شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
يوسف الشريف والوصول إلى النجومية عبر سلم

يوسف الشريف والوصول إلى النجومية عبر سلم "نظرية المؤامرة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 10 مايو 202112:39 م

قبل عرض مسلسل "كوفيد25"، منتصف شهر رمضان الجاري، كتبت على صفحتي في فيسبوك، أننا بانتظار المؤامرة الجديدة التي سيقدمها لنا، كما عوّدنا، الفنان يوسف الشريف. والحقيقة، لم يخب ظنّي، فالمسلسل الذي يتحدث عن فيروس "كوفيد25"، وهو نسخة مطوّرة من "كوفيد19"، تبنّى نظرية المؤامرة بكل أبعادها. واعتمد في سرد أحداثه على أن شركات الأدوية الكبيرة تتآمر على العالم من خلال تصنيع الأوبئة التي تجتاح البشر، ومنها "كورونا" بالطبع. كما أن تلك الشركات تُصنّع اللقاحات، لكنها لا تطرحها إلا بعد تفشي الأوبئة لتحقق مكاسب مالية ضخمة.

ما كتبته قبل عرض المسلسل ليس إلا توقعاً لنهج الفنان يوسف الشريف الذي أتابعه منذ سنوات. ففي مسلسل "النهاية"، الذي عرض في رمضان الماضي، كانت نظرية المؤامرة حاضرة من خلال تصوير أن هناك "لوبيهات" تتحكم في العالم تحكماً كاملاً، وأن التكنولوجيا بكل أشكالها من هواتف محمولة وأجهزة إلكترونية ليست إلا مؤامرة على العرب لجعلهم مستهلكين، لا أكثر. وفي النهاية لن تقدّم تلك التكنولوجيا للعالم سوى الخراب.

رغم أنها صفة عالمية، إلا أنها تزداد ترسخاً في وطننا العربي، بمرويات دينية تشير إلى أن أصحاب كل دين يتآمرون على الآخر، وأن العالم نفسه يتآمر علينا كعرب

وسواء أكان يوسف الشريف مقتنعاً شخصياً بنظرية المؤامرة أم لا، إلا أنه، في رأيي، اعتمد تلك النظرية الفنية لتحقق له نجاحاً كبيراً وسط نجوم جيله، خاصة أن بداياته الفنية لم تحقق نجاحات مشهودة بالرغم من إسناد أدوار البطولة له كما في فيلم "العالمي" (2009)، وفي مسلسل "زي الورد" (2012).

تلك البدايات المتخبطة هي التي دفعته إلى اللجوء لنظرية الغموض في مسلسل "رقم مجهول" (2013)، وما إن حقق المسلسل نجاحاً ملحوظاً حتى أدرك الشريف الطريق، فطوّر من أعماله الفنية، وانتقل من الغموض إلى نظرية المؤامرة التي اعتمدها في أعماله الفنية منذ مسلسل "كفر دلهاب" في 2017، وحتى الآن. وبات منذ ذلك الحين، من نجوم الصف الأول في الموسم الرمضاني.

لكن لماذا نجح يوسف الشريف في هذه النظرية الفنية؟ هنا يمكنني أن أقول إنها نظرية مضمونة النجاح لأسباب عدة، أولها أنها لا تتطلب قدرات تمثيلية عالية كالدراما والميلودراما أو الكوميديا، بل تعتمد في الأساس على حبكة التآمر وما يصاحبها من غموض وتشويق؛ وهي عوامل تجذب أي جمهور للمشاهدة، الأمر الذي يناسب يوسف الشريف الذي لا تتوفر لديه قدرات تمثيلية عالية، في رأيي.

ترويج نظرية المؤامرة وسط شعوب لديها جذور للاقتناع بتلك النظرية، هو نوع من المساهمة في انتشار الجهل والخرافات

ثاني الأسباب التي تجعل من نظرية المؤامرة قاعدة فنية مضمونة النجاح، هو أنها تلعب على وتر موجود لدى الإنسان، فهناك ملايين من الناس يؤمنون بنظرية المؤامرة، وأن هناك من يخطط لإفساد حياتهم. ورغم أنها صفة عالمية، إلا أنها تزداد ترسخاً في وطننا العربي، بمرويات دينية تشير إلى أن أصحاب كل دين يتآمرون على الآخر، وأن العالم نفسه يتآمر علينا كعرب. وتالياً فالإنسان الذي يؤمن بهذه الأفكار، والذي يشاهدها على الشاشة، ينجذب إليها تلقائياً، بل ويصدقها ويدافع عنها.

لجوء فنانين إلى نظريات فنية مضمونة النجاح ليس بالأمر المشين. فقد كتبت قبل ذلك عن الفنان خالد النبوي، الذي بكل براعته التمثيلية، اختار الأدوار التاريخية للوصول إلى النجاح، بعد أن تعثّر في أخذ مكانه بين نجوم جيله. لكن المشكلة أن الثيمة الفنية التي اختارها يوسف الشريف لا تصنع تاريخاً فنياً مثل الأدوار التاريخية، من جهة، وتسهم من جهة أخرى في تغييب العقول. فالأعمال الفنية التي تعتمد المؤامرة، كنظرية فنية، لا تعيش طويلاً لأن فرضيتها تسقط بعد أن يكتشف الجمهور أن كل ذلك كان كذباً، تماماً مثل أفلام نهاية العالم التي تحقق إيرادات فلكية، لكن بعد عرض الفيلم ومرور السنوات يكتشف الناس أن نهاية العالم لم تأت في التاريخ المحدد كما شاهدوا. وسيفعلون الشيء ذاته إن جاء عام 2025 من دون فيروس يحمل اسم "كوفيد 25". وتالياً، فإن تلك النظرية تحقق نجاحاً مؤقتاً لصانعيها، أما مع مرور الزمن وتساقط الفرضيات فينفكّ عنها الناس، وإن عادوا، فلتأكيد أن تلك الأعمال "كاذبة"، أو للمتعة الفنية على أقصى تقدير.

نحتاج إلى من يرسّخ في عقولنا أن أي كارثة في العالم تتطلب تحركاً وتفاعلاً وطرداً لنظرية المؤامرة، حتى نستطيع التعامل معها بدلاً من الترويج لفكرة أننا الأضعف دائماً

من ناحية أخرى، فإن ترويج نظرية المؤامرة وسط شعوب لديها جذور للاقتناع بتلك النظرية، هو نوع من المساهمة في انتشار الجهل والخرافات، والعجز أيضاً. وبعيداً عن السرديات المفككة التي يقدمها يوسف الشريف في أعماله الفنية كـ"كوفيد 25"، والتي لا يفرّق فيها بين استغلال الأوبئة من قبل شركات الأدوية -وهو أمر يحدث أحياناً- وبين تصنيع مؤامرة من الألف إلى الياء، فهو يفترض أن خلق وباء عالمي هو أمر يسهل التحكم فيه في ظل عالم متحرك كل لحظة بلا حدود.

إن خطورة تصوير أن كل ما يحدث حولنا هو مؤامرة، يجعلنا عاجزين عن الفعل، ونظلّ مكتوفي الأيدي تالياً حتى تنتهي المؤامرة. ولدينا مثال حي في الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"، حين تعامل مع "كوفيد 19" باعتباره مؤامرة صينية. وتالياً لم يتخذ الإجراءات المطلوبة في البداية، ما جعل أعداد المصابين تصل إلى عشرات الآلاف قبل أن يتدارك أنه أمام وباء عالمي لا يستثني أحداً، وما من قوة في العالم تستطيع أن تحمي نفسها منه.

لكن على أي حال، كانت لدى الرئيس الأمريكي السابق القدرة على التعامل مع الوباء، وإن متأخراً. أما نحن، فليست لدينا القدرة، والأهم من ذلك أننا نحتاج إلى من يرسّخ في عقولنا أن أي كارثة في العالم تتطلب تحركاً وتفاعلاً وطرداً لنظرية المؤامرة، حتى نستطيع التعامل معها بدلاً من الترويج لفكرة أننا الأضعف دائماً.

 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image