شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فقدن بكارتهن من أجل الحب...ليعشن في شعور دائم بالخوف والإحساس بالذنب

فقدن بكارتهن من أجل الحب...ليعشن في شعور دائم بالخوف والإحساس بالذنب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 30 أبريل 202105:09 م

"لم أكن أتوقع أنه قرار لحظة سأدفع ثمنه كل حياتي. حين استسلمت لكلامه ووعوده كان بدافع الحب، كنت أعتقد بمخيلة شابة في بداية العشرين أن الوعود في الحب لا تسقط كأوراق الخريف، كما أنني لم أتوقع أن يكون هناك خريف لكل علاقة. ظننت أن قطرات الدم التي نزلت على تباني الأبيض هي رباط أبدي بيني وبينه" هكذا تستهل سارة (اسم مستعار) حكيها لرصيف22، وتضيف "كانت تلك العلاقة جسرا بين تلك الطفلة والمرأة التي أنا عليها اليوم والتي لم أعرف أنني سأصبحها بعد فراقنا".

رغم أن سارة ناجحة في عملها، وحققت كل أهدافها في الشق المهني والأكاديمي، إلا أنها لم ترتبط مرة أخرى بعد إنهاء علاقتها بحبيبها السابق والتي دامت لأزيد من أربع سنوات، بسبب الجزع من أحكام القيمة ولأنها من وسط محافظ قد يعاقبها على صدقها في علاقة حب ظنتها أبدية، "كلما تقرّب مني رجل أشعر بالخوف، أصدّه ولا أستطيع التفكير في إمكانية إقامة علاقة معه فما بالك بالزواج، لأنني لا أقوى أن أنكسر أمامه حين يكتشف أنني لست بكرا، وأنني لستُ الملاك الذي يتخيّله".

"راودتني فكرة أن أقوم بترميم غشاء البكارة، كما تفعل مئات النساء حين يقررن الزواج، لكنني أخاف ألاّ أنجو من العملية وأن ينكشف أمري أمام أسرتي". مغربيات فقدن بكارتهن ويخفن أحكام المجتمع

منذ سنوات وعروض الزواج تتقاطر على سارة كما تقول، خصوصا التي تأتي عن طريق العائلة. لكنها دائما ترفض وتضيف: "والدتي تستفسر بإلحاح عن سبب رفضي لعروض الزواج، وتطلب مني أن أخبرها إن كان هناك شخص بعينه أريد الارتباط به، لتخبر والدي المصرّ على أن أتزوج وأن تكون لي أسرة، لكني لا أستطيع إخبارها بالسبب الحقيقي لرفضي، وأن ما أقدمت عليه سيجلب لهم العار وأن صورة الابنة الشريفة العفيفة ستنكسر".

وتضيف الشابة: "راودتني فكرة أن أقوم بترميم غشاء البكارة، كما تفعل مئات النساء حين يقررن الزواج، لكنني أخاف ألاّ أنجو رغم العملية وأن ينكشف أمري أمام أسرتي، لذلك قررت ألا أرتبط، فالرجل المغربي للأسف رغم تعدد علاقاته الجنسية إلا أنه لا يقبل أن يتزوج امرأة أقامت علاقات جنسية قبله"، وتسترسل: "بيني وبين نفسي لا أجدني مخطئة لأن تلك العلاقة كانت بإرادتي وأؤمن أن لكل امرأة الحق في ممارسة حياتها الجنسية بكل حرية، لكن في نفس الوقت لا أستطيع المواجهة، ربما لأنني ابنة وسط محافظ وكل علاقاتي من هذا الوسط الذي يعتبر أن شرف المرأة بين فخديها".

سعاد هي الأخرى تعيش نفس المعاناة، بعدما فقدت بكارتها في علاقة جنسية مع حبيبها السابق، رغم أن الحنين ما زال يراودها: "عشت معه أجمل أيام حياتي، كانت الجميع يحكي عن علاقتنا. كنا متناغمين بشكل مبهر، خططنا لزواجنا وحياتنا، لكن شيئا فشيئا بدأنا نفقد شغفنا ببعضنا وتغيرت أولوياتنا وحياتنا، فافترقنا في صمت، لكن بالنسبة إليّ فقد سبب فراقنا أزمة نفسية، لقد حدث ما لم أكن أحسب حسابه، ولم أعرف كيف سأواجه الموقف إذا أقمت علاقة ما شخص آخر".

يتسبب فقدان غشاء البكارة للنساء اللائي يعشن في المغرب ضغوطا نفسية كبيرة. إذ أن المجتمع يربط الشرف والعفة بالبكارة.

رغم أنها تعرفت إلى آخرين إلا أنها كانت دائما تتوقف في منتصف الطريق، وشرحت السبب: "حين كانت العلاقة تتخذ منحى جديا كنت أخاف. لم أمتلك الشجاعة لأقول لشريكي إنني عشت علاقة جنسية قبله، خصوصا وأنني لا أعرف ردة فعله"، وأردفت: "خلال بداية العلاقة كنت أحاول فتح نقاش حول هذه المواضيع حتى أستطيع بناء صورة عن الشخص الذي سأرتبط به وهل سيقبلني كما أنا أم أنه سيلّخص قصتي في غشاء جلدي، وللأسف حتى حينما كانت تظهر لي بوادر أن الشخص منفتح أخاف وأتراجع عن قرار إخباره بالموضوع".

تطور هذا الموضوع إلى أن أصبح عقدة في حياة الشابة التي أضحت تنهي علاقاتها من دون سبب. وتقول: "كنت أقطع علاقاتي حتى لا أضطر أن أجلس تلك الجلسة التي أعترف فيها بالأمر وأهين نفسي، وأمثّل أمام شخص غريب دور المذنبة التي تطلب الصفح"، وتضيف: "ما زلت أنتظر من سيقبلني كما أنا، من يقدّرني كامرأة لها كيان وماض وحياة قبله، وأن كل هذا لا ينقص مني في شيء بل إن تلك التجارب تغني وتكوّن شخصيتي".

لم أكن أتوقع أنه قرار لحظة سأدفع ثمنه كل حياتي. حين استسلمت لكلامه ووعوده كان بدافع الحب، كنت أعتقد بمخيلة شابة في بداية العشرين أن الوعود في الحب لا تسقط كأوراق الخريف

تتعدد الأسباب والخوف واحد

يتسبب فقدان غشاء البكارة للنساء اللائي يعشن في المجتمعات المحافظة ضغوطا نفسية كبيرة. إذ أن هذه المجتمعات تربط الشرف والعفة بالبكارة، وتؤمن أن على النساء أن يعشن طيلة فترة ما قبل الزواج دون أي علاقات جنسية للحفاظ على عذريتهن. وفي هذا الشأن يعتبر جواد مبروكي طبيب ومحلل نفساني في تصريح لرصيف22 أن: "هناك نسبة بين 10 و20 في المائة من النساء يولدن من دون بكارة أو ببكارة على شكل متقطع وكأنها فقدتها"، مضيفا: "كذلك هناك نوع من البكارة هش جدا وبإمكانها أن تتمزق سبب حادثة أو بسبب إدخال الأصبع حين تكتشف الطفلة في صغرها مدخل جهازها التناسلي، فضلا على أن هناك نساء بيدوفيليات يقمن باستغلال الفتيات الصغار بالممارسة عليهن وتفقدن بكارتهن"، مشددا على أن "كل هذه الحالات ضحايا لثقافتنا العمياء".

ويفسر مبروكي الخوف الذي تعيشه هذه الفئة بكونه "نوعا خاصا من الخوف المترسخ في ذهن الفتاة منذ صغرها وهو خوف من النوع اللاّشعوري واللاّمنطقي الذي لا فائدة منه. لأنه في مخيلة الفتاة تتعدد المعاني والرموز التي تشير إليها البكارة فهي رموز متعلقة بالدين والشرف وبالثقة التي تربط الآباء ببناتهم، وكأن البكارة عقد يربط الفتاة بوالديها وإذا فقدت البكارة فكأنها قامت بخيانة عظمى اتجاه العائلة بأكملها".

وأضاف المحلل النفسي أن هذا الخوف: "يترسخ في دماغها منذ الطفولة ويخلق دوائر عصبية متجذرة في لا وعيها، والدليل على هذا أنه بالرغم من إمكانية إجراء عملية بسيطة لإعادة غشاء البكارة فهذا لا يزيل الرعب والخوف الذي تشعر به"، مسترسلا أن: "هذا الخوف كذلك يجسد الإحساس بالذنب لأنه قد ترسخ في دماغها أن الصورة المثالية للفتاة هي تلك الشابة التي لا تفقد بكارتها وإذا وقع وفقدتها فإنها تفقد هذه الصورة المثالية إلى الأبد وتشعر آنذاك بالذنب اتجاه نفسها وعائلتها".

وأضاف مبروكي: "هذا يجعلها تشعر بفقدان قيمتها ولا تستحق أن تكون زوجة وأما ويجعلها تتهرب من الزواج".

وأوضح مبروكي: "خلال تجربتي المهنية سبق أن اقترحتُ على فتيات ترميم غشاء البكارة طِبيّا وكان الرد دائما: "أعرف هذه التقنية ولكن لا يمكن أن أخدع الزوج والعائلة". لكن نفسيا الأمر لا يتعلق بخداع الآخرين ولكنهن يعجزن عن خداع أنفسهن ولهذا في أغلب الأحيان يفضلن رفض الزواج أو البوح بالحقيقة للخطيب".

وتابع "في حالة رفض الزواج لهذا السبب فهو يعتبر مشكلة نفسية وكأن الفتاة تعاقب ذاتها وتجلدها على فقدان بكارتها وتبقى في حالة عذاب دائم بسبب الإحساس بالذنب، أما في حالة التصريح بالحقيقة قبل الزواج فقد يترتب عنها إهانتها من طرف زوجها لأنه يذكرها بهذا طيلة حياتها "أنا سْتْرْتكْ وتعْامْليني بهذا الشكل""، ويردف الطبيب: "هناك من يبحثن عن هذا السلوك لدى الزوج كعقاب للذات، ونرى نوعا من النساء يبحثن عن جميع الفرص لكي يعنفهن أزواجهن بهذه الجملة "أنا سْترتك"". كما لو أنهن يؤدين الثمن "عذابا وانتقاصا من الكرامة" للإفلات من الإحساس بالذنب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image