شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
القدس ستأتي إلينا... حيّ الشيخ جراح في وسط بيروت

القدس ستأتي إلينا... حيّ الشيخ جراح في وسط بيروت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 11 مايو 202108:33 م

ترفع الأعلام الفلسطينية في ساحة الشهداء في بيروت وتصدح الهتافات لتؤكّد أن هذه القضية لا تحتاج إلى من يرّسخها في الوجدان، فهي في قلوب اللبنانيين ولا تنفصل عن مطالبهم. ففي وسط الانهيار الاقتصادي وفي شوارع شهدت أكبر انفجار خلال العام الماضي، يسير المتظاهرون ليدعموا ويتضامنوا مع المقدسيين الذين يحاربون قوات الاحتلال للحفاظ على منازلهم في حي الشيخ جرّاح بفلسطين.

وجوهنا التي لا نعرفها

“لا أعرف من الرجل العجوز الذي أخاف المستوطن بضحكته سوى أنه يحارب بخفّة وبجسد صار غير قادر على المواجهة، وأنه في مقطع الفيديو الذي شاهدته يضحك في وجه الاحتلال ويخيفه. كما أنني لا أعرف اسم الفتاة التي ابتسمت للكاميرا أثناء اعتقالها، وما هو شعور محاربة الجنود على أرض الواقع تحت تهديد خسارة منزلي وكل ذكريات حياتي. لكنّني أعرف أن قضيتنا واحدة وأن الشعب الفلسطيني لا يحتاج سوى إلى نفسه وما علينا نحن إلا أن نقول له: نحن هنا معك، في شوارعنا المحطّمة. ورغم أننا لا نعرف وجوهك فإن مقاومتنا حقيقية لا تصنعها الأحزاب بل كرامتنا وانسانيتنا”. هكذا أجاب علي. ح. حين سُئل عن معنى وجوده في ساحة الشهداء في بيروت ليلة أمس خلال تظاهرة أقيمت للتضامن مع العائلات الفلسطينية المهدّدة بالتهجير في القدس.

جاء السؤال بصوت فرج سليمان: “بعده كل ليلة البوليس بيتمنيك عولاد العرب؟” والجواب هو نعم. لكن هذه المرّة تتحرك الشوارع في بيروت وفي كل العالم أيضًا

أما لمى، وهي لبنانية خسرت منزلها الذي كانت قد استأجرته في الجميزة، فقالت إنها غير قادرة على ممارسة فعل التضامن لأنها لا تقوى على مواجهة النظام اللبناني، فهي بالتالي لا تستطيع مواجهة إسرائيل، وتشرح: “حتى اللّحظة لم أشاهد مقطع فيديو واحدًا عن الأحداث في القدس، ليس لأنني لا أهتم. بالعكس، بل لأنني غير قادرة على احتمال المزيد من الأوجاع. الصيف الماضي خسرت منزلي وشاهدت كل جوانب حياتي تتغيّر في بلد لا أخضع فيه لاحتلال عدو بل لاحتلال حكومة، ولذلك لا أستطيع أن أتخيّل كميّة الوجع والقهر اللذين يعانيهما الأفراد في فلسطين، في وقت نشهد بالصورة الحيّة معنى الاستعمار والاحتلال. لذلك وبكل صراحة أفضّل أن أعزل نفسي عن كل ما يحصل، لأنني بعد كل ما شهدته صرت غير مؤمنة بقدرتي على تحدّي الشر”.

“فلسطين مفهوم الكرامة”

تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي في كل أنحاء العالم بمقاطع الفيديو والصور القادمة من فلسطين، ويضجّ الوسط اللبناني بالآراء الموحّدة في صلبها والمنقسمة من حيث التنفيذ، فهناك من يعتبر أن القضية الفلسطينية لا تنقسم عن القضية اللبنانية وهناك من يعتبر أن اللبنانيين غير قادرين على محاربة منظومتهم الفاسدة وبالتالي بدلًا من إنقاذ حي الشيخ جرّاح عليهم في بادئ الأمر إنقاذ أنفسهم.

لن نذهب نحن إلى القدس، بل القدس والمقدسيون سيأتون إلينا. ويلجمون كل الأفكار الفوقية التي نطرحها عن صراعهم الشخصي الذي يطال كل المنطقة لكنّهم هم وحدهم يدفعون ثمنه بالتهجير والموت

كتب الرابر اللبناني مازن السيّد المعروف بـ”الراس” عبر حسابه على فيسبوك:

“فلسطين في المجاز النفسي لمجتمعات الإقليم هي تجسد المسلوب، تجسد الفقدان، تجلي التفتت بالجسم التاريخي للمنطقة. بس هي بالوقت نفسه تجسد استمرارية الصراع، واستمرارية الجسد المتمسك بوجوده رغم كل شي. القدس تحديداً، واللي ما سميت هيك عن عبث، هي العاصمة الحضارية التاريخية للإقليم، لأسباب كثيرة أبرزها الدور المحوري اللي لعبته في تجديد القوة الروحية التحررية المتمثلة بما نسميه الآن الديانات التوحيدية، تجديدها كلما التفت عليها الإمبراطورية واستوعبتها. باختصار، فلسطين بالنسبة إلنا، شئنا أم أبينا، ليست مجرد مساحة محتلة أو قضية للتضامن أو حتى مصلحة مادية مشتركة، بل هي المجاز الجغرافي والسياسي لمفهوم الكرامة وتفضيل المخاطرة من أجل السيادة على المساومة في سبيل الرفاهية. لهيك القدس كعقيدة، وفلسطين كعقيدة، أشيا من الثوابت الثقافية اللي لازم نظل نعيد إرسائها كل ما بهّتها التجار وتفاقمت الأزمات وتهزهزت البوصلات. لأنه المقابل هو خيار التخلي عن مجاز الكرامة، والكرامة أصلاً مجاز. أصدق مجاز. أما الرأي الرافض لمفهوم الثوابث والمقدسات بالمطلق تحت لواء العقل والمنطق، فقد فاتته الدلائل العقلية على الحاجة إلى افتراض ما لا يستدعي الإثبات العقلي”.


“صواريخ توازن الرعب”

بعد المواجهات المسلّحة والصواريخ التي ألقيت من غزّة على المستوطنات، انقسم المشهد اللبناني بين من رأى أن المواجهة المسلّحة هي الأساس وصدح شعار:”حط السيف قبال السيف إحنا شباب محمّد ضيف”، والضيف هو قائد الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وبين من رأى أن المجتمع الدولي سيستغل هذا الأمر من أجل دعم الاحتلال، وطبعًا هناك من اعتبر أن لا علاقة للشعب اللبناني بفرض آرائه على الشعب الفلسطيني في كيفية مواجهة الاحتلال. واحتدم النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الواقع.

الشعب الفلسطيني وحده يقرّر كيفية خوض معركته. إن كان بالدبّابات، أو بالصواريخ، أو بالورود أو بالسكاكين

عبر صفحته، كتب أحمد عيساوي: “ليس هناك أسوأ من حرف مسار انتفاضة شعبية استثنائية كالتي فجّرها المقدسيون دفاعًا عن أرضهم وبيوتهم وتاريخهم وهويتهم سوى معادلات 'صواريخ توازن الرعب' التي لن تكون محصلتها سوى مزيد من الضحايا والدمار والويلات في غزة وبداية نهاية الانتفاضة الفلسطينية الهائلة-المعجزة التي اجترحها أبطال القدس. في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل أكبر أزمة سياسية منذ تأسيسها، أعادت هبّة القدس اسم فلسطين إلى خارطة العالم وجعلتها خبرًا أوّل في المنابر والتلفزيونات. عاد العالم ليرى ما يراه أهل الأرض كل يوم: همجية جحافل المستوطنين وقوات الاحتلال، الوحشية البشرية إذ تتجسّد في كيان مصطنع. قام أوّل ما قام على سياسة التهجير والارض المحروقة. حماية هوية القدس وتحقيق أهداف الانتفاضة في الشيخ جراح أولوية يجب أن تتقدّم على كل حسابات الفصائل السياسية والإستراتيجية لا سيّما حماس. أقول قولي هذا وأستغفر الله وليس من باب المزايدة على أحد، إنما لإيماني أيضًا بما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش ذات يوم 'الفلسطيني ليس شعارًا ولا مهنة، إنّه كائن بشري معذّب، له أسئلة يومية ووطنية و وجودية، له قصة حب وتأمل في زهرة، ونافذة مفتوحة على المجهول، وله خوف ميتافيزيقي، وعالم داخلي غير قابل للاحتلال'”.

وعقّب على منشوره في حديث لرصيف22: “لا أسمح لنفسي بالمزايدة على الشعب الفلسطيني، فهو وحده يقرّر كيفية خوض معركته، إن كان بالدبّابات، أو بالصواريخ، أو بالورود أو بالسكاكين. وهو يقرّر من خلال غرف عملياته المشتركة كيفية تنفيذها على الأرض. فالفلسطيني اليوم ليس حسن نصرالله أو عبد الملك الحوثي بل هو صاحب الأرض الذي خرج من كل المناطق ليؤكّد لنا كما فعل دائمًا ومن خلال 'الهبّة الشعبية' التي يجب أن لا تُسحب أنّه هو وحده المقاومة”.

لم أشاهد مقطع فيديو واحدًا عن الأحداث في القدس، ليس لأنني لا أهتم. بالعكس، بل لأنني غير قادرة على احتمال المزيد من الأوجاع.

يقول س. ز. وهو رجل خمسيني قاطن في الضاحية الجنوبية، إن ما نشهده اليوم هو جزء صغير من التاريخ الذي لم يُنقل لنا في السابق، ويشرح: “هكذا تسرق الأرض. هكذا يهجّر الناس. وهكذا تُسلب قضيّة إنسان. ونحن من هنا ليس علينا سوى التزام حدودنا وتقديم دعمنا التام دون أن نتحكّم بقضيّة شاهدنا أحزابنا تشتريها وتبيعها لعقود. الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى مقاومتنا، فهو اخترع كل وسائل المقاومة وأدواتها. لن نذهب نحن إلى القدس، بل القدس والمقدسيون سيأتون إلينا. ويلجمون كل الأفكار الفوقية التي نطرحها عن صراعهم الشخصي الذي يطال كل المنطقة لكنّهم هم وحدهم يدفعون ثمنه بالتهجير والموت”.

من العالم إلى الداخل... بعده كل ليلة البوليس بيتمن*ك عولاد العرب؟

تشارك الممثّلة العالمية فيولا ديفيس مجموعة صور عبر حسابها على إنستغرام وتشرح بالتفصيل الاعتداء الذي يحصل في حي الشيخ جرّاح، لتعود وتشاركه الممثّلة ناتالي بورتمان التي أعلنت دعمها للشعب الفلسطيني على الرّغم من ولادتها في القدس. في التعليقات يفرح الناس، يفرح العرب الذين يحملون القضيّة ويشعرون أن صوتهم يصل. وأن ما يحدث اليوم وبعد عقود من الاحتلال لن يمر مرور الكرام. بدوره كتب مجد كيّال، وهو كاتب فلسطيني مقيم في حيفا كان قد تعرّض للاعتقال قبل مدّة، وقدّم بالتعاون مع الفنان فرج سليمان واحدًا من أجمل الألبومات الغنائية التي عرّفتنا على تفاصيل الداخل الفلسطيني: “هذه لحظة لا يُمكننا تفويتها في انتظار قيادات أو أحزابٍ أو قرارات. كل شاب وفتاة، كل كبيرٍ وصغير، كلّنا نتحمّل مسؤوليّة شخصيّة للمبادرة، للنزول إلى الشارع والتظاهر أولًا، لنقدّم لغيرنا نموذجًا في العطاء وبذل النفس في وجه العدوان. ثم نتحمّل مسؤوليّة دعم التحرّكات... هذه لحظة تتطلّب منّا التواصل مع من حولنا من أصدقاء ومعارفٍ في محاولةٍ لبناء ما يوطّد تكاتف المجتمع حول النضال. في مكان العمل، في مكان التعليم، في الحيّ، في القرية نريد أن نشارك في هذه اللحظة التاريخيّة. نريد أن نصنعها معًا. ولا نريدها هبّةً تنتهي بعد العيد. إنما نريدها مرحلةً جديدة نحو الحريّة والكرامة، وخطوة أخرى نحو فلسطين”.

في برلين وعلى الرغم من بساطتها، رفعت لافتة صغيرة كُتبت عليها كلمتان تعبّران عن كل ما في الداخل: “كسم إسرائيل”

يسقط الأطفال في فلسطين، وتهجّر العائلات وتستمر المعركة، ونتلقّى نحن بأسلوب مباشر الإجابة عن السؤال الذي طرحه مجد في أغنية “في أسئلة براسي". جاء السؤال بصوت فرج سليمان: “بعده كل ليلة البوليس بيتمنيك عولاد العرب؟” والجواب هو نعم،. لكن هذه المرّة تتحرك الشوارع في بيروت وفي كل العالم أيضًا. ففي برلين وعلى الرغم من بساطتها، رفعت لافتة صغيرة كُتبت عليها كلمتان تعبّران عن كل ما في الداخل: “كسم إسرائيل”.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard