بعد عشر سنوات من الثورة التي أطاحت بالنظام القديم، لازال المثليون في تونس يتعرضون للتعذيب الجسدي، والنفسي عقاباً لهم على هويتهم الجنسية، كما يخضعون باستمرار لمحاكمات غير عادلة.
وتتهم منظمات حقوقية السلطات التونسية بالتدخّل في السلوك الجنسي للمثليين، وإباحة تعنيفهم، وإهانتهم على يد رجال الشرطة، استناداً إلى قانون "تمييزي" يجرّم العلاقات المثلية بين الراشدين.
ويجرم الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية العلاقات المثلية الرضائيّة بين الراشدين، وتصل فيه عقوبات السجن إلى 3 سنوات.
"ضربونا أمام الناس"
"يوم 14 فبراير عام 2019 "عيد الحب"، كنت متوجهاً إلى منزل أصدقائي، وكان بحوزتي مجموعة من الواقيات الذكرية، أوقفني رجال الشرطة في محافظة المهدية قبل وصولي إلى المنزل، ثم قاموا بالقبض على أصدقائي، كنا 5 شباب و4 فتيات"، يحكي مروان لرصيف22.
ويضيف مروان (26 عاماً): "قاموا بنقلنا إلى مديرية الأمن وسط المدينة، وأجبرونا على إظهار وجوهنا كي يتعرف علينا أهل المدينة، تعرضنا للضرب والتنكيل والاعتداءات اللفظية من محافظ الأمن ومعاونيه".
"ليس لكم الحق في العيش، وكان الأجدر أن يتم حرقكم أحياء، والمنظمات الحقوقية لن تنفعكم"، بهذه الكلمات هددني أحد رجال الأمن، يقول مروان بعد سجنه لميوله المثلية
يشتهر مروان بين أصدقائه باسم "ماريا"، وهو ناشط في منظمات المجتمع المدني في محافظة المهدية، الذي ولد وتربى فيها، لكنه اليوم بات ممنوعاً من دخولها بسبب هويته الجنسية، حيث أجبره معاونو الأمن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إليها.
وعن رحلته الشاقة مع التعذيب والسجن، يقول مروان لرصيف22: "عند إيقافي كنت خارج منزل أصدقائي، لم يمسكوني وأنا أمارس الجنس، ورغم ذلك وجهوا لي خمس تهم، منها تعاطي البغاء السري، وأجبروني على الإمضاء على اعترافات كتبها رجل الأمن، لكنني رفضت، فضربوني، ومزقوا شعري وأذني".
"ليس لكم الحق في العيش، وكان الأجدر أن يتم حرقكم أحياء والمنظمات الحقوقية لن تنفعكم"، "بهذه الكلمات هددني أحد رجال الأمن"، يقول مروان، "طلب مني أحدهم فتح هاتفي علّه يجد دليلاً لإدانتي، وعندما رفضت ذلك ضربني بشدة، وكان يقول لي: "أنت شاذ...اعترف".
بعد ليلة صعبة قضاها مروان في الإيقاف، تم تحويله إلى النيابة العامة، حيث تمّ توجيه تهمة التوسط في البغاء السري (الزنا)، وبقي في السجن لمدة شهر، يقول: "إنها كانت أصعب فترة في حياتي، لطالما تمنيت الموت حينها".
"نعم وأنا في السجن تمنيت الموت كثيراً، كان أعوان السجن يضربونني ويعذبونني، كانوا ينادونني هيفاء وهبي، ويطلبون مني تسليتهم والرقص لهم في رواق السجن، كنت خائفاً وتدمّرت نفسيتي".
طيلة الفترة التي قضاها مروان في السجن، كان ينام على الإسفلت، ولم يكن لديه الحق في النوم على سرير أو العلاج أو لقاء الطبيب عند المرض، حسب ما أكده لرصيف22، ويتابع: "فقط كان لي الحق في التعذيب والضرب والإهانات".
ويضيف: "حاولوا أيضاً إخضاعي للفحص الشرجي عنوة، لكنني رفضت، هددتهم بشنق نفسي في غرفة السجن، فنجوت من هذا الفحص المهين".
"الفحص الشرجي القسري"
على عكس مروان، لم ينج إبراهيم (نيكيتا) من الفحص الشرجي، بل خضع له عنوة في أحد مستشفيات محافظة القيروان، برفقة ثلاثة من أصدقائه كانوا يعيشون معه في نفس المنزل، عندما أوقفتهم الشرطة.
"تم إيقافنا في محافظة القيروان، بعد التعذيب والإهانات قاموا بتحويلنا إلى المستشفى لإخضاعنا للفحص الشرجي، رفضت بشدة، وصرخت وبكيت، وطلبت من الطبيب ألا يفعل، لكنه تجاهلني"، يقول مروان.
يصمت برهة، ثم يواصل مروان حديثه: "نزع رجال الأمن ملابسنا وطلبوا منا الوقوف وكأننا راكعون، ثم أدخل الطبيب يده في شرجي دون شفقة، خلّف لي الفحص الشرجي آلاماً جسدية ونفسية تعيش معي إلى اليوم".
"بعد ذلك وضعونا في السجن وأعلموا جميع من في الغرفة أننا مثليون، كنا عرضة للتنمّر والعنف، وكان أعوان السجن يجبروننا على الرقص، كانوا يقولون لنا أنتم شواذ".
تم إيقاف إبراهيم، أو كما يريد مناداته باسم الشهرة "نيكيتا"، مرة أخرى نهاية سنة 2019، وتم إخضاعه أيضاً للفحص الشرجي، ويخضع حالياً لجلسات علاج نفسي كي يتمكن من العودة لحياته الطبيعية، ولنشاطه الجمعياتي.
"ألبس النقاب للخروج"
بصوت مرتجف، قصت علينا فريفطة (32 عاماً)، تجربتها مع التعذيب النفسي والجسدي الذي تتعرض له يومياً عند خروجها للعمل أو لقضاء حاجياتها، حيث تقيم في العاصمة تونس، فهي باتت هدفاً سهلاً لرجال الأمن ولرواد الشوارع والمقاهي.
تنشط فريفطة، العابرة جندرياً، في الجمعية التونسية للعدالة والمساواة (دمج)، ويعتبرها أصدقاؤها مدافعة شرسة عن مجتمع الميم في تونس، كما تدافع بقوة عن حقوق العاملات بالجنس، وحقهن في الرعاية الصحية، وفي حياة كريمة.
تقول فريفطة لرصيف22: "أعيش في رعب منذ سنوات، أعاني من مشاكل صحية ومن كسر في الفك السفلي، بعد أن تعرضت للضرب والتعذيب أكثر من مرة... لم يعد هناك أي معنى لحياتي وأصبحت أتمنى الموت".
"تعرضت للضرب والتعذيب أكثر من مرة، وأصبحت أتمنى الموت".
تعود فريفطة بذاكرتها المتعبة إلى أواخر سنة 2018، عندما تعرضت للاعتداء من قبل رجال الأمن، أثناء خروجها من أحد المطاعم في العاصمة تونس.
"كان رجال الأمن يقفون بالقرب من المطعم، وأثناء خروجي قال أحدهم: 'انظروا إلى هذا الشاذّ يتناول طعامه في مطعم فاخر وأنا أعمل تحت أشعة الشمس الحارقة، ثم رماني بقارورة مياه، ونعتني بأبشع النعوت"، تقول فريفطة.
وتواصل فريفطة: "قررت تجاهله في البداية لكنه تمادى وشتم والدتي، حينها لم أتحمل ما بدر منه، وقمت بشتمه، فقاموا بطرحي أرضاً وضربي، وتسببوا لي بكسور وأضرار بدنية ونفسية كبيرة".
تجارب فريفطة مع التعذيب والاعتداءات الجسدية لم تتوقف أمام مطعم العاصمة، بل لحقتها أينما ذهبت وأينما تجولت، ففي بداية شهر يناير/ كانون الثاني 2020، تعرضت لاعتداء بالعنف، وصعق كهربائي تسبب لها بنزيف في الرأس، وكسر في الفك السفلي، وفقدت أسنانها.
تحكي لرصيف22 عن معاناتها المستمرة بسبب هويتها الجنسية لتقول: "كلما خرجت إلى الشارع للعمل أو للقاء أصدقائي، أتعرض للضرب والإهانة والشتم... فقررت التنكر كي أتمكن من التنقل بحرية في العاصمة، وكي أنجو من تعذيب رجال الأمن... نعم اضطررت للخروج بالنقاب كي أخفي وجهي، وأحمي نفسي من العنف".
"كان رجال الأمن يقفون بالقرب من المطعم، وأثناء خروجي قال أحدهم: "انظروا إلى هذا الشاذّ يتناول طعامه في مطعم فاخر وأنا أعمل تحت أشعة الشمس الحارقة"، ثم رماني بقارورة مياه، ونعتني بأبشع النعوت"
"أصبحت أخاف كثيراً عند رؤية سيارة الشرطة...رجال الأمن في تونس لا يحموننا بل يُسارعون لضربنا وتعذيبنا وتلفيق التهم لنا في كل مرة نلتقي بهم"، تؤكد فريفطة.
ورغم الألم الجسدي والنفسي الذي تعاني منه فريفطة، إلا أنها تضطر يومياً للخروج إلى الشارع للعمل بالجنس، كي تتمكن من العيش ومجابهة مصاريف حياتها، لكنها في كل مرة تخرج فيها إلى الشارع، "تتم معاملتها وكأنها تاجرة مخدرات أو بائعة أسلحة"، كما قالت لرصيف22.
تخضع فريفطة الآن لجلسات علاج نفسية في إحدى الجمعيات التونسية، ولكنها تفكر في الهجرة قريباً لإكمال حياتها في تركيا، برفقة بعض من صديقاتها، لعلها تحظى بحياة كريمة بعيداً عن التعذيب والإهانة، كما تقول.
"السلطات لا تحترم المثلية"
سنة 2017، أصدر "المجلس الوطني لعمادة الأطباء" في تونس بياناً يطالب فيه الأطباء بالكفّ عن الفحص الشرجي القسري والكشف على الأعضاء التناسلية، لكن هذا البيان لم يضع حداً لهذا "الفحص المهين والتمييزي".
ويؤكد أنور زياني، منسق الائتلاف الذي يجمع أكثر من أربعين منظمة حقوقية تونسية، لرصيف22، بأن بعض القوانين في تونس تجرم العلاقات المثلية بين الراشدين، وتتعارض تماماً مع دستور 2014 الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية.
ويضيف أنور زياني أنه تم رصد تعرض 100 حالة تعذيب وسجن لأشخاص مثليين، كما تم تسجيل حالات اعتداء وإيقاف ضد عابرين وعابرات، باعتبار أن هويتهم في الأوراق الشخصية تتعارض مع هويتهم الجندرية.
ويتابع زياني: "السلطات لازالت تجرم المثلية الجنسية، وتجبر من يُشتبه في مثليتهم على الخضوع للفحص الشرجي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...