"هناك ما لا تحكيه النساء، وهو أضعاف ما تحكيه بالفعل"، تذكرت مقولة والدتي تلك، وأنا أستمع لصديقةٍ تحكي عن رحلة علاجها النفسي التي دامت لـ 10 سنوات كاملة، حتى تتمكّن فقط من ممارسة العلاقة الجنسية كاملة.
لم تكن مشكلتها مع الجنس في حدِّ ذاته، ولكنها تعاني من أحد الآثار السلبية التي تتركها جريمة التحرش في أغوار النساء، وهو ما لا نتحدث عنه علناً.
"م. ب"، (31 سنة) مترجمة من القاهرة، تروي لرصيف22 قصتها مع التحرش: "في البداية تعرّضتُ للتحرّش في سن الطفولة، داخل المنزل من أحد أفراد الأسرة، وحدثت بعض الوقائع خارجه أيضاً، ما تسبب لي بحالةٍ من الاشمئزاز من جسدي، وكذلك من هيئة الجسد الذكوري، خاصة إني لم أمرّ بأي علاقةٍ جسديةٍ قبل الزواج، وحتى لم أحاول اكتشاف جسمي أنا ذاته أو ملامسته بأي شكل، بعدما تزوجتُ، رغم أنه كان هناك مشاعر حب تجمعنا، لكن وحتى لحظة الانفصال، لم أكن أنجح أبداً في ترك نفسي لإقامة علاقة كاملة معه، بأي شكل من الأشكال".
تتابع "م.ب"، "ذهبتُ لاستشارة أكثر من طبيبة، فلم يكن الكشف الطبي يكتمل بسبب تجاربي السيئة، فكان جسدي يتشنج تماماً وعضلاتي كلها تشدّ كلما حاول أحد أن يلمسني، فحدث إجماع أنه لابد من خضوعي للعلاج النفسي، لأن الأزمة نفسية وليست عضوية بالقطع".
"ظللت لمدة 10 سنوات، منذ زواجي في 2009 وحتى طلاقي، لست امرأة طبيعية من الناحية الجنسية، مستحيل أن أكمل العلاقة للنهاية، رغم محاولاتي مع أكثر من شريك، وطبعاً طوال عشر سنين مضت وأنا أخضع للعلاج النفسي، بالتوازي مع استشارة أطباء أمراض نساء، للتأكد من عدم وجود سببٍ عضوي".
ما اكتشفته أن الأزمة تكمن في "الشعور بالاشمئزاز من كل ما يتعلّق بالجسد الأنثوي والذكوري أيضاً، ولكن بشكل خاص كانت هناك حالة من الكره العميق للجزء التناسلي، كنت أرى أنه لم يجلب لي سوى الاحساس بالأذى والانتهاك".
"مارست الجنس بعد 10 سنوات علاج"
تقول "م.ب"، "بعد علاج سنين طويلة تمَّ تصنيف ما أعاني منه بـ"sexual trauma"، والتي تتسبب في "vagina-mus"، أو ما يعرف بـ"التشنّج المهبلي"، وحتى محاولاتي لاستخدام "التامبون" أو السدادة القطنية الخاصة بالدورة الشهرية، كانت محاولات بائسة ومريرة تنتهي بأن يرفض جسمي أن يدخله أي شيء حتى لو كان طبياً".
"حالة من الكره العميق للجزء التناسلي، كنت أرى أنه لم يجلب لي سوى الاحساس بالأذى والانتهاك"
"عندي 31 سنة، من أقل سنة فقط بدأت أمارس الجنس"، تكمل "م.ب"، "بعد 10 سنين كاملة من العلاج أكملت علاقة جنسية منذ أقل من عام واحد فقط، ولكني لازلت أتذكر ما حدث لي ولجسمي من الاعتداء والتحرّش، حيث إنني من الممكن أن أتقيأ لو تذكرت مشاهد بعينها، وحتى الآن لازلت أحتاج وقتاً طويلاً لأهيّئ نفسي وجسمي للجنس، لأنه متحفّز وعصبي ومتشنّج طوال الوقت، وحدث أنني أحياناً أبكي في وسط العلاقة الجنسية لأنني تذكرت شيئاً ما، ولا أكمل".
عانت "م.ب" من العلاقات الفاشلة كثيرا، والسبب "لم يتحمل رجل امرأة بمشاكل نفسية"، خاصة المتعلقة بالجنس، وتوجز الفتاة القاهرية ما فعله التحرش بها، في نظرتها لنفسها وللرجل قائلة: "قديماً كنت أرى نفسي كشخص ملوث، كل الأيادي امتدت عليه وانتهكته، أما الآن فأرى كل الرجال متحرشين محتملين".
"لست باردة ولكني تعرضت للتحرش"
أما دليلة عبد الكريم، اسم مستعار، سورية (23 عاماً) وطالبة بكلية التجارة، فتروي لرصيف22: "كنت في فترة من حياتي أعمل "باريستا" أو "محضرة القهوة" بأحد الكافيهات، عموماً كان التحرّش جزءاً أساسياً من حياتي كفتاة، الأمر الذي جعلني لا أشعر بالأمان بشكلٍ مطلق في وجود الرجال في محيطي، وعندما ارتبطت برجلٍ أحببته، كان عندي صعوبة بالغة في التقرب منه جسدياً، أو تقبّل قربه مني، وبالفعل تحدثنا في الأمر، وكان متفهماً لما أمرّ به وساعدني كثيراً في تخطي الشعور بالنفور من جسد الطرف الآخر، لكنني لم أتخط الأمر بشكلٍ كامل، فليس سهلاً علي أن أكون بمكان مزدحم حتى الآن، وكثيراً ما تصيبني نوبات هلع قوية".
"أرتعش كلما لمسني زوجي مداعباً"، هكذا لخصت ماهيناز فريد (25 عاما) من القاهرة، وتعمل سكرتيرة بإحدى الشركات، أزمتها قائلة: "أنا أنجح في إتمام العلاقة الجنسية مع زوجي، ولكنني دوماً ما أصاب بحالة من الهلع ويرتعش جسدي كلما لمسني على غفلةٍ مني بقصد الدعابة، فيستحضر ذهني كل محاولات لمسي في المواصلات العامة، أو التحديق في تفاصيل جسدي في الأماكن العامة، وغيرها من الوقائع".
"يمكنني تلخيص أزمتي في نقطة واحدة، قديماً كنت أرى نفسي كشخص ملوث، كل الأيادي امتدت عليه وانتهكته، أما الآن فأرى كل الرجال متحرشين محتملين"
وتتابع فريد في تصريحات لرصيف22: "في بداية زواجنا، ورغم الحب الكبير الذي جمعنا، ظللت خائفة ومتقوقعة حول نفسي من فكرة العلاقة الجنسية، الأمر الذي فسّره زوجي بأنه حياء مني أو قلة خبرة، ولكن الحقيقة كانت أنني لا أقوى على تحمّل لمسات رجل غريب عني، فكان ذهني يعيد كل وقائع التحرّش الجسدي، والنظرات المهينة والكلمات الجنسية التي كنت أسمعها ولا زلت".
"أرتعش كلما لمسني زوجي مداعباً"
ويفسر استشاري الطب النفسي، دكتور جمال فرويز، معاناة ضحايا التحرّش في إتمام العلاقة الجنسية قائلاً: "الضحية تشعر بالعار، وتكره جسدها، وقد تصل لمرحلة احتقار الذات، مما يدفعها دفعاً لتدمير ذاتها بأشكال مختلفة، إما أن تؤذي نفسها سواء بالشكل المباشر، مثل جرح يديها أو جرح أجزاء مختلفة من جسدها، أو بطريق غير مباشر، من خلال التقوقع حول الذات، والتخفي، والانعزال عن الآخرين، ما يتبعه رفضها إتمام علاقة جنسية مع شريكها حتى لو كانت تحبه".
ويتابع فرويز، لرصيف22 أن التحرّش الجنسي، أو الاعتداء ذو الطابع الجنسي، "يخلق تشوهاً بداخل الضحية حول مفهوم النقاء والطهارة والشرف، فيخلق خللاً في الرغبات الجنسية ويجعلها موصومة بالعار دوماً، ما ينعكس على الحياة والنشاط الجنسي للضحية".
"يدعمون الشخصيات العامة المُتحرِّشة"
تعلّق آية منير، ناشطة نسوية ومؤسسة مبادرة "سوبر وومان": الأمر ليس جنسياً فقط، وإنما هناك عوامل أخرى تفسد علاقة الفتاة الضحية بالجنس، أولها لوم المجتمع الدائم للضحية سواء على مظهرها أو غيره، ما يؤدي لتصدير صورةٍ سلبيةٍ عن النفس والجسد، لأنها حمَّلت جسدها مسؤولية تعرضها للأذى كاملة، وبالطبع مع انعدام الثقافة الجنسية السليمة تصبح الفتاة متهمة بالبرود الجنسي، في حين أنها تعاني مثلاً من صدمة ما بعد التعرّض للاعتداء الجنسي.
وتتابع منير، "لو تم الربط بين التعرّض للتحرش الجنسي والعلاقة الجنسية المضطربة مع الشريك، سيكون العلاج سهلاً بالطبع، سواء بتلقي العلاج النفسي أو تلقي الدعم المعنوي من منظمات المجتمع المدني النسوية، ولكن للأسف هذا ما لا يحدث، خاصة من خلال المنصات الإعلامية التي تساهم في دعم الصورة السلبية عن ضحية التحرّش، أو مساندة المتحرّش خاصة لو كان شخصية عامة، مثلما حدث مع عمرو وردة، ومن ناحية أخرى الخطاب الديني الذي يحمّل النساء المسؤولية مناصفة مع الرجال".
وأخيرا، تنهي مؤسِسة مبادرة "سوبر وومان" حديثها لرصيف22، قائلة: "وكذلك يأتي دور الدولة والمؤسسات الأمنية من خلال وجود دائرة من الرقابة الفعالة في حماية الضحية، بداية من التواجد الأمني في الشارع المصري، وصولاً لضمان حرية قرارها في حالة رغبتها تقديم بلاغ وسلك الطريق القضائي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومينحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 3 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين