"كان انفجار 4 آب سوريالياً لكل من اختبره أو شهده. وعلى الرغم من الخسارات المادية والإنسانية التي حملها، إلّا أنّه بنتيجته التي نعيشها، عبارة عن تراكمات للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية التي يعاني منها بلدنا. كل هذه العوامل تكتّلت وانفجرت في 4 آب، وتركت لنا قصصاً شخصية يجب توثيقها بعيداً عن الأرقام والأخبار".
هكذا يشرح مجد شدياق الفكرة الأساسية التي جعلته يؤسّس مشروع "مذكّرات في العاصمة" مع كلّ من سارة السّبع وروى صعب، بالاشتراك مع Rusted Radishes The Poetry Pot وBarzakh وبدعم من خلال Mophradat.
المشروع هو عبارة عن ورشة عمل أقيمت بعد أن تم اختيار كتّاب وكاتبات من لبنان، قادرين على توثيق أحداث السنوات الأخيرة من خلال الشعر، القصص والنصوص التي تنطلق من الشخصي إلى العام، ويهدف إلى إنتاج مواد نهائية، سيعتمد عليها في المستقبل كمرجع لفهم ما حدث في لبنان، وتحديداً في بيروت. ويشرح مجد: "رغم أن الفكرة الأولية للمشروع ولدت بعد الانفجار، إلا أنّنا طوّرناها لتطال الأحداث الأساسية، واعتمدنا على ثلاثية: انتفاضة، انفجار، وباء".
بالنسبة للمؤسسين من السهل أن ينسى الناس الأحداث الكبيرة التي تشكّل حياتهم ومستقبلهم في ظل الأحداث اليومية السريعة التي تجري، من رفع الدعم والمناوشات السياسية والخوف المسيطر على حياة الأفراد. والهدف الأساسي للمشروع ليس فقط إعطاء دعم مادي للكتّاب وفرصة للتوثيق، بل استعادة حقوقنا السردية للواقع الذي نعيشه من الفضاء العام وتحديداً من الخطاب المستخدم في وسائل الإعلام، حيث يتم الإعلان عن القصص الإنسانية، أي قصصنا، عبر عرض أرقام شاملة تحكي عن وضع لبنان. فيتم تحويل الإنسان وقصّته إلى رقم. وبالتالي غاية مشروع "مذكرات في العاصمة" هو أنسنة الواقع عبر عرض القصص بأسلوب حقيقي من خلال الكتاب ومحيطهم.
لقد تعرّينا من النواحي النفسية في لبنان، ظهرت هشاشتنا وظهرت هشاشة الآخر لنا، وأعيد ترتيب أولويات الحياة بسبب العوامل الخارجية
يؤكّد مجد أن أهمية القصص تقبع بتناولها لوجهة نظر الناس وهي الزاوية التي لا تصلنا من خلال الإحصاءات، وبالتالي ستعيش هذه القصص في ذهن كل من يقرؤها، لأنه سيألفها من خلال طبيعته البشرية.
تمّ توجيه نداء للكتّاب والكاتبات المهتمّين بالمشروع، ووصل للقيمين عليه أكثر من 40 طلباً. تم في النهاية اختيار خمس كاتبات وكاتب، وهم: تمارا سعادة، سارة صفي الدين، هاشم عسيران، موريل قهوجي، مايا عياش وبيرلا قنطرجيان.
الكاتبات والكتاب وبعد ورشة العمل التي أقيمت في "برزخ" سيختارون فكرة واحدة ويعملون عليها لمدّة ثلاثة أسابيع، وينطلقون عبرها من الشخصي إلى العام لتوثيق ما معنى العيش في بيروت منذ العام 2019 وحتّى اللّحظة، وسيتم نشر المواد في المجلّة الأدبية التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت "Rusted Radishes".
عن أيام ورشات العمل والأبعاد العاطفية والنفسية التي اختبرها الكتّاب والمؤسّسون، يشرح مجد أن أكثر ما لفته هو أن الصدمات لا ترحل، بل تبقى محفورة في الأجساد والأفكار، فهناك من أصيبوا ومن خسروا أحباء لهم، وهناك من تغيرت حياتهم بسبب الأحداث السريعة والقاسية، لكن في الوقت عينه الحياة لا تتوقّف.
ويتابع: "كل منّا يتعامل مع الصدمة بطريقته الخاصّة، وكلّ منّا تعني له الأحداث بحسب شخصيته وكيفية تلقّيه لها، وبالتالي هذا الاختلاف سيترجم من خلال الأعمال التي ستدور كلّها في نفس الفلك، لكنّها في الوقت عينه ستكون مختلفة جداً. لقد تعرّينا من النواحي النفسية في لبنان، ظهرت هشاشتنا وظهرت هشاشة الآخر لنا، وأعيد ترتيب أولويات الحياة بسبب العوامل الخارجية، وذلك لأن ما حصل كان جماعياً، لكن إذا أردنا تناوله بالكتابة من الناحية الفردية، وبعيداً عن الأسلوب الصحافي، فهناك من فقد منزله، لكن أزمته الحقيقية والخاصّة قد تكون أعمق من الانفجار. قد تكون ربّما مشكلة عاطفية خضعت وتمّ التعامل معها على أسس مختلفة عن الأيام العادية، لأن الحياة هنا فرضت عليه أسلوباً جديداً. وهذا ما نسعى إلى نقله، القصص الشخصية وكيف تأثّرت بالقصص الجماعية وليس العكس".
يجب على كل من عايش الأحداث من النواحي العاطفية والجسدية والنفسية ويملك وسيلة للتعبير أن ينقل النتائج بأسلوب واضح وصحي، عبر فتح الملفّات اليومية، التعامل معها وتقبّلها والتمرّد عليها
في اليوم الأخير من ورشة العمل، تم استضافة الفنانة ميليا عياش التي قالت: "الفنان لديه مسؤولية بأن يرى الأحداث التي تجري حوله وأن يدركها وينقلها لا أن يتجنّبها"، واستناداً على هذه الفكرة يؤكّد مجد أن المعنيين هم من يجب أن يكتبوا عن أحداثهم وتاريخهم كيلا يأتي الآخر ويكتبه عنهم من ناحية غير واقعية. بل يجب على كل من عايش الأحداث من النواحي العاطفية والجسدية والنفسية ويملك وسيلة للتعبير أن ينقل النتائج بأسلوب واضح وصحي، عبر فتح الملفّات اليومية، التعامل معها وتقبّلها والتمرّد عليها وإطلاقها من داخله إلى الخارج كي تطال الجميع. وهذا ما سينتج عن مشروع "مذكرات من العاصمة" حيث وبطريقة جماعية ومن خلفيات متعدّدة سيتم إطلاق قصصنا إلى كل العالم، كي تتم قراءتنا كبشر يعيشون في هذه البقعة الجغرافية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.