شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
جنوب اليمن... تصاعد الغضب الشعبي ضد التحالف وحلفائه بسبب تردي الظروف المعيشية

جنوب اليمن... تصاعد الغضب الشعبي ضد التحالف وحلفائه بسبب تردي الظروف المعيشية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 16 أبريل 202106:39 م

بعد ستة أعوام من تدخل التحالف العربي في اليمن، بدأ الشارع الشعبي في المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعومَيْن من السعودية والإمارات، يخرج في احتجاجات تطالب بتحسين الخدمات والظروف المعيشية.

ويتهم المحتجون التحالف وحلفائه المحليين في الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بالوقوف خلف أزمات انهيار العملة المحلية والنقص في المشتقات النفطية، وتردي خدمات المياة والكهرباء، وتراجع مستوى المعيشة، إثر سيطرتهم على الوضع في المحافظات الجنوبية المحررة.

وتسيطر الحكومة اليمنية على محافظات حضرموت وشبوة والمهرة وأجزاء من محافظة أبين، فيما يُحكِم المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته على محافظات عدن ولحج والضالع وسقطرى والأجزاء المتبقية من محافظة أبين التي شهدت صراعاً عسكرياً بين الطرفين، بين آب/ أغسطس والخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2019، ثم بين أيار/ مايو وكانون الأول ديسمبر 2020.

لماذا تراجع التأييد الشعبي؟

عقب خروج الحوثيين من مدينة عدن في تموز/ يوليو 2015، تمكّنت مؤسسة الكهرباء في المدينة الساحلية من إعادة التيار الكهربائي بشكل نسبي خلال الأشهر التي تلت المعارك في المدينة، لكن قطاع الكهرباء لم يتلقَّ اهتماماً جدّياً من قبل التحالف خلال الأعوام الستة الأخيرة.

لم يقدّم التحالف الدعم المالي المنتظم لمحطات توليد الكهرباء، خصوصاً في أوقات الصيف التي تشهد ارتفاعاً لعدد ساعات انقطاع التيار، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة. كذلك، لا اهتمام بملف الكهرباء بشكل عام في ما خص صيانة محطات التوليد ودعم إنشاء محطة توليد جديدة.

ويحدث ذلك في وقت أنفق التحالف خلال الأعوام الماضية أموالاً كثيرة على تسليح القوى المحلية التابعة له.

أزمة التيار الكهربائي هي أحد أبرز الأسباب التي دفعت الأهالي في المدن الجنوبية للخروج في احتجاجات، لكن هناك أسباباً عدّة ساهمت في تراجع تأييد السكان في المحافظات للتحالف الذي تقوده السعودية، إذ يعتقدون أن التحالف فشل في تقديم نموذج ناجح في المدن المحررة، فيما فُقدت الثقة بالأطراف المحلية نتيجة عدم امتلاكها أدوات التأثير والتغيير.

وتبرز أزمة العملة المحلية التي سجّل سعر صرفها خلال الأسابيع الماضية تراجعاً كبيراً أمام العملات الأجنبية كأحد الأسباب التي أوجدت حالة من الغضب الشعبي جنوب اليمن، خاصةً أن الانهيار المتسارع للريال اليمني أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أضعاف ما كانت عليه.

ووفق خبراء اقتصاديين، تعود أسباب تدهور العملة المحلية إلى الاستراتيجية الاقتصادية التي انتهجها التحالف بقيادة السعودية في تقديم الودائع المالية للبنك المركزي اليمني لدعم الميزانية بالتزامن مع إيقاف تصدير النفط من المنشآت النفطية، ومنشأة بالحاف الغازية الخاضعة للإمارات، وتراجع الدور الملاحي لميناء عدن.

ومن بين أسباب تراجع القبول للتحالف عدم مقدرته على وقف المواجهات في محافظة أبين بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي في النصف الثاني من العام الماضي، رغم خضوع القوات المتصارعة لسيطرته وتلقيها الدعم والتمويل من الرياض وأبوظبي، إلى جانب فشله حتى الآن في تطبيق الملحق العسكري والأمني الخاص باتفاق الرياض.

وتضمّن اتفاق الرياض الذي وقّعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، لإنهاء القتال بينهما، ملحقاً عسكرياً وأمنياً نص على إعادة انتشار القوات التابعة للطرفين في جبهات القتال ضد الحوثيين، وانسحاب القوات التابعة للمجلس الانتقالي من عدن، إلى جانب إعادة تنظيم القوى المحلية في عدن وأبين ولحج والضالع ودمجها ضمن وزارتي الدفاع والداخلية.

وتؤثر الخلافات بين مَن يُفترض أنهم حلفاء على سير العمليات القتالية ضد الحوثيين، ما يدفع الكثيرين إلى التساؤل عن جدوى الصراع الذي قسّم اليمن وفرض على أبنائه معاناة مستمرة منذ سنوات.

"من أسباب تراجع التأييد الشعبي للتحالف العربي في جنوب اليمن الخلافات التي عصفت بين قطبيّ التحالف، السعودية والإمارات، وبروز أطماعهما على الأرض"

عدا "فشل التحالف أو بالأحرى تقاعسه عن تقديم دعم اقتصادي حقيقي يساعد في انتشال اليمنيين من الوضع الاقتصادي المتردي ويحسّن الخدمات"، وعدا "إهدار أموال الودائع السعودية والقروض التي قيل إنها قُدّمت للحكومة اليمنية في ظل حالة الفساد الكبيرة"، يرى الصحافي والمحلل السياسي صلاح السقلدي أن من أسباب تراجع التأييد الشعبي للتحالف في الجنوب "الخلافات التي عصفت بين قطبيّ التحالف، السعودية والإمارات، وبروز أطماعهما على الأرض".

ويضيف لرصيف22 أن هذا "خلق حالة توجس لدى المواطنين في المحافظات الجنوبية تجاه الدولتين الخليجتين"، إضافة إلى طول مدة الحرب وغياب أي توجه ونوايا للحسم العسكري وهو ما تسبب في فقدان الثقة بالتحالف.

ويشير السلقدي إلى أن التحالف "ترك الحبل على الغارب للجماعات المنفلتة، ولانتشار الأسلحة في مدينة عدن والمدن المجاورة لها، ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني وإبقاء المواطن فريسة لهذه الجماعات".

وبطبيعة الحال، انعكس تراجع التأييد للتحالف على القبول الشعبي لحليفيه، الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، اللذين يتقاسمان السيطرة على المحافظات الجنوبية، بحسب السلقدي.

ويرى السقلدي أن التأييد الشعبي للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن والمحافظات المجاورة "أصبح على المحك"، وأضيفت إلى عوامل تدني مستويات المعيشة وتردي الخدمات والأمن "خشية أنصار الحراك الجنوبي من تجاهل القضية الجنوبية، وإقصاء الانتقالي وقوى الحراك الجنوبي من أيّة تسوية سياسية قادمة".

وتوجد في جنوب اليمن عشرات التيارات السياسية التي تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، أبرزها المجلس الانتقالي الذي تأسس عام 2017، ومجلس الحراك الثوري، والمجلس الأعلى الحراك السلمي الجنوبي اللذان تأسسا قبل ذلك بنحو عقد.

الحضور السعودي والإماراتي في الجنوب

في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، استلمت السعودية مركز قيادة قوات التحالف في مدينة عدن اليمنية من الإمارات بعدما قلّصت الأخيرة حضورها في المدينة الجنوبية ومواقع أخرى في منطقة الساحل الغربي في محافظتي تعز والحديدة، جنوب غرب اليمن.

هذه الخطوة مثلت عهداً جديداً من تبادل السيطرة بين السعودية والإمارات على المدن الجنوبية المحررة من قوات الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2015، قبيل انفكاك تحالف الأخيرتين في كانون الأول/ ديسمبر 2017.

"خلال عام ونصف من سيطرتها نظرياً على عدن، لم تُحدث السعودية فارقاً في ما يخص الوضع الاقتصادي والخدمي في العاصمة اليمنية المؤقتة، ويقول أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي إن الوضع إبان الوجود الإماراتي كان أفضل نسبياً"

بخلاف الإمارات، لم تقم السعودية بإنشاء قوات محلية موالية لها في جنوب اليمن، لكنها لا تزال تمتلك ولاء القوات الحكومية المتواجدة في المحافظات الجنوبية وترتبط بعلاقة جيدة مع القوات العسكرية الحكومية شمالاً.

ولا وجود لمساعي سعودية واضحة لتمتين نفوذها في عدن مع وجود أغلب مصالحها في محافظتي حضرموت والمهرة.

خلال عام ونصف من سيطرتها نظرياً على عدن، لم تُحدث السعودية فارقاً في ما يخص الوضع الاقتصادي والخدمي في العاصمة اليمنية المؤقتة، ويقول أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي إن الوضع إبان الوجود الإماراتي كان أفضل نسبياً.

وتتواجد السعودية في مدينة عدن عبر قوات محدودة في مقر التحالف غرب المدينة ووحدات صغيرة في المطار الدولي والقصر الرئاسي في المدينة القديمة.

وكانت الإمارات قد فرضت حضورها عسكرياً في مدينة عدن بعد هزيمة الحوثيين في المدينة منتصف عام 2015، ثم دعمت تأسيس قوات الحزام الأمني، وهي قوات غير رسمية درّبتها وسلّحتها أبوظبي، وتتكون من شباب حديثي التجنيد وعسكريين سابقين، ويقودها قادة محليون من خارج المؤسسة العسكرية والأمنية.

وخلال فترة الوجود الإماراتي في عدن والمحافظات الجنوبية برز دور الهلال الأحمر الإماراتي الذي مثّل إحدى الأدوات التي كانت تتحرك من خلالها أبوظبي في المحافظات الجنوبية في إطار تعزيز حضورها اجتماعياً وشعبياً.

والآن، تتحرك الرياض بشكل أكبر عبر مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية، وهو منظمة إغاثية تقدّم مساعدات للمتضررين من الصراع وآثار الحرب في مناطق عدّة من اليمن.

مآلات التحالف جنوباً

"عندما تحررت محافظة عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة لها من الحوثيين كان ذلك نصراً كبيراً، واعتقدنا أن تولي التحالف العربي إدارة ملف الخدمات والأمن في المناطق المحررة سيؤدي إلى قفزة نوعية في توفير الخدمات وتثبيت الأمن، لكن الآمال باءت بالفشل"، تقول الناشطة الحقوقية هدى الصراري لرصيف22.

وتضيف أن ملف الخدمات يشهد تدهوراً أكثر من أي وقت مضى، وتتهم التحالف بأنه "بات يخنق المدن المحررة بقيود الخدمات، إلى جانب سيطرته المطلقه على أهم الموارد التي تعود للدولة بعائدات".

وتشير إلى أن "كل الواردات والمشتقات النفطية والخدمات أصبحت لا توفَّر إلا بإذن التحالف الذي تسبب في إفراغ الدولة من مفهومها الواسع، إذ لم تعد الحكومة قادرة على اتخاذ القرارات، والتحرك بكل حرية إلا بعد الرجوع إلى التحالف".

وبحسب الصراري، فإن هذه العائدات والموارد المالية من الممكن أن تساعد الحكومة في تحسين الاقتصاد والخدمات بشكل كبير.

وتتابع أن فشل توفير الخدمات الأساسية في المدن المحررة يرتبط بـ"فشل وضعف أو ربما تورط القوى السياسية اليمنية التي لم تضع مصلحة الوطن والمواطن كقيمة أساسية مهمة في مواقفها وتحركاتها".

وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يكتفي أطراف الأزمة بتبادل الاتهامات حول الفساد الإداري والمالي والفشل، لكن "المواطن صار يمتلك الوعي الكافي وهو يشير بأصابع الاتهام للجميع"، بحسب الصراري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image