شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
في أماكن الخدمة الطبية... العنف والوصاية يلاحقان النساء

في أماكن الخدمة الطبية... العنف والوصاية يلاحقان النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 21 أبريل 202110:48 ص
Read in English:

In Healthcare Facilities... Abuse and Violence Haunt Women

"جايلي في الاستقبال كدة واحدة متعوّرة بسبب البوتاغاز فتح صابعها من عند العقلة ومجرجرة جوزها وراها عشان تتخيط وجوزها يقولي والله م مستاهلة حاجة بس هي صممت تيجي المستشفى وعاوزة تشوفها. أنا شوفت الجرح لقيته خربوش ومش مستاهل فقلتلها لأ عاوزين خياطة هناخد 3 غرز وعملته من غير بنج عشان تتربى".

بهذه التدوينة، تفاخر طبيب مصري عبر حسابه الخاص على تويتر بعنفه غير المبرر تجاه امرأة مصابة، قررت أن تطمئنّ على حالة جرح أصابها. ورغم أن زوجها كان يرافقها للاطمئنان عليها، إلا أن الطبيب تطوع بالانتقام من مريضته "تأديباً" لها، على حد وصفه.

استطاعت هذه التغريدة التي تداولها قبل فترة عدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق المرأة تسليط الضوء على العنف الذي تتعرض له النساء داخل أماكن الخدمة الطبية (غرف الكشف)، سواء في المستشفيات العامة أو الخاصة أو العيادات الطبية.

تتعدد أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في هذه االأماكن، من عنف صريح مثل التحرش والانتهاكات الجنسية التي يقوم بها بعض الأطباء تجاه المريضات إلى عنف دفين يمارسه بعض الأطباء تجاه مريضاتهم دون أن يشعرن كما في الحالة السابقة.

كشف عذرية دون استئذان

تروي فاطمة، وهي شابة في العقد الثالث من عمرها، تفاصيل العنف الذي تعرّضت له داخل أحد المستشفيات الخاصة. تقول لرصيف22: "أنا آنسة (لم يسبق لي الزواج أو إقامة أي علاقة جنسية) وكنت أعاني من التهابات متكررة في المهبل، وكشفت على حالتي سابقاً عدّة مرات عند أطباء أمراض نسائية، وكانت تشخيصاتهم تتباين بين حساسية من أكلات معيّنة أو التهابات في مجرى البول".

وأضافت: "في المرات السابقة، كنت أتحمّل كافة تكاليف العلاج، لكن هذه المرة ذهبت إلى طبيب تابع للتأمين ليكون الكشف والدواء على نفقة التأمين الذي يوفّره لي مكان عملي".

في كل مرة من المرات السابقة، تشرح، "كان الطبيب أو الطبيبة يستأذنوني في إجراء الكشف، وإذا رفضت كانوا يحترمون إرادتي، وكان أول سؤال يسألونه: هل أنا آنسة أم متزوجة، وكان الحديث حول هذه النقطة ينتهي بمجرد إجابتي بأنني آنسة ولم يسبق لي الزواج أو إقامة أي علاقة جنسية".

ولكن الأمور اختلفت مع الطبيب الأخير. "هذه المرة، شرحت للطبيب ما يؤلمني من التهابات وما يحدث من إفرازات، وأخبرته عن تاريخي المرضي، كما قدّمت له نتيجة تحليل مسحة أُخذت منّي سابقاً بهدف معرفة أسباب الالتهابات كنت قد أجريتها من قبل وأظهرت عدم وجود أي عدوى منتقلة عبر ممارسة الجنس، وسألني إذا كنت متزوجة فأجبته بالنفي، فعاد ليسأل عن علاقاتي الجنسية وأجبت أيضاً بالنفي".

تتابع الفتاة الثلاثينية قصتها وتقول: "طلب منّي أخذ مسحة بنفسه لتحليلها، مشيراً إلى أنه لا يثق بنتيجة التحليل القديم، فوافقت وبدأ في أخذ المسحة منذ الثواني الأولى للكشف، لكنّي فوجئت بأنه رغم انتهائه من أخذ المسحة التي يحتاج إليها، لم يتوقّف وأكمل فحص مهبلي، وبدأت أصابعه تصل إلى المهبل في لمسات غريبة لم أختبرها مع أي طبيب زرته من قبل. توتّرتُ وسألته عمّا يفعل، فأتت إجابته مختصرة بالطلب منّي عدم التحرك، واستمر الوضع هكذا لدقائق وتحوّلت المسحة إلى فحص للمهبل دون استئذان".

لم تنته القصة هنا. "بعدما أنهى فحصي، سألته عن أسباب طول مدة الفحص فأخبرني بأنه أجرى لي كشف عذرية! وبدأ مجدداً بطرح أسئلة عن علاقاتي الجنسية، وقال لي إنه يشكّ في أن لديّ مرضاً منقولاً جنسياً، ورغم أنني أكدت على قولي السابق بأنني آنسة ولم يسبق لي إقامة أي علاقة جنسية، أصر على تشخيصه بأن مرضي سببه عدوى جنسية، وصدرت منه بعض التلميحات بأنني أكذب عليه".

"بعدما أنهى فحصي، سألته عن أسباب طول مدة الفحص فأخبرني بأنه أجرى لي كشف عذرية! وبدأ مجدداً بطرح أسئلة عن علاقاتي الجنسية، وقال لي إنه يشكّ في أن لديّ مرضاً منقولاً جنسياً، رغم أنني أكدت له أنني آنسة ولم يسبق لي إقامة أي علاقة جنسية"

"استمريت لأيام في حالة صدمة"، تتابع سرد قصتها، "ولم يتم علاجي بشكل صحيح ما دفعني إلى زيارة طبيبة أخرى أكدت لي أن الأمر بسيط ولا يحتاج إلى فحص مهبلي وأن التشخيص حساسية وعلاجها بسيط".

لم يختلف ما تعرّضت له فاطمة عمّا تعرّضت له سلوى (اسم مستعار) على يد طبيب جراح في أحد المستشفيات الجامعية.

تروي لرصيف22 تفاصيل ما تعرضت له: "ذهبت إلى طبيب جراح للكشف على خراج في الجزء الأسفل من البطن، تحت السرة وفوق منطقة شعر العانة. لم يكن في الكشف ممرضة، وأثناءه قام الطبيب بالعبث بمهبلي بأصابعه دون ارتداء قفاز طبي".

"شعرت بالصدمة والحرج معاً ولم أقم بأي رد فعل"، تضيف متابعةً: "انتظرت حتى انتهاء الكشف واستلمت الوصفة الطبية وانصرفت من غرفة الكشف".

"استمرت حالة الصدمة والإنكار حتى أصابني توتر شديد مصحوب بكوابيس وصراخ وحالة ذنب بسبب صمتي عمّا تعرضت له وعدم فضح الطبيب بسبب ما قام به"، تتابع.

وتضيف الفتاة، وهي في أواخر العشرينات من عمرها: "حكيت لصديقتي، وعن طريقها تعرّفت على محامية تواصلت معها لاتخاذ إجراء قانوني، لكن لم أستكمل الإجراءات لأنني وجدت صعوبة في إثبات الواقعة".

المحامية الحقوقية آية حمدي هي مَن أمسكت بهذه القضية. تقول لرصيف22: "استقبلتُ هذه الحالة وقمت بتقديم بعض النصائح القانونية لها لكنها لم تستكمل الإجراءات وانسحبت بعد ذلك".

وتشير إلى أن الخوف والريبة لهما دور قوي في تراجع السيدات عن تقديم شكاوى وبلاغات واتخاذ إجراءات قانونية.

وتشرح حمدي أن هناك نوعين من الإجراءات تستطيع السيدة اتخاذهما في حال تعرّضها لأي نوع من أنواع العنف داخل أماكن الرعاية الصحية: "أولاً، أن تقدّم شكوى إدارية داخل المستشفى وأخرى أمام نقابة الأطباء؛ وثانياً، أن ترفع شكوى قانونية عن طريق تحرير محضر رسمي في أقرب قسم شرطة".

وتوضح أن قضايا التحرش تُعامَل معاملة واحدة، وكلها تنظر فيها محكمة الجنح وتسقط العقوبة عنها بعد مرور ثلاث سنوات، وفي حالات الاغتصاب تنظر بالقضية محكمة الجنايات وتسقط بعد مرور عشر سنوات".

"العنف الذي تتعرض له النساء داخل أماكن الرعاية الطبية متعدد الأنواع، منه ما يسهل اكتشافه مثل العنف اللفظي أو الجنسي ومنه ما لا تعيه الكثيرات"

وتلفت إلى أن الفقرة الأولى من المادة (306) من قانون العقوبات أقرّت عقوبة على كل مَن يتعرّض للغير في مكان عام أو مكان خاص بإيحاءات أو تلميحات بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، وإلى أنه في حالات الأطباء يضاف إلى الأمر العقاب النقابي أيضاً، والذي يصل إلى حد إيقاف الجاني عن ممارسة المهنة.

"لفظي، جنسي، وأشكال أخرى"

تقول انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وهي منظمة مصرية غير حكومية ذات توجه نسوي: "كثيرات من السيدات يقعن تحت طائلة العنف في أماكن الرعاية الطبية، ولكن أغلبهن لا يتخذن إجراءات قانونية خوفاً من ردود الفعل"، مؤكدةً لرصيف22 أن "المؤسسة استقبلت بعض الشكاوى في هذا الإطار".

وأشارت السعيد إلى أن العنف الذي تتعرض له النساء داخل أماكن الرعاية الطبية متعدد الأنواع، منه ما يسهل اكتشافه مثل العنف اللفظي أو الجنسي كالتحرش والاغتصاب، لكن هناك بعض أنواع العنف الذي لا تعيه الكثيرات من النساء مثل العنف التوليدي، فالكثيرات يتعرضن للإهانة اللفظية أو الاعتداء البدني على يد عدد من الأطباء، سواء بالفحص السريري أو عند إجراء عملية الولادة، وهذا ما "قد يعتبره البعض منهن أمراً طبيعