والصحية الدولية والمحلية اتباعها، بقوّة وجهاراً.

تجدر الإشارة إلى أن معهد صحافة الحرب والسلام (IWPR)، وهو منظمة غير حكومية، تعطي صوتاً للناس في الخطوط الأمامية للصراع، لمساعدتهم على دفع دفة التغيير ودعم المجتمع المدني وتنمية مهارات الصحافة المحلية في بؤر النزاع والتوتر، كان قد أعدّ ورشة تدريبية أثمرت عنها حملة "فحوص العار"، بالإضافة إلى حملتين متزامنتين: "ما عيب" التي تركز على دعم المجتمع الكويري في الوصول إلى حقه في الرعاية النفسية، وحملة "الاختلاف ليس جريمة" التي تستهدف خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ضد المجتمع الكويري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard