شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"اسمها رفقة"... حملة ضد العنف الأسري تهز تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 12 مايو 202112:10 م

يحدث وفق القوانين والدساتير المعمول بها في الغاب أن يقرّر أسد جائع مثلاً القتل، فيضع خطّة مُحكمة ثمّ يمضي في تنفيذها دون أن يُصدر صوتاً واحداً. يُنشب مخالبه في ضحيته لاهثاً وينتظر فيما يُشبه الاحترام أن تكفّ عن النّفس، ويلتهم منها ما يسدّ رمقه ليعود صامتاً وينعم بقيلولة عميقة.

لا يتفاخر بذلك البتّة. قد تأتي بعض التعليقات من مجتمع الضّباع الفوضوي التي لا تملك أخلاقاً على الحدث، لكنّها لن تكون بأي حال من الأحوال تعليقات مبرّرة لما فعله الوحش.

لكن يحدث أن يقع التباس في المجتمع الإنساني، الذي كثيراً ما يدّعي ترفّعه عمّا يحدث في الغاب وتتسلّل بعض تصرفات الوحش إلى أعماقه. لا غرابة، فقد كان الإنسانُ وحشاً لحقبة زمنية طويلة.

فالوحشية نعرة كثيراً ما تطفو على السطح، ذئبوية قد تختلج بها الصدور في تمام القمر كما في الأساطير. وضعت القوانين الإنسانية ودساتيرها كي تحول دون ذلك الوحش. ومع رفقة الشّارني حصل ما لا يحصل في الغاب.

امرأة شابّة ومع ذلك أمّ لطفلين، طيبة الملامح وباسمة. الواضح أنها وقعت في حبّ الوحش. ذلك يمكن قراءته على اطمئنان ملامح الغزالة البريئة –التي ستتحوّل فيما بعد إلى ضحية – وهي مصاحبة للوحش.

وهل تعرفون من يكون الوحش؟: إنّه السّاهر على تطبيق تلك القوانين والدساتير التي عليها أن تحول دون تحقّق الوحش في المجتمع الإنساني الذي لا يكفّ عن التفاخر بإنسانيته.

طلقة أولى على الإنسانية وثانية على المدنية وثالثة على القيم ورابعة على القوانين الوضعية وخامسة على الشعور بالأمن وسادسة على امرأة تونسية وأمّ لطفلين: رفقة الشارني ضحيّة تونس "ما بعد الثورة"

لقد جسّد الأمني، الزوج القاتل الذي يعمل في سلك الحرس الوطني، التحام الإنساني بالوحشي، وامتدّت مخالبه نحو الضحية التي كانت تحلم بحياة مسالمة.

ستّ طلقات احتاجها الوحش ليخمد صوتاً أمومياً مقدّساً. ستّ طلقات على جسد كان ينتظر لمسات اعتراف بضروريته في هذه الحياة. جسد وهب الوحش طفليْن لا شكّ أنّهما رائعان. طلقة أولى على الإنسانية وثانية على المدنية وثالثة على القيم ورابعة على القوانين الوضعية وخامسة على الشّعور بالأمن وسادسة على امرأة تونسية ذهبت سُدى للأسباب التي لنا أن نذكر بعضها:

- ورد في إحدى تعليقات الضّباع الإنسانية على جريمة القتل الآتي ذكره: "كان عليها أن تكون لطيفة معه، لا بدّ أنها ضايقته وواقع الحال: صعوبة عمله ورمضان". إذن فالسبب الأول هو هذا السياق الاجتماعي الحيواني الذي لا يفصله عن الغابة شيء!


مجتمع من الجواميس النافرة في غياب فرض قانون أخلاقي بالقوة. هذا لعمري إفراز ما بعد ثورة. إذ ليس من السهل لمجتمع ترعرع تحت نقرات عصا الديكتاتور أن يُلزم نفسه باحترام نفسه واحترام الآخر والصمت في حضرة الموت كأقلّ شيء يمكن فعله.

لجأت رفقة الشّارني إلى الأمن تشكوهم صنائع زوجها، فقالوا لها إنّ الوحش زميل لنا، عودي إلى منزلك "وهنّي على روحك"

- لجأت رفقة الشّارني إلى معسكر الوحش، تشكوهم صنائع زوجها، فقالوا لها إنّ الوحش زميل لنا، عودي إلى منزلك "وهنّي على روحك". رعاة القانون على حسن نية! ولا نعرف إن كانت "حسن النية تلك" قانونية أم لا... المهم أن الزميل الوحش عاد إلى منزله إثر الشّكوى ليطلق رصاصاته الست على الجسد الوحيد الأعزل.

- بالعودة إلى التعليقات، ثمّة من حوّل الموضوع إلى مناسبة للتندّر، وقال البعض إن الأمني أحسن اختيار "حقّ الملح"، هذه العادة التي تعود كل رمضان في محاولة ذكورية صرفة للعودة إلى السيطرة على مجتمع على مشارف التخلّص من تلك العقلية.

و"حقّ الملح" هذا يا سادة هو المكافأة التي دأب الزوج التونسي على منحها للزوجة اعترافاً بتعبها في المطبخ، الذي يتزايد خلال شهر الصيام والعبادة، شهر التزمّت والشعور بالفقراء.

- ولاية الكاف العالية، ولاية تقع في شمال غرب تونس، وهي مسرح الجريمة. في تلك الولاية تنتشر ثقافة "الرّجولة" التي لا ينبغي أن تعنّف المرأة، وأن الرجل يفقد تلك الرجولة ما إن "تمتدّ يده" عليها، إلا أن ستّ رصاصات اخترقت كل تلك العادات الجميلة لتسقطها تباعاً مع جسد رفقة الشارني.

والكاف معروفة بأغانيها الجميلة التي تتغزّل بالنساء والتي تحمل قصصاً كثيرة عن تضحيات الرجل من أجل حبيبته. إرث شفوي جميل أطلق عليها الوحش ستّ رصاصات متتاليات...

"اسمها رفقة" حملة تشارك في إطلاقها نساء ورجال على صفحات التواصل الاجتماعي، تبثّ أسئلة كثيرة: أي أمن ينتظر تونس المستقبل؟ أي مسدّس نعطي لأي رجل أمن؟ إلى أي قضاء نتجه في هذه المرحلة العصيبة؟ أي قيم نتبنّى؟ ما حقيقة المجتمع التونسي؟

- لم تصب إذن الرصاصات الستّ جسد رفقة الشّارني فقط. ثمة أشياء أخرى وأجساد أخرى تساقطت مع الجسد الأعزل. دبّ الألم في مفاصل كل الأجساد التونسية التي ما زالت تحمل بعض الخصائص الإنسانية.

"اسمها رفقة" هي الحملة التي تشارك في إطلاقها نساء ورجال على صفحات التواصل الاجتماعي. "أنا رفقة القادمة" هي أيضاً حملة أخرى من الحملات الكثيرة. اهتزّت أصوات الشعراء مندّدة بالجريمة. تعاقبت تعليقات ما بين الإنسانية واللاإنسانية. وتحوّلت رفقة الشّارني إلى رمز مثلها مثل رموز أخرى تعجّ بها هذه المرحلة التونسية العصيبة.   

 ليست الحادثة حادثة قتل بسيطة. إنها على غاية من التعقيد: فرفقة التي لم تتمكّن المنظومة القضائية من حمايتها عندما التجأت إليها قبل يوم أو يومين من الحادثة، بثّت أسئلة كثيرة في النفوس: أي أمن ينتظر تونس المستقبل؟ أي مسدّس نعطي لأي رجل أمن؟ بأي زوج نرتبط وفق أي قانون؟ إلى أي قضاء نتجه في هذه المرحلة العصيبة؟ أي قيم نتبنّى؟ ما حقيقة المجتمع التونسي؟ إلخ...

 هذا ما يعنيه قتل رفقة الشّارني إذن!

أرجو في النهاية أن تتمكّن الدولة التونسية من إثبات براءتها فيما حدث. فكل الدولة ماثلة أمام القضاء، والقاضية هي رفقة الشّارني التي عاشت بالأمس وتعيش اليوم وستعيش غداً.

صورة المقال: أصبحت الأحذية النسائية المطلية باللون الأحمر رمزًا للاحتجاج على العنف ضد المرأة


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image