شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أين حمّاماتنا؟"... شعور النساء بـ"الحاجة" في شوارع مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 8 مايو 202102:21 م

بوجه مبلل بدمعات، وعينين مشتتين، وظهر محني من ثقل حقيبتها، المليئة بمستحضرات التجميل التي تبيعها، تهرول إيمان (26 عاماً) بين الأرصفة، باحثة عن مرحاض (حمام) في الشارع، تريد أن تنقذ ثيابها قبل أن تلطخها دماء الطمث.

المشهد ذاته يتكرر في القاهرة، يعتصر إيناس (33 عاماً) مغص أليم، تبحث هي الأخرى عن مرحاض تقضي فيه حاجتها، بعد أن تحملت ساعتين في الطريق من محافظتها البحيرة إلى القاهرة.

كذلك تحاول صفية (32 عاماً) تهدئة صراخ رضيعها ذي الخمسة أشهر، باحثة عن مرحاض لتتمكّن من تغيير حفاضه، وإرضاعه.

ثلاث نساء مصريات يتشاركن نفس المأساة لأسباب مختلفة، والحاجة واحدة. بات وجود مرحاض ينقذهنّ أمراً في غاية الصعوبة.

يعاني نحو 2,5 مليار شخص حول العالم من عدم توافر المرافق الصحية مثل المراحيض، من بينهم 500 مليون امرأة محرومة من هذا الحق، وهذا يعني أن 13% من نساء العالم لم يكن بمقدورهن استخدام مرحاض آدمي مرة واحدة على الأقل كل شهر للنظافة الشخصية مع كل دورة طمث، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

في مصر الوضع لم يختلف كثيراً إذ تفتقر الشوارع والميادين للمراحيض العامة، خاصة تلك الوحدات المخصَّصة للسيدات.


"مهووسات بالكمال"

"أعمل في البيع المتجول لمستحضرات التجميل، لذلك أقضي وقتاً طويلاً في الشوارع. في يوم عمل مرهق، شعرت بمغص شديد رافقه بلل، مفاجأة مروعة من دورتي الشهرية، كأنني تعريت في الشارع، ظللت أبحث عن أقرب حمام قبل أن يلطخ الدم ملابسي، فلم أجد"، تحكي إيمان.

عدد الحمامات العامة الموجودة في مصر 1304 موزعة على 27 محافظة، بينها 791 للرجال مقابل 531 وحدة للسيدات، بحسب إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

على الرغم من احتياج النساء للمراحيض بشكل أكبر، وفقاً لتوصيات الجمعية الملكية للصحة العامة البريطانية RSPH، عام 2019، بزيادة عدد المراحيض الخاصة بالنساء، بعد دراسة أجرتها، وجدت أن لتحقيق العدالة لا بد من تخصيص المراحيض بنسبة 1:2 للنساء، وذلك نظراً لعوامل الوقت المتعلقة باختلاف البنية الجسدية، مثل الملابس والحيض، وأحياناً إرضاع الأطفال وتنظيفهم.

حاولت معرفة رأي الرجال حول طول الوقت الذي تستغرقه النساء داخل الحمام، سألت عدداً من أصدقائي، وصدمتني إجاباتهم.

مكان اجتماعات سري لبنات حواء.

يتخيل أحمد (28 عاماً) أنه مكان اجتماعات سري لبنات حواء، بينما يرى هشام (30 عاماً)، أن النساء مهووسات بالكمال، لذلك يستغرقن وقتاً طويلاً أمام مرآة الحمام، ليهندمن أنفسهن، ويشكو في مرات عديدة عندما يتنزه مع شريكته، وتذهب للحمام، فيتململ هو من التأخير.

تصحح الطبيبة ميار يونس، أخصائية النساء والتوليد، رؤية الرجال الخاطئة، تقول لرصيف22: "تشريح العضو التناسلي للأنثى مختلف عن الذكر، وهو ما يجعل طريقة الإخراج نفسها مختلفة، والذي يجبر النساء على وضع الجلوس لقضاء الحاجة، وطريقة معينة للتنظيف، بالإضافة لتلك الفترة التي تحيض المرأة فيها، فتحتاج لوقت إضافى لتغيير الفوطة الصحية، ناهيك بقطع الملابس الكثيرة التي ترتديها".

"في يوم عمل مرهق، شعرت بمغص شديد رافقه بلل، مفاجأة مروعة من دورتي الشهرية، كأنني تعريت في الشارع، ظللت أبحث عن أقرب حمام قبل أن يلطخ الدم ملابسي، فلم أجد"

ذكر تقرير صادر من غرفة عمليات الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة عام 2013، رصدت فيه 141 دورة مياه عمومية، يعمل منها 68 وحدة فقط، هذا العدد الضئيل من الوحدات يعني نسبة أقل للوحدات المستحقة للنساء، والتي تعاني أغلبها من الإهمال والقذارة، لذلك تضطر النساء لحبس الفضلات، لعدم توافر دورات المياه، ساعات طويلة.

تحكي إيناس عن تجربتها، قائلة: "تحملت ساعتين كاملتين منذ أن خرجت من محافظتي، لأني أخشى تلك الحمامات الموجودة في استراحة الطريق، أن تكون غير نظيفة، فتنقل لي الأمراض، أو آمنة بشكل كافٍ، لذلك تحمّلت حتى وصلت القاهرة، لكن الوقت كان كالسيف الذي يمزق أمعائي، كاد أن يغشى علي من الألم، وكدت أفقد قدرتي على التحمل وأنا أبحث هنا وهناك، لم أجد مرحاضاً واحداً، تحاملت على نفسي حتى وصلت بيتي، لكنني ظللت أعاني آلاماً عاتية بعد هذا الموقف".

إيناس وكثيرات غيرها يضطررن لحبس البول، والتمنع عن الإخراج لساعات طويلة، حتى يعدن لبيتهن مرة أخرى، مما يصيبهن بمشاكل صحية وخيمة، منها احتباس البول، تقول يونس: "دائماً ما نحاط نحن النساء بالخطر من الجهتين، إما أن نصاب بعدوى إذا لم يكن المرحاض نظيفاً بشكل كاف، مثل عدوى المسالك البولية، وأمراض تناسلية كالسيلان، بسبب التلامس بين جسدنا والمرحاض نفسه، أو نضطر للتمنع عن الإخراج ساعات طويلة مما يصيبنا بأمراض كثيرة كالإمساك المرضي، والتهابات المثانة وغيرهما، وفي حالة الطمث هناك خطورة عدم تغيير الفوطة الصحية لمدة أكثر من ست ساعات يعني الإصابة بالالتهابات، والبكتيريا، ومخاطر كبيرة تصل للتسمم".

"أين سأرضع طفلي؟"

الأمهات تتضاعف معاناتهن مع الحمامات العمومية مرتين، "عندما نتحدث عن احتياج المرأة إلى المرحاض، نتذكر أن الأم شريكة بشقين، مرة كامرأة والثانية لطفلها"، تقول صفية لرصيف22.

تضيف: "أفكر كثيراً قبل خروجي من المنزل، فاصطحابي لرضيع أمر شاق، يجعلني دائماً أفكر أين سأرضعه؟ إذا احتاج تغيير الحفاض أين سأقوم بذلك؟ دائماً أحرص على وجودي في مكان قريب من مول تجاري كبير أو كافيه معروف، كي أستطيع إنجاز هذه المهام المفاجئة، لكن أحياناً كثيرة أفقد السيطرة على الوضع، مما يدفعني للانهيار".

أشارت لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي الأمريكية، في اجتماعها عام 2010، إلى أن الوصول المتباين لدورة المياه قد يعد انتهاكاً لحقوق الحماية المتساوية، وذلك لأن تصميم العديد من المباني، يعتمده مقاولون ومهندسون في الغالب من الذكور، لذلك نادراً ما يتم أخذ احتياجات المرأة في الاعتبار.

 "دخلت أحد المطاعم الشهيرة، سألت العامل عن مكان الحمام، رفض دخولي، الحمامات مخصصة للزبائن فقط. رأيت مسجداً على مقربة، تذكرت فتوى تحرم دخول الحائضات، بكيت"

فاطمة إبراهيم مؤسسة مبادرة The Sex talk، للتوعية بالصحة الجنسية للنساء، تقول: "توفير مراحيض عامة نظيفة وآمنة للسيدات هو حق أصيل لهن، ووثيق الارتباط بالصحة العامة، لأن النساء في مصر موجودات في المجال العام، سواء للعمل أو للدراسة، مما يجعلهن خارج البيت لوقت طويل، وعدم توفير خدمات تدعمهن مرتبط بشكل غير مباشر بعدم قدرتهن على العمل والإنتاج بشكل أفضل، مما يعني المزيد من الخسائر الاقتصادية".

وتكمل: "الحق في توفير مراحيض آدمية وصحية للنساء ضرورة ملحة، والأهم أن تكون أماكن آمنة، فالنساء في مصر طوال الوقت يتعرضن للتحرش في الشارع دون مبرر، فما بالك بخروجهن من حمام عام؟".

وتضيف: "المشكلة غير مقتصرة فقط على الصحة الجسدية، إنما تمتد للأمهات، خاصة المرضعات، اللواتي هن بحاجة لكشف أثدائهن من أجل صغارهن، إنه ليس برفاهية".

مرحاض الجامع

تعتمد النساء في رحلة بحثهن عن مرحاض على تلك الموجودة في الكافيهات، والمولات الكبرى، والتي في أغلبها مخصصة لزوار المكان. تقول إيمان: "دخلت أحد المطاعم الشهيرة، سألت العامل عن مكان الحمام، لكنه بمجرد أن رأى حقيبتي رفض دخولي، وأشار إلى أن دورات المياه للزبائن فقط. رأيت مسجداً على مقربة، فكرت في استخدام مرحاضه، لكني تذكرت فتوى سمعتها من زمن تحرم ذلك، تثبت مكاني، وأجهشت بالبكاء".

"الضرورات تبيح المحظورات"، يقول الشيخ أحمد علوان أحد علماء الأزهر، رداً على سؤالنا عن حكم الدين في استخدام مراحيض المساجد. ويضيف: "المواقف الصعبة التي قد تمر بها المرأة، وتكون حاجة ملحة لاستخدام مرحاض يجيز لها استخدام مرحاض المسجد، حتى إن كانت حائضًا، والوصول له يتطلب أن تمر بالمُصلى، ما دامت هناك ضرورة لذلك، لكن عليها توخي الحذر الشديد، والاهتمام بتنظيف المكان جيداً بعد استخدامه".

أزمة العدالة في توفير مراحيض عامة هي أزمة عالمية، لكن هناك محاولات كبيرة من الدول في تحقيقها، فمثلًا ساعد جاك سيم، مؤسس منظمة المراحيض العالمية، في تغيير قوانين سنغافورة عام 2005 لإنشاء دورات مياه عامة أكبر للنساء.

هونغ كونغ واليابان لديهما قوانين مماثلة تكفل حق النساء في مراحيض بعدد أكبر.

في مصر، كانت هناك محاولات لذلك عام 2007، فتم تدشين مشروع كبائن الحمام الذكي، والتي تنفذ ذاتيًا بعد الاستخدام مقابل 50 قرشاً، وبالفعل جرى وضع 36 حماماً إلكترونياً في مناطق مختلفة بالقاهرة، لكنها تعرضت للإهمال حتى جاءت أحداث الشغب التي لحقت بثورة 25 يناير، فخُرّبت ثم اختفت من الشوارع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image