نفّذت الشرطة التونسية في الثالث عشر من نيسان/ أبريل الجاري اقتحام وكالة الانباء الرسمية في البلاد لفرض تطبيق قرار رئيس الحكومة التونسي بتعيين كمال بن يونس مديراً عاماً للوكالة، برغم رفض الصحافيين العاملين بالوكالة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها الشرطة التونسية في مواقف تتصل بالصراع السياسي بين الحكومة برئاسة المشيشي المدعومة من التيارات الإسلامية، والتيار العلماني الذي بات يمثله الرئيس قيس سعيد. ما يثير تساؤلات حول موقف الشرطة من الصراعات الدائرة وإذا ما كانت لا تزال تقوم بوظيفتها الدستورية كقوة مسلحة مدنية لإنفاذ القانون، أم أنها مكون فاعل في الصراع السياسي المحتدم.
كل طرف من الأطراف المتصارعة يحاول اجتذاب الشرطة للعمل لصالحه ومساعدته في إحكام السيطرة على مفاصل الحكم.
رصيف22 رصدت الوقائع التي كانت فيها الشرطة جزءاً من الصراع الدائر، واستطلعت آراء محللين من تيارات مختلفة للتعرف على رؤيتهم لوضع الشرطة في هذه الصراعات. خاصة أن كل واحد من الأطراف المتصارعة يحاول اجتذاب الشرطة للعمل لصالحه ومساعدته على إحكام السيطرة على مفاصل الحكم.
بداية الأزمة
ربما يكون الصراع أبعد من التواريخ التي تحددها الوقائع التي تشهد احتدام الصراع، علمًا أن أزمة الصراع على السيطرة على تونس بدأت في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما رفض الرئيس قيس سعيد التعديل الوزاري في حكومة هشام المشيشي، على خلفية "شبهات فساد وتضارب مصالح" تدور حول أربعة وزراء، لكن تحالف حركة النهضة وحزب قلب تونس في البرلمان وقفا بالمرصاد للرئيس، وأعلنا دعمهما لحكومة المشيشي ورفض استقالة حكومته بدعوى أنها "قد تحدث فراغاً أو تؤثر على تماسك السلطة".
"هناك محاولات من حركة النهضة لاستعمال المؤسسة الأمنية كعصا غليظة لتأديب معارضي أخونة السلطة... والسيطرة على وزارة الداخلية، بعد الإطاحة بوزير الداخلية السابق المقرب من الرئيس قيس سعيد، وذلك بغرض تنفيذ تغييرات هيكلية كبرى بالوزارة"
وجاء قرار المشيشي في 5 يناير بإقالة وزير داخليته توفيق شرف الدين المقرب من قيس سعيد، وأشرف على إدارة حملته الانتخابية في ولاية سوسة، ليزيد من اشتعال الأزمة. وبموجب هذا القرار، صار المشيشي رئيساً للحكومة وقائماً بأعمال وزير الداخلية.
المشيشي - الذي كان وزيراً للداخلية قبل أن يُصدر قيس سعيد مرسوماً بتكليفه رئيساً للحكومة - أصبح مدعوماً من أكبر تحالف برلماني، هو التحالف الذي يديره بشكل فعلي تيار النهضة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين. وصارت مسألة وجوده في الحكم محل خلاف بين رئاسة الجمهورية وبين حركة النهضة وحزب قلب تونس. وهو ما أحدث موجة من الانسداد السياسي في البلاد.
وسط هذا الانسداد، انخرطت الشرطة التونسية تحت قيادة هشام المشيشي في "لعبة الحسابات السياسية الضيقة، وتمّ التغييب المتعمّد للنقابات الأمنية التي جرى تدجينها إذ تورطت في مستنقع الفساد وأصبحت بوقًا للإخوان"، بحسب تعبير المحلل السياسي محمد بريك الحمروني، رئيس منظمة عين تونس الخدمية ومؤسس الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي، لرصيف22.
الشرطة بلسان "النهضة"
ويدلل الحمروني على ذلك، باستخدام النقابات الأمنية لنفس خطاب حركة النهضة. مثال على ذلك ما حدث في ولاية صفاقس عاصمة الجنوب التونسي، عندما أصدرت النقابة الأمنية الشرطية بياناً استخدمت فيه تعبير "اليسار الكافر"، ونعتت المتظاهرين اليساريين بأنهم "شرذمة من الخارجين على القانون".
كاتبة سياسية تونسية: "لا أعتقد أن جهاز الأمن في تونس منخرط في الصراع السياسي داخل البلد لصالح طرف بعينه".
