شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كذبة الدفاع عن ديمقراطية تونس

كذبة الدفاع عن ديمقراطية تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 2 مارس 202104:24 م

جندت حركة النهضة الإسلامية أنصارها وحلفاءها للتظاهر والاحتجاج يوم السبت 22 فبراير/شباط من أجل دعم حكومة هشام المشيشي الذي تدعمه بدورها بقوة. وذلك في سبيل ما أسمته "حماية للشرعية والديمقراطية".

خطوة بدت مفاجأة لطيف واسع من التونسيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة حزب شريك في السلطة بل وأهم مكوناتها وأكثرها نفوذاً وتمثيلاً يدعو الشارع للتظاهر، رداً على الجماهير التي خرجت طيلة شهر يناير/كانون الثاني منددة بفقرها وتهميشها وبالحصيلة الصفرية للحكومة والبرلمان ومطالبة برحيلهم. مشهد يتعارض مع صورة الدولة التونسية التي تدّعي أنها تسير بخطى كبيرة نحو ترسيخ الديمقراطية، كون لجوء الأحزاب الحاكمة للتظاهر ضد شعب يعترض على سياستها وفشلها يتناقض مع الرمزية الحقيقية للشارع باعتباره فضاء للاحتجاج ضد سياسات الحكومات وخياراتها، ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء حيث التقاليد الدكتاتورية التي تتحول بمقتضاها الشوارع إلى أماكن للمناشدة والمساندة.

وفيما كان التونسيون يترقبون أن يصدر عن الرئاسات الثلاث ما يشي بنهاية أو بوادر انفراجة الأزمة السياسية التي تشعبت وامتدّت متجاوزة الشهر، خرجت حركة النهضة لتحشد جماهيرها للنزول إلى الشارع دون مراعاة أنها طرف رئيسي في السلطة وأن ما تقدم عليه يتعارض مع موقعها الراهن. وتجاهلت عمداً أن الأحزاب الحاكمة إنما تحافظ على الديمقراطية بالمؤسسات الرسمية وبسياساتها الناجحة وليس بالاحتكام في الشارع وفرض رؤيتها على شريحة واسعة من المواطنين، الذين أثقل كاهلهم عقد من الفشل كانت الحركة أحد أبرز الفاعلين السياسيين فيه. 

لجوء الأحزاب الحاكمة للتظاهر ضد شعب يعترض على سياستها وفشلها يتناقض مع الرمزية الحقيقية للشارع باعتباره فضاء للاحتجاج

قد يقول البعض-كذلك قالت الحركة- إنّ التظاهر السلمي مكفول بالدستور للجميع في تونس، وهذا صحيح. لكن هناك مواضع ومعطيات تضبط ولو أخلاقياً ومبدئياً ظروف التظاهر والأطراف المخول لها النزول. ذلك أن خروج أنصار النهضة لدعم الحكومة إلى الشارع أجج التساؤل حول المغزى الحقيقي والهدف الأسمى لهذا التحرك. بمعنى آخر؛ ما هي المطالب التي سينادون بها إذا كانت هي الجهة الحاكمة والممسكة بزمام الأمور؟ هل من الطبيعي ومن أدبيات الديمقراطية أن تخرج جهة حاكمة ضد شعبها لمجرد أنه انتقد أداءها جهراً؟ هل من النضج أن ينصت حزب حاكم لأطماعه المتعلقة بالحكم فيقوم باستعراض للقوى في الشارع رغم إدراكه أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد لا يتحمل مثل هذه التحركات العرجاء؟ ذلك عوض أن يقدّم تنازلات كبيرة حتى لا تغرق البلاد أكثر وتصبح عملية الإنقاذ عسيرة أو مستحيلة؟ هل من اللائق أن يقوم الحزب ذاته قبل أسابيع قليلة بتجريم التحركات الاحتجاجية الشعبية التي اندلعت ضد سياسة الحكومة التي تشارك فيها وتدعمها بقوة ثم لا ترى حرجاً في الاحتجاج لدعمها؟

دعنا نشرح أكثر ما سلف، إنه من المخجل على حزب سياسي كحركة النهضة باعتبارها مكوّناً رئيساً للمشهد السياسي التونسي منذ 2011 أن تخرج للشارع وتحاول تلميع صورتها المتآكلة بسبب تراكم فشلها بدل الإقرار بأخطائها، وأن تحاول البرهنة على أنها تبحث عن الحلول. من المخجل أن تستدرج جماهيرها التي استفادت من وجودها في السلطة على حساب بقية الشعب، رافعةً شعارات من قبيل الدفاع عن الشرعية والحرية والكرامة الوطنية.

خرجت حركة النهضة لتحشد جماهيرها للنزول إلى الشارع دون مراعاة أنها طرف رئيسي في السلطة وأن ما تقدم عليه يتعارض مع موقعها الراهن

والحال أنه منذ صعودها للحكم، فقد التونسي كرامته بعد أن تفاقمت بطالته وتضاعف فقره وازداد تهميشه بسبب تفعيل سياسات فاشلة كانت النهضة من بين أبرز مهندسيها باعتبارها لاعباً أساساً في سدة الحكم. من المعيب أن تنزلق إلى هذا المطب رغم إدراكها أن هذه الخطوة ستؤجج مشاعر الكره والاستياء لدى شريحة كبيرة من التونسيين الذين باتوا موقنين بأن الحركة لا تكترث لما آلت إليه أوضاعهم بقدر حرصها على الكرسي.

كما أنه من السخف أن تتحدث عن الحرية وهي التي دفعت (باعتبارها المحرك لرئيس الحكومة ووزير الداخلية هشام المشيشي وخياراته) نحو إغلاق الشوارع أمام المحتجين ووصفتهم بالمخربين، ولم يصدر عن قياداتها أي إدانة للقمع الذي لحق بالمحتجين والاعتقالات الواسعة التي طالتهم وتجاوزت الـ1500 في وقت قياسي. كما لم يجرؤ أحدهم على نقد الحصار الذي فُرض على الأحياء والشوارع الرئيسية وحرمان المواطنين من الاحتجاج فيها. أما اليوم، عندما صارت المظاهرة بعنوان مناصرة الحكومة، أصبح لقادتها ألسنة طويلة تدافع بشراسة عن الحق في التظاهر. كما لم تُسيّج الشوارع ولم تُغلق كما حدث في السادس من فبراير/شباط عندما طُوّقت بشكل لم تشهده البلاد حتى في أسوأ ظروفها الأمنية. ولم تستدعى المدرعات ولم ترصف تباعاً في وجه المحتجين لترهيبهم. لقد أشرعت الأبواب التي أغلقت بالأمس لأن الجمهور هذه المرة جاء ليناشد الحكومة لا لينتقدها ويطالب برحيلها وبالتالي فهو تحت رعايتها وحمايتها ودعهما. وكأننا بهذا المشهد نعود سريعاً إلى حقبة خِلنا أننا قطعنا معها منذ عشر سنوات عندما كان الحزب الحاكم يستقطب جماهيره لتصفق وتبارك الوضع برمّته، ويصم أذنه عن صرخة هنا أو هناك. وفي كل هذا يناقض الحزب الحاكم الحالي الممثل في حركة النهضة نفسه لأنه يدعي الدفاع على الديمقراطية في الوقت الذي يمارس فيه سلوكاً لا يمتّ للديمقراطية بصلة بقدر ما يمتّ للأنظمة الدكتاتورية.

إنه من المخجل على حزب سياسي كحركة النهضة باعتبارها مكوّناً رئيساً للمشهد السياسي التونسي منذ 2011 أن تخرج للشارع وتحاول تلميع صورتها المتآكلة بسبب تراكم فشلها بدل الإقرار بأخطائها

يبدو جلياً هذه المرة أن الحركة لا تكترث لتناقضاتها الكثيرة وارتدادها عن أفكارها بقدر حرصها على الإمساك بزمام الحكم مهما كانت الصيغة أو الطريقة، ولهذا ما يبرره. أولاً، أن تلجأ إلى الشارع حتى ترد الدَين لشعب تحكمه عن طريق مناصريها فهذا مفاده أن الحركة تريد القول إنها لا تمثل سوى هؤلاء المناشدين، رغم أنها في موقع يحتم عليها أن تمثل كل مواطنيها مهما كانت انتماءاتهم وأفكارهم. ثانياً، تدرك الحركة جيداً أن البرلمان يحظى بأدنى مراتب الثقة لدى التونسيين بسبب ضعف أدائه. كما تعي جيداً أن وجود رئيسها راشد الغنوشي على رأس هذه المؤسسة يفاقم الأزمات والمشاكل. ولكنها تصر على التجاهل وتعتبر الدعوات المتتالية لحل البرلمان وإقالة الغنوشي محض دعاية بغيضة، رغم تأكيد كل أرقام سبر الآراء أن الرجل هو الأكثر كرها وازدراء في البلاد، فقط لحرص الأخير على البقاء في الكرسي. ثالثاً، تصرّ النهضة على الاستنجاد بالشارع لمساندة حكومة هي الأفشل وبلا برنامج عمل، رغم وعيها بأن الوضع العام في البلاد يحتاج حكومة وطنية قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة المطروحة، خاصةً فيما يتعلق بوقف نزيف الأزمة الاقتصادية وتداعيات الأزمة الصحية والاجتماعية على الطبقات المفقرة وملف مكافحة الفساد. تصر على ذلك فقط لأن ما يهمها ليس سياسات وأطروحات أي حكومة تشاركها أو تدعمها، بقدر ما يهمها بحثها عن كيفية فرض حضورها والتحكم في توجهاتها العامة لتضمن استمرار تموقعها في مراكز القرار والتأثير.

ولهذا، فإنه يمكنني القول ختاماً أن كذبة الدفاع عن الديمقراطية والحرية والحكومة التي تروّجها الحركة لتبرر نزولها إلى الشارع، ليس إلا رسالة إلى كل التونسيين مفادها أنها على استعداد للعب كل الأوراق مهما كانت خطورتها من أجل البقاء في الحكم حتى وإن أدى ذلك إلى حرق البلاد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image