ألقى نجاح مهمة وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إطلاق طائرة هليكوبتر مسيرة صغيرة على سطح الكوكب الأحمر الضوء على ملحمة كفاح عربية بامتياز أسهمت بقدر كبير في نجاح تلك المهمة الفضائية غير المسبوقة.
ترأس المهندس الفلسطيني لؤي البسيوني (42 عاماً)، خبير الإلكترونيات والطاقة، الفريق الفني المتخصص والمكون من ثمانية فنيين، والذي عُهدت إليه مهمة "إنجاز الدوائر الكهربائية والتحكم الآلي للطائرة" المرسلة للمريخ بالتعاون مع "ناسا".
في مقابلة مع القناة الإخبارية البريطانية الرابعة، بُثت أخيراً، وصف البسيوني رحلة انتقاله من غزة إلى أمريكا بـ"المهمة المستحيلة"، مشدداً على أنه كان مطالباً ببذل جهد كبير للوصول إلى حلمه - أن يصبح مهندساً في المركبات الفضائية- الذي كاد يتخلى عنه لعدم وجود برنامج فضائي لدولة فلسطين.
من مدارس اللاجئين لجامعات أمريكا
على الرغم من أن البسيوني وُلد في ألمانيا، عاد مع أسرته إلى بيت حانون (شمال قطاع غزة)، وهو في عمر الخامسة. وهناك بدأ تعليمه الابتدائي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). قال في إحدى المقابلات إن ذلك "علمني منذ سن صغيرة ألا أستسلم أبداً لأنك تستطيع تحقيق ما تحلُم به".
يعتز بكونه من "فلسطين المحتلة"… تعرفوا على قصة نجاح المهندس الفلسطيني الشاب لؤي البسيوني مصمم أول هليكوبتر تحلّق فوق المريخ و"المهمة المستحيلة" للانتقال من غزة لأمريكا
نفس المعنى عبّر عنه عقب نجاح مهمة تحليق الهليكوبتر في المريخ حيث غرّد: "المثابرة ستوصلك إلى أي مكان"".
شهد البسيوني الانتفاضة الفلسطينية الأولى (بين عامي 1987 و1993) في غزة لكنه غادر القطاع عام 1998 ولم يزره سوى مرة واحدة قبل الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 بقليل. ولم يذهب إلى غزة منذ ذلك الحين لخشيته أن يعلق هناك بما يهدد مستقبله المهني.
حين غادر البسيوني، الذي كان شغوفاً بتفكيك جهاز التلفاز وإصلاح أعطاله حتى عُرف في أسرته بـ"المهندس الصغير"، كان في عمر العشرين، وكان يأمل في إكمال دراسة الهندسة الكهربائية في أمريكا بعدما أنهى الثانوية العامة في مدارس الأونروا.
في البداية، انتظم في جامعة "كنتاكي" البحثية. لكنه صُدم لغلاء المعيشة ورسوم الدراسة في الولايات المتحدة. عمل بدايةً في العديد من المطاعم وقام بتوصيل الطعام في أحيان أخرى ليتمكن من مواصلة دراسته. تأزمت أوضاعه عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ومما زاد الأمر تعقيداً عجز والده عن دعمه مادياً بسبب تجريف الاحتلال الإسرائيلي بساتين الزيتون والبرتقال التي يملكها.
حينذاك، اضطر البسيوني إلى التوقف عن الدراسة لعام كامل قبل الانتقال في العام التالي إلى جامعة "لويفيل" المدعومة من الدولة.
قال عن ذلك: "بعد 11 سبتمبر، أصبحت الحياة صعبة للغاية ولم أتمكن من دفع رسوم جامعتي. لم يكن والدي قادراً على مساعدتي على الإطلاق لأن إسرائيل جرّفت بساتين البرتقال والزيتون… استغرق الأمر عاماً آخر من العمل المتواصل لتوفير بعض المال. انتقلت أيضاً إلى جامعة لويفيل".
وما إن تخرج من الجامعة حتى حصل على فرصة عمل مع شركة "جنرال إلكتريك" التي كانت في بدايات تطوير السيارات الكهربائية. ثم تنقل بين العديد من الشركات الأمريكية في مجال الطاقة والمحركات والكهرباء وطاقة الرياح إلى أن ابتسم له الحظ لتحقيق حلمه الأول عندما تعاقدت الشركة التي يعمل فيها عام 2018 مع "ناسا" لتطوير هليكوبتر قادرة على التحليق على سطح المريخ، ليترأس فريق شركته في هذا المشروع.
ولم يكن تصميم طائرة مسيرة قادرة على التحليق على المريخ أمراً سهلاً لأن طبيعة الغلاف الجوي له رقيق للغاية - لا تتعدى كثافته 1% من كثافة غلاف الأرض، ما يعني عدم وجود الكثير من الهواء المطلوب لدفع المروحية.
"المثابرة ستوصلك إلى أي مكان"... تعلّم البسيوني في مدارس الأونروا وحرمه الاحتلال من دعم والده المادي بحرق بساتينه فاشتغل في عدة مطاعم، وعرقلت هجمات 11 سبتمبر دراسته عاماً كاملاً. في النهاية وصل المريخ بعلمه وجهده
"فلسطين وطني"
في حين غادر جسده غزة قبل أكثر من 20 عاماً، لا تزال روحه معلّقه بـ"الوطن". أكد البسيوني مراراً متابعته كل ما يحدث في القطاع في ظل الحصار الإسرائيلي القائم منذ عام 2007. وعبّر مراراً وتكراراً عن أن حبه لفلسطين وشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه لا يتضاءلان برغم المسافة وطول الغياب.
بل هو أيضاً على العكس من ذلك يسعى لأن يكون خير ممثل لوطنه في الخارج وأن يساعد القضية الفلسطينية بقدر ما يستطيع، ويُعرّف عن نفسه باستمرار كمواطن من "فلسطين المحتلة".
قال: "أنا ناشط جداً في قضيتنا الفلسطينية. متطوع مع العديد من المنظمات غير الحكومية التي تساعد الناس في فلسطين، في التعليم والمجالات الأخرى. على سبيل المثال، أثناء الهجمات العسكرية ضد غزة، كنت في الصف الأول للاحتجاجات وتحدثت حتى مع الكونغرس الأمريكي للمساعدة بأي طريقة ممكنة".
لم يكن البسيوني العربي الوحيد في مهمة ناسا الأخيرة إذ زامله فيها عالم الفضاء التونسي محمد عبيد، المهندس الميكانيكي الرئيسي للمهمة وأحد المشرفين الأساسيين على صناعة المركبة، والمغربي كمال الودغيري، الذي يعمل مع ناسا منذ عقدين من الزمن
أعرب البسيوني عن سعادته بشكل خاص لمتابعة الغزيين والفلسطينيين أخبار نجاحه المهني، قائلاً: "لقد فوجئت برد الفعل خاصة في غزة. فلسطين وطني. ما زلنا نملك أراضي ومنازل في غزة"، لافتاً إلى أن "فريقي متعدد الجنسيات كثيراً ونقبل بعضنا بعضاً على الرغم من الاختلافات".
وتجدر الإشارة إلى أن البسيوني لم يكن العربي الوحيد في مهمة ناسا الأخيرة إذ زامل فيها عالم الفضاء التونسي محمد عبيد الذي يعمل في ناسا مباشرةً وهو المهندس الميكانيكي الرئيسي للمهمة، وأحد المشرفين الأساسيين على صناعة المركبة، وكذلك المغربي كمال الودغيري، الذي يعمل مع ناسا منذ عقدين من الزمن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...