لطالما كان مظهر الشخص الملثم مثيراً للشكوك والريبة، لارتباط مظهره في الثقافة بممارسة الأعمال الإجرامية كالقتل أو السرقة؛ إلا في حالة "أبو عبيدة"، الشخص الملثم المجهول الذي عرف خلال الأيام القليلة الماضية باعتباره متحدثاً باسم كتائب القسام الفلسطينية، والذي بات مصدراً للاطمئنان لدى العرب المؤيدين للحقوق الفلسطينية.
باحث: حالة "الإذلال السياسي" التي شعرت بها شعوب المنطقة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام، دفعت بعض العرب إلى الفرحة بالنموذج المقاوم الذي مثله أبو عبيدة
ويُظهر محرك "جوجل" على الإنترنت أن عدد مرات البحث على اسم "أبو عبيدة" و "أبو عبيدة القسام" و "الملثم" وكلها ألقاب المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس، ازدادت خلال الأيام السبع الأخيرة، التي شهدت قيام حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى ومحاولات نزع بيوت أهالي الشيخ جراح، ثم الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين في الداخل المحتل والضفة الغربية، وتلاه القصف المتواصل لقطاع غزة المحاصر.
ولا يظهر الحديث أو البحث عن أبو عبيدة على جوجل فحسب، فقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي، بالتغريدات والمنشورات التي تتحدث عن الوجه الإعلامي للقسام، بفخر وإعجاب.
ديمة الخطيب- صحافية وشاعرة فلسطينية: "أبو عبيدة مجننهم، موترهم، كلهم على الملاجىء، حظر تجوال، ورفع حظر تجوال ساعتين، حرب نفسية حقيقية، من كان يتخيل هذا؟ لا يُصدَّق".
وغردت الصحافية ديمة الخطيب، قائلة:"أبو عبيدة مجننهم، موترهم، كلهم على الملاجىء! حظر تجوال، ورفع حظر تجوال ساعتين، حرب نفسية حقيقية، من كان يتخيل هذا؟ لا يصدق".
وأضافت الخطيب: "إنها دولة الاحتلال، صاحبة أحد أقوى جيوش العالم وأكثرها تقدماً وتعقيداً وصاحبة منظومة أمنية معروفة عالمياً بتقدمها ، فلسطينيون محاصرون جننوهم".
ويشير محللون تابعهم وتحدث إليهم رصيف22 إلى أن حالة الإعجاب التي ظهرت لدى عدد كبير من الجمهور العربي بأبو عبيدة، هي شعور عكسي، أو حالة فرح بنماذج مقاومة "بعد ما شهدوه من إذلال في الشهور الماضية في اتفاقيات التطبيع".
من هو أبو عبيدة؟
هو شاب فلسطيني، يعمل في منصب المتحدث الإعلامي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ولا يعرف الإعلام اسمه أو شكله الحقيقي.
ويعد أبو عبيدة الملقب بـ"الملثم" كونه يغطي دائماً وجهه ورأسه بكوفيه حمراء، من المطلوبين في قائمة الاغتيالات. ويظهر هكذا، ملثماً، في جميع المؤتمرات والتصريحات والمقابلات التلفزيونية والجولات الميدانية وقنوات الإعلام العسكري الفلسطينية عبر الشبكات الاجتماعية.
وبرغم أن شهرة أبو عبيدة تصاعدت في ظل عمليات المقاومة الفلسطينية المستمرة منذ حوالي أسبوع؛ إلا أن ظهوره ليس جديداً، إذ يظهر البحث أنه أجرى حواراً مع الصحافي عبد الله المرزوقي في 2008، ووصفه الصحافي في الحوار المنشور بالمتحدث الإعلامي، والمقاتل الذي يجيد لغة السلاح؛ إلا أنه من غير المعروف إن كان حامل كنية أبو عبيدة في ذاك الوقت هو نفسها حاملها الحالي.
في 2014 أثار أبو عبيدة غضب الجمهور العربي عندما وجه الشكر لإيران، عقب انتهاء حرب مماثلة مع إسرائيل، في وقت كان السوريون تنزف دماؤهم على يد المليشيات الإيرانية التي تدعم بشار الأسد.
وتاريخياً، فإن كنية "أبي عبيدة" نعود إلى الصحابي أبو عبيدة بن الجراح، الذي فتح القدس في عهد خليفة المسلمين عمر بن الخطاب.
ما سر الاحتفاء بأبي عبيدة؟
في رأي المحلل السياسي الفلسطيني والأكاديمي أيمن الرقب، فإن رد فعل المقاومة وتحديد لحظات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، والذي يعلن على لسان أبو عبيدة، "كانت بصراحة رسالة إعادة كرامة لكل العرب، وليس الفلسطينيين فحسب".
وأضاف الرقب لرصيف22: "هذه الدولة النووية التي تقوم بالتشبيح في المنطقة، أجبرتها المقاومة محدودة الإمكانيات في منطقة لا تذكر جغرافياً بقطاع غزة على أن تبيت في الملاجئ، وباتت تحدد لها لحظات إطلاق الصواريخ في الساعة 12 ليلاً بتوقيت فلسطين، على الرغم من استنفار كافة قواتها الجوية من مقاتلات أف 35 ومروحيات أباتشي، ومسيرات تقوم بقصف ومراقبة القطاع على مدار الساعة تقريباً، ومع ذلك انطلقت الصواريخ في الميعاد".
يذكر الرقب : "هذه اللحظات خلقت فرحة لدى كل من هو حر في العالم العربي والمسلم والعالم أجمع، بهزيمة هذه الدولة الطاغية معنوياً وجعلها تبيت في الملاجئ، على يد مجموعة قليلة من المقاومين".
وأضاف الرقب: "هذه الفرحة التي عبر عنها العرب بالمقاومة الممثلة في شخص أبو عبيدة، وحتى الدول التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل رأت في هذا الأمر قوة معنوية كبيرة جداً".
من جانبه، قال الباحث والأكاديمي الفلسطيني أحمد حسين لرصيف22؛ إن "حالة الإذلال السياسي" التي شعرت بها شعوب المنطقة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام وتطبيع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان بترحيب من سلطنة عمان، والحديث عن جهود روسية للتطبيع بين النظام السوري وإسرائيل، كلها دفعت بعض العرب إلى الفرحة بالنموذج المقاوم الذي مثله أبو عبيدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...