في 13 نيسان/ أبريل الجاري، اقتحمت قوات الأمن التونسية مقر وكالة الأنباء الرسمية في البلاد لتعيين كمال يونس وهو صحافي معروف بولائه لحركة النهضة، وذلك بعد رفض الصحافيين والعاملين بالوكالة لقرار تعيينه، ودخولهم في إضراب عام لإجبار الحكومة برئاسة المشيشي على التراجع عن هذا القرار، وهو حدث أثار جدلاً واسعاً في تونس، وتساؤلات حول الدور الذي تلعبه الشرطة هناك.
وقبل هذا التاريخ، تحديداً في 10 أذار/مارس الماضي، فضت الشرطة التونسية اعتصاماً للحزب الدستوري الحر في منطقة مونبليزير بالعاصمة تونس أمام فرع "اتحاد القرضاوي"، وتواترت شهادات حول مشاركة عناصر من حركة النهضة وحزب الكرامة المحسوب بدوره على التيارات اللإسلامية مع الشرطة في فض الاعتصام.
ويرى الحمروني في ذلك "محاولات من حركة النهضة لاستعمال المؤسسة الأمنية كعصا غليظة لتأديب معارضي أخونة السلطة الرابعة"، قاصداً الصحافة، وهو دور جلي بعد التقارب بين المشيشي والنهضة لمواصلة "السيطرة على وزارة الداخلية، بعد الإطاحة بوزير الداخلية السابق المقرب من الرئيس قيس سعيد، وذلك بغرض تنفيذ تغييرات هيكلية كبرى بالوزارة" بحسب الحمروني.
وتتفق معه الناشطة السياسية التونسية مريم عزوز في أن الصراع الحاصل في تونس منذ سنوات هو "محاولة لتفكيك المؤسسات السياسية وعلى رأسها وزارة الداخلية"، وبالرغم من ثقة "العزوزي" في صعوبة تفكيك الداخلية "لما فيها من القيادات الوطنيين"، لا تنفي وجود اختراقات لهذا "الجهاز السري" في تونس، على حد تعبيرها.
وتضيف عزوز لرصيف22 أن ما حدث من فض اعتصامات بالقوة من قبل الشرطة، واقتحام الوكالة الرسمية للبلاد "يبرهن على انحياز رئيس الحكومة – وزير الداخلية بالإنابة - لمساندة الإسلاميين".
وبالرغم من مرور 10 سنوات على الثورة التونسية لا تزال ممارسات الشرطة تجاه المتظاهرين محل انتقاد كبير.
ففي 15 كانون الثاني/ يناير الماضي بدأت احتجاجات واسعة بشكل متقطع عبر مدن مختلفة في تونس ضد التهميش، وعنف الشرطة، والفقر، وانعدام فرص العمل، وعلى خلفية تلك التظاهرات قامت الشرطة بتفريقها واعتقال 630 شخصاً، معظمهم من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 14 و15 عاماً، حسب منظمة العفو الدولية.
لكن النقابات الأمنية في تونس ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ طالبت بحماية رجال الأمن من قبل المتظاهرين، بعد تعرض الأمنيين لمقذوفات أطلقها الشباب المتظاهر، وتفوههم بعبارات نابية ضد رجال الأمن وهم يطالبون بإلغاء أحكام بالسجن ضد موقوفين في أعمال شغب.
وفي بيان للنقابات الأمنية في شباط/ فبراير الماضي، اتخذت بعض هذه النقابات إجراءات تصعيدية بالامتناع عن القيام بجزء من مهامها، مثل تأمين المقابلات الرياضية والأنشطة الثقافية ونشاط المحاكم، ورفع المخالفات وتحرير المحاضر، محملة القيادات الميدانية "المسؤولية على ما أظهرته من سلبية في التعامل مع المنحرفين"، حسب ما جاء في البيان.
ولا تتفق الكاتبة الصحافية التونسية نائلة الحامي مع الطرح الذاهب إلى تحول الشرطة إلى أداة قمع سياسي في يد الإسلاميين، وتعلق بأن "الأمن في تونس فهم طبيعة الصراع الحالي، وصار يحاول ضمان حقوقه والقيام بواجباته، لكن في صورة المحايد"، مستدلة باحتجاجات النقابات الأمنية ومطالباتهم بوضع حد لإهانة المتظاهرين لرجال الأمن، وهتافهم ضد المشيشي.
وقالت الحامي لرصيف22: "لا أعتقد أن جهاز الأمن في تونس منخرط في الصراع السياسي داخل البلد لصالح طرف بعينه"، لكنها استبعدت في الوقت نفسه وقوف الأمن التونسي على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة، معبرة عن ذلك بقولها "لا يمكن أن يكون الأمن التونسي محايداً من كل ما يحصل، فهو في النهاية إحدى أدوات السلطة التنفيذية، وخاصة الحكومة، لتنفيذ قراراتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
تامر شاهين -
منذ 9 ساعاتهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor
Ali El-Helbawi -
منذ يومينGood