المقالة من إعداد نورا أبو حمزة وروبي حاجي نايف بإشراف سامية التل من فريق تحرير رصيف22.
في عالم سريع ومتبدل وسهل الانسياب كعالمنا، غالباً ما يكون التراث الثقافي هشاً وضعيفاً ومهدداً بالزوال في كل لحظة، وهذا التهديد يأتي من اتجاهات عدّة: اتجاهات الموضة، الجهل، اللامبالاة، الحروب والكوارث وسيادة نمط من العولمة الثقافية ذات اللون الواحد والتي أصبحت كموجة عاصفة تمسح كل تمايز واختلاف.
بعض المنصّات الثقافية يؤرقها هذا الاندثار المتتابع للتراث العربي وتحاول مقاومته عبر إنشاء مواقع تعتني به، توثّقه وتشاركه كهدف تعليمي للأجيال الجديدة، فبينما نعلم الكثير عن المدن الغربية الكبرى، كنيويورك وباريس ولندن، لا نعلم إلا القليل عن مدننا العربية وتاريخها وثقافتها المتنوعة.
منصّة للأسئلة الثقافية
في "عفكرة" يتحوّل سؤال خطر على بالنا جميعاً، كسؤال "لماذا أغاني أم كلثوم بهذا الطول؟"، إلى سؤال بحثيّ يشغل أحد الهواة، فيجتهد في البحث عن إجابة له، ليشارك نتائج بحثه مع مجموعة أشخاص من خلفيات متنوّعة.
"عفكرة" منصة غير رسمية، تمنح الناس المهتمين بالثقافة العربية فرصاً لاستكشاف أعمق للإرث الثقافيّ للعالم العربي، وسط جو ودّي مريح. هي مبادرة أطلقها مايكي مهنّا عام 2014 عندما كان يعيش في مدينة نيويورك، وكان هدفه إنشاء مساحة مخصصة له ولأصدقائه للتعلم ومشاركة الأبحاث حول تاريخ العالم العربي وثقافاته، وتشكيل مجتمع منفتح يعي أهمية الفضول الفكري ويحاول إرضاءه من خلال التعلم.
في "عفكرة" يتحوّل سؤال خطر على بالنا جميعاً، كسؤال "لماذا أغاني أم كلثوم بهذا الطول؟"، إلى سؤال بحثيّ يشغل أحد الهواة، فيجتهد في البحث عن إجابة له، ليشارك نتائج بحثه مع مجموعة أشخاص من خلفيات متنوّعة
"نعمل على جعل الناس أكثر فضولاً، ونساعدهم على صقل فضولهم. ذلك يتمّ من خلال مساعدتهم في تطوير آليات البحث في المواضيع التي تهمّهم، لأنّنا نؤمن أنّ الفضول واحد من أساسيات النجاح والتطوير. مجتمعاتنا بحاجة لأشخاص يملؤهم الفضول وحب المعرفة. وهو ما نحاول تعزيزه في عفكرة"، يؤكّد مهنا.
الدافع وراء إنشاء "عفكرة"
كان الدافع وراء إنشاء هذا المجتمع هو شعور مهنا بالإحباط من تعامل الناس ذي الأصول العربية مع العالم العربي بطريقتين: إما من خلال النشاطات الاجتماعيّة العائليّة (حفلات الزفاف، لم الشمل، اجتماعات الأعياد مع العائلة والأصدقاء وما إلى ذلك) أو من خلال الانخراط في النشاطات ذات الطابع السياسي أو الحقوقي، أو تلك التي تهدف إلى إحداث تغيير اجتماعيّ (المشاركة في المظاهرات، حضور التجمعات، مشاهدة الأفلام الوثائقية وغيرها).
شعر مهنّا وأصدقاؤه بالحاجة إلى إيجاد طريقة أخرى للتعامل مع المنطقة العربية، تضيء على الإرث الثقافيّ الكبير للمنطقة وتعمّق معرفتهم بالعالم العربي.
وفي وقت أدرك مهنّا أنّه يعرف الكثير عن نيويورك مثلاً في عشرينيات القرن الماضي، سأل نفسه: ماذا يعرف عن بيروت في عشرينيات القرن الماضي؟ عن بغداد؟ عن السعودية؟ عن الدار البيضاء؟ واكتشف أنّه لا يعرف أي شيء... لا عن الاقتصاد، ولا الموضة، ولا الطعام! فاكتشف أنّه لم تُتح له أيّ فرصة من قبل للغوص في مثل تلك المواضيع، وهكذا بدأت "عفكرة".
عمل "عفكرة"
ينقسم ما تقدّمه "عفكرة" إلى فرعين أساسين: حوارات مع شخصيات ثقافية بارزة، وجلسات ثقافية أو محاضرات يقدّمها غير مختصين.
"عفكرة" تمنح الناس المهتمين بالثقافة العربية فرصاً لاستكشاف أعمق للإرث الثقافيّ العربي، وسط جو ودّي. هي مبادرة أطلقها مهنّا عام 2014 عندما كان يعيش في مدينة نيويورك، وكان هدفه إنشاء مساحة مخصصة له ولأصدقائه للتعلم ومشاركة الأبحاث حول العالم العربي
الجلسات الثقافية التي اشتُهرت "عفكرة" بها، تتناول مواضيع متنوعة مرتبطة العالم العربي يقدّمها هواة غير مختصين، يرغبون بمشاركة الحاضرين اهتمامهم الشخصي في موضوع معين.
تُعقد هذه الجلسات وفق مبدأ أساسي يقوم على عدم الإعلان المسبق عن موضوعها. يقول مهنّا: "عندما يسأل الناس عن موضوع الجلسة أجيبهم إن لم يكن لديكم فضول لمعرفة الموضوع، فلا يجب عليكم القدوم. في نهاية كل جلسة، غالباً ما يقولون لو كنا نعرف أن الحديث سيكون عن سحر الأحصنة العربية لما أتينا، لكن في الواقع كان الأمر مشوقاً حقاً".
من المواضيع المثيرة جداً للاهتمام التي بحث فيها المشاركون تلك الجلسات الثقافية، "ما قصة العرب على سفينة التايتنيك؟"، و"لماذا لدى العرب أنواع عديدة من الصفيحة؟"، و"من هم النَوَر؟ وأين تنحصر دائرة وجودهم اليوم؟"، و"ما القواسم المشتركة بين المطبخين اللبناني واليوناني؟"، و"كيف أصبحت البقلاوة جزءاً من هويتنا؟".
المواضيع التي تختارها "عفكرة" ليست الشيء الوحيد الذي يجذب اهتمام المشاركين، فالمتحدثون المتنوعون والمتميزون يجذبون بدورهم جمهوراً كبيراً.
منذ 2014، استضافت "عفكرة" شخصيات ثقافية بارزة تعمل في مجالات متنوعة، من صانعي أفلام لافتين، كمي مصري، وممثلين مثل روزالين الباي، وأساتذة مثل أليكس سيجرمان، وصحفيين مثل علياء مورو. ما يجلب هؤلاء الأشخاص إلى هذه منصة هو جمهور "عفكرة" المهتمّ بالثقافة العربية والشغوف بالتعرّف على الإرث الثقافي العربيّ بشكل عميق.
ما يجعل على فكرة فريدة للعديد من الجماهير العربية هو أنها لا تتوجه لجمهور نخبوي ولا تروّج لأفكار أو أجندة معينة
سفراء عفكرة
لا تستضيف على فكرة متحدثين من مجموعة متنوعة من البلدان والخلفيات فحسب، بل لديها أيضاً 30 سفيراً عالمياً من جميع أنحاء العالم من خلفيات مختلفة. الشيء الوحيد المشترك بين كل هؤلاء السفراء هو الفضول الذي يملؤهم. "إذا كنت على استعداد للمساهمة ولديك فضول وقابلية لطرح الأسئلة وتقديم العروض، فيمكنك الانضمام إلى مجتمعنا"، يؤكد مهنا.
ميزات عفكرة
ما يجعل على فكرة فريدة للعديد من الجماهير العربية هو أنها لا تتوجه لجمهور نخبوي ولا تروّج لأفكار أو أجندة معينة.
"هذا أمر جذاب خاصة في منطقة تهيمن عليها البروباغندا. الكل يسعى لإقناع الآخرين بأفكاره ورؤآه الخاصة للأمور. نحن في عفكرة أبعد ما نكون عن ذلك. لا أجندة لدينا ولا نهدف للترويج لأيّ فكر، كلّ ما نفعله هو أننا نساعد بعضنا البعض على تكوين فهم أعمق للثقافة في العالم العربي. عفكرة هي تلك المساحة التي لا توجد فيها منافسة، ولست بحاجة لبطاقة عضوية لتكون جزءاً منها. أبوابنا مفتوحة للجميع"، يختم مهنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون