تتفاعل حادثة الاعتداء الجماعي على تسع معلمات جزائريات بسرعة، حيث تتصدّر الأخبار الأكثر تداولاً في البلاد لليوم الثاني على التوالي، وسط اتهامات للسلطات بمحاولة التعتيم على تعرّض الضحايا للاغتصاب الوحشي، في محاولة لتهدئة الرأي العام الغاضب إزاء الجريمة.
وفق المواقع المحلية، تعرّضت المعلمات، في 18 أيار/ مايو، إلى اعتداءات جسدية وجنسية وشتائم وسطو تحت إكراه السلاح الأبيض، داخل سكنهن الوظيفي ببلدة برج باجي مختار، التابعة لولاية تحمل نفس الاسم جنوب الجزائر، لمدة ساعتين وبحضور رضيعة إحدى المعلمات.
وذكر بيان النائب العام لمجلس قضاء أدرار، الذي يتولّى التحقيق في الحادثة، أن شخصين مشتبه بتورّطهما في الجريمة قُبض عليهما، وتعرّفت عليهما الضحايا، في حين أشارت التقارير الإخبارية إلى تورّط أربعة ملثمين مسلحين في الجريمة.
اعتداء متكرر
أثارت الحادثة صدمة المجتمع الجزائري منذ اللحظة الأولى، لكن التفاصيل التي أُعلنت لاحقاً ساهمت بزيادة الغضب المجتمعي، إذ تبيّن أن المعلمات اللواتي "يرقدن الآن في حالة نفسية وجسدية كارثية" في المستشفى، تعرّضن للسطو والاعتداء الجسدي من قبل، وناشدن المسؤولين مراراً توفير الأمن لهن ولو كان ذلك بالاقتطاع من رواتبهن، دون أن تؤخذ شكاويهن على محمل الجد.
على مدى ساعتين، اعتدى أربعة ملثّمين على تسع معلمات في سكنهن الوظيفي، جسدياً وجنسياً ولفظياً، وسرقوهن في حضور طفلة رضيعة. من يحمي المرأة العاملة في #الجزائر؟
ووفق بيان شديد اللهجة، قرّرت النقابة الجزائرية لعمال التربية "توقيف الدراسة ومقاطعة جميع الامتحانات الرسمية" بسبب "الاعتداءات المتكررة ضد الأساتذة، وغياب الأمن بالمنطقة، وعدم الاستجابة لمطالبهن (المعتدى عليهن) في توفير الأمن".
واستنكرت النقابة تعرّض المعلمات في برج باجي مختار لـ "أبشع أنواع الترهيب" حيث "أذاقتهن المجموعة (المعتدية) المرّ مدة ساعتين بوجود رضيعة".
واتفق معلّقون على أن الحادثة ليست إلا انعكاساً لـ "وضعية المعلّم والأستاذ في كل ربوع الجزائر، والذي يتعرّض للإهانة بشكل مبرمج، وأول إهانة في حق الأستاذ أن تمنحه راتباً لا يكفيه لأسبوع واحد، وتضعه في مكانة هي الدنيا في سلّم المجتمع، وإذا احتجّ أو رفض هذا الواقع تُسلّط عليه عقوبات بدائية تستهدف راتبه الزهيد".
إلى ذلك، أوضح وزير التربية الجزائري، محمد واجعوط، أن التحقيقات جارية لتحديد الجناة، معرباً عن تضامنه مع الضحايا، ومشدِّداً على أن "مكانة الأستاذ متميزة وهو رمز العلم ومن يحضر إطارات الغد".
الاعتداء على المعلمات في الجزائر "ليس طارئاً ولا استثناء، بل مجرد مظهر من مظاهر العنف اليومية والاعتيادية ضد النساء"... مجزرة معلمات عين آدن واغتصاب نساء حاسي مسعود خير دليل على ذلك
ضد عمل المرأة؟
وعبّر جزائريون كثر عن التضامن الكامل مع المعلمات وأشادوا بنبل عملهن على مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسمي: #برج_باجي_مختار و#The_Algerian_teacher_is_suffering. كما نُظِّمت عدة وقفات تضامنية مع المعلمات المعتدى عليهن في مختلف أنحاء الجزائر.
واعتبر جزائريون ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن للحادثة أبعاداً أعمق من كونها حادثة سطو واعتداء جنسي، مستذكرين "مجزرة عين آدن" أو "مجزرة سفيزف" حين اغتال متشدّدون 11 معلمة (تراوحت أعمارهن بين 18 و33 عاماً) ومعلم واحد، خلال تنقلهن بين بلدتي عين آدن وسفيزف بولاية سيدي بلعباس عام 1997.
ولفت حساب "نسويات جزائريات" إلى أن الاعتداء يندرج ضمن "الضغوط المجتمعية على النساء العاملات في الجنوب" والمعارضة لعمل المرأة، في ظلّ "عدم توفير أدنى سبل الحماية ولا تجاوب مع شكاويهن" من قبل المسؤولين. واختصرت مغرّدة وضع المعلمات في الجزائر بقولها: "وإذا سألوك عن التعليم الجزائري، قل هو دم منزوف وعرض مهتوك وحق ضائع".
"وإذا سألوك عن التعليم الجزائري، قل هو دم منزوف وعرض مهتوك وحق ضائع"
واستنكر آخرون محاولة التعتيم على جريمة اغتصاب الضحايا بذريعة الحفاظ على "السمعة"، مشيرين إلى أن كرامة وشرف المعلمات لم تمس وإنما المعتدين.
غرّدت الكاتبة والناشطة النسوية إيمان عمارة ساخرةً: "محاولات عديدة للتعتيم على ما حدث وتحويل الجريمة لسرقة مع عنف جسدي، دون ذكر الاعتداء الجنسي، لأننا مجتمع محافظ يخاف على 'سمعة' بناته".
وشدّدت عمارة على أن الاعتداء على المعلمات في الجزائر "ليس طارئاً ولا استثناء بل مجرّد مظهر من مظاهر العنف اليومية والاعتيادية ضد النساء"، مستعرضةً تاريخاً من موجات العنف ضد النساء، "منذ الستينيات ورشِّ الأسيد (مادة حارقة) على النساء في الشواطئ، والاعتداء على طالبات الجامعات في السبعينيات وفي المساكن الجامعية في الثمانينيات، والعداء غير المبطن للعاملات وغير المحجبات في التسعينيات، ثم اغتيالهن وخطفهن والاعتداء على النسوة اللاتي يعشن بمفردهن في ورقلة والأغواط وحاسي مسعود".
كانت عمارة تشير إلى الاعتداءات الجسدية والجنسية والسرقة التي تعرّضت لها نساء عازبات في مدينة حاسي مسعود عام 2001، لعملهن في النفط لإعالة أسرهن.
وقالت إن هذه الحوادث "تتكرّر ويتكرّر صمت الحكومة وموافقة المجتمع الضمنية على هذه الممارسات التي تهدف لإرهاب كل من تخرج عن الإطار المحدد لها اجتماعياً".
في غضون ذلك، رأت عمارة أن سرعة القبض على المتهمين في القضايا التي تشغل الرأي العام في الدول "القمعية" لها معنى واحد فقط، وهو "إلقاء فريسة للجموع الغاضبة حتى تنتقم وتستعيد ثقتها في أداء النظام، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها عدالة ولا الوثوق في أنهم المتهمون الفعليون أساساً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...