شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مؤتمر باريس: علامة فارقة في طريق الثورة السودانية

مؤتمر باريس: علامة فارقة في طريق الثورة السودانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 19 مايو 202103:45 م

أنهى مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان، أعماله يوم الثلاثاء، بنتائج مُبشّرة، قد تسهم في إحداث نوع من الاستقرار في البلد الذي يمرّ بمرحلة انتقالية مضطربة، يغلب عليها عدم التوافق بين مكونات الحكم، ومصاعب اقتصادية أدت إلى قفزات قياسية بمعدلات التضخم، وتركة ثقيلة خلّفها نظام الجنرال المخلوع عمر البشير (حزيران/ يونيو 1989-نيسان/ أبريل 2019).

وتقود الحكومة في السودان، سلطة انتقالية مكوّنة من المدنيين (تحالف قوى الحرية والتغيير)، والعسكريين (المجلس العسكري السابق)، والحركات المسلحة الموقِعة على اتفاق جوبا للسلام (مكوّنات الجبهة الثورية).

وكما هو متوقع، حصل السودان على إعفاءات من الدائنين بنسبة قُدّرت بنحو 70% من حجم الدين البالغ قرابة 60 مليار دولار، معظمها عبارة عن فوائد وجزاءات لأصل دين لا يتخطى الـ18 مليار دولار.

يُذكر أن معظم ديون السودان متراكمة منذ عهد الجنرال المخلوع جعفر النميري (أيار/ مايو 1969-نيسان/ أبريل 1985)، فيما كان نظام البشير محظوراً من التعاملات المالية مع المؤسسات الدولية، جرّاء سياساته المصنفة إرهابية منذ العام 1993.

أهداف المؤتمر

قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق مهدي قبل توجهها إلى باريس، إن الخرطوم تسعى إلى تطبيع علاقاتها مع العالم بعد عقود من العزلة، وإلى إعفائها من الديون التي تحدّ من تعاملاتها مع مؤسسات التمويل العالمية، علاوةً على جذب المستثمرين من خلال تقديم مشروعات واعدة في مجالات تتركز على الزراعة والتعدين والطاقة.

وكانت العاصمة الفرنسية قد بدأت الاستعداد للمؤتمر منذ العام الماضي، في محاولة منها لتدارك الوضع الاقتصادي في السودان الذي يتلمس خطاه نحو الديموقراطية، بعد عقود قضاها تحت رحمة حكومة مكونة من الإسلاميين والعسكر الموالين لها.

ويدرك العالم الغربي أن أكبر معضلة تهدد عملية الانتقال في السودان، اقتصادية بامتياز، إذ بلغ معدّل التضخم في شهر نيسان/ أبريل الماضي 363%، فيما تواجه الموازنة العامة صعوبات كبيرة في ظل تهاوي العملة الوطنية إلى أكثر من 400 جنيه سوداني مقابل دولار أمريكي واحد، هذا بالتزامن مع أزمات معيشية طاحنة في الوقود والخبز وتوفير إمدادات كهربائية مستقرة، وهذه مؤشرات تترك المستثمرين في حالة من الضبابية وعدم اليقين.

مؤتمر باريس حقق أهدافه بصورة كبيرة، إذ طبّع خلاله السودان علاقاته الاقتصادية، وانفتحت أمامه بوابات التمويل المغلقة بسبب العقوبات، بعدما أصبح مؤهلاً لإعفائه من ديونه ضمن مبادرة "الهيبك"، كما هو متوقع بحلول شهر حزيران/ يونيو المقبل

وعليه، سعت دول غربية على رأسها فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، والنرويج، إلى إدخال السودان ضمن مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون "هيبك"، كخطوة مهمة نحو تطبيع علاقاته مع مؤسسات التمويل الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين).

والتزمت الخزانة الأمريكية بتقديم قرض تحفيزي للسودان بقيمة 1.2 مليار دولار، بداية العام الجاري، لتسوية متأخرات مستحقة عليه لدى البنك الدولي، في محاولة لإعادة تعاملات الخرطوم مع كبرى مؤسسات النقد العالمية.

ما الذي حصل في المؤتمر

خلال اليوم الأول لأعمال المؤتمر الذي انعقد في الـ17 والـ18 من أيار/ مايو الجاري، حصل السودان على تعهدات، وإعفاءات من الديون تُقدّر بنحو 30 مليون دولار.

وشطبت الدولة المستضيفة ديونها على السودان، والبالغة خمسة ملايين دولار. ولاحقاً أعلنت النرويج تسوية 4.5 مليار دولار هي كامل ديونها على الخرطوم، في ظل تعهدات سعودية بإسقاط خمسة مليارات دولار عن السودان.

وحصل السودان على 1.5 مليار دولار من باريس لتسديد متأخراته إلى صندوق النقد الدولي، مع تعهدات واشنطن واستوكهولهم وروما بتقديم منح لدفع ديونه المتأخرة (13 مليار دولار عبارة عن فوائد وجزاءات).

وحصلت الخرطوم على ملياري دولار من البنك الدولي للاستثمار في مجالات الصحة والطاقة، و700 مليون دولار من بنك الاستيراد والتمويل الأفريقي لتمويل مشروعات الطاقة والاتصالات في إحدى أكبر الدول الأفريقية مساحةً.

وسمحت الفرصة أمام الوفد السوداني المشارك في المؤتمر بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لعقد لقاء مع رجال أعمال غربيين، تحدث فيه عن فرص الاستثمار الكبيرة المتاحة في بلاده، ودعاهم إلى إقامة نموذج شراكة يقوم على المنفعة المتبادلة يخرج منه الجميع كاسباً.

وأبرم السودان عقوداً استثمارية عدة في مجالات الطاقة والسياحة والتعدين، أهمها التوافق مع شركة "سيمنز" لمد السودان بطاقة شمسية قدرها 900 ميغاواط في المرحلة الأولى، وتصل في مراحل لاحقة إلى أربعة آلاف ميغاواط لإنهاء أزمة الطاقة في البلاد بصورة نهائية.

مكاسب كبيرة

ينوّه المحلل السياسي رمضان الدومة، بأن أكبر مكاسب مؤتمر باريس كانت سياسة، وليست اقتصادية.

وقال لرصيف22: "إن السودان حصل على دعم عالمي غير مسبوق، من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومنظومة دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والدول الخليجية الغنية، ومصر التي تجمعها بالسودان قضايا عدة على رأسها سد النهضة الإثيوبي".

"حصل السودان على دعم عالمي غير مسبوق، من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومنظومة دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والدول الخليجية الغنية، ومصر التي تجمعها بالسودان قضايا عدة على رأسها سد النهضة الإثيوبي"

وأشار إلى أن كل ذلك الدعم موجه بالأساس ليمسك المدنيون بمقاليد السلطة، واستدل على ذلك بأحاديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن ضرورة أن تفضي المرحلة الانتقالية في السودان إلى انتخابات حرة ونزيهة.

وفسّر الدومة الاستقبال الحميم الذي حظي به رئيس وزراء السودان، ورئيس المجلس الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان، في قصر الإليزيه، على أنه رسالة تُشدد على ضرورة تعاون المدنيين والعسكر للعبور بالمرحلة الانتقالية إلى برّ الديمقراطية.

وذكّر بقول رئيس الوزراء حمدوك إن "بلاده حصلت على استقبال جديد يضاهي عظمة الثورة".

ونوّه بتلقي عدد من أيقونات الثورة السودانية دعوات لحضور المؤتمر، وإقامة فعالية تتناول عظمة الإنجاز الذي حققه الشعب السوداني في نيسان/ أبريل 2019.

مكاسب اقتصادية

يرى المحلل الاقتصادي محمد نايل، أن مؤتمر باريس حقق أهدافه بصورة كبيرة، إذ طبّع خلاله السودان علاقاته الاقتصادية، وانفتحت أمامه بوابات التمويل المغلقة بسبب العقوبات، بعدما أصبح مؤهلاً لإعفائه من ديونه ضمن مبادرة "الهيبك"، كما هو متوقع بحلول شهر حزيران/ يونيو المقبل.

وأكد نايل على ضرورة السعي الدؤوب لإنجاز التعهدات الغربية والدولية، والعمل على إنزالها إلى أرض الواقع في أقرب فرصة ممكنة، لإحداث نقلة في الاقتصاد المتداعي.

وفت مدينة النور بوعودها، ومهدت الطريق أمام السودان ليعبر نحو الديمقراطية والنهضة الاقتصادية، فهل تحقق الخرطوم أهداف ثورتها؟ سؤال ننتظر إجابته بعد أربع سنوات من انطلاق المرحلة الانتقالية

محاذير

وطالب نايل الحكومة الانتقالية بالإسراع في خطوات الإصلاح الاقتصادي التي بادرت إليها عبر تعويم الجنيه، وتوحيد سعر الصرف، وتعديل قانون الاستثمار، والمضي قدماً نحو مزيدٍ من الإصلاحات.

وتابع: "ينبغي أن يُتبع هذا بإجراءات اقتصادية بعضها قاسٍ، لمعالجة المشكلات الاقتصادية، وخفض نسبة التضخم المرتفعة جداً 363%، بالتزامن مع المبادرة لإقامة مشاريع تفضي إلى تخفيف وطأة الظروف الاقتصادية على السودانيين".

وأضاف: "من دون إصلاح قانون الضرائب على سبيل المثال، سنصل إلى النتيجة عينها، وهي العجز عن سداد الديون مستقبلاً"، كما طالب برفع "الجهد الضريبي ليتماشى مع المرحلة المقبلة".

وحثَّ نايل على ضرورة أن تشهد المرحلة المقبلة إصلاحات جذرية في البيئة الاستثمارية، وإزالة التقاطعات بين المركزي والولائي، ودفع المستثمرين لضخ أموال في مشاريع ثقيلة، وليس في مشاريع سريعة النتائج والأرباح.

وختم قائلاً "إن جذب الاستثمارات يحتاج إلى استقرار سياسي يقضي على المشاكسة بين مكونات الحكم، ويُنهي دواعي الاضطرابات في الشارع، ويُولّي المدنيين على المال العام بشكل كامل، بما في ذلك شركات الجيش". 

طريق ممهد

وفت مدينة النور بوعودها، ومهدت الطريق أمام السودان ليعبر نحو الديمقراطية والنهضة الاقتصادية، فهل تحقق الخرطوم أهداف ثورتها؟ سؤال ننتظر إجابته بعد أربع سنوات من انطلاق المرحلة الانتقالية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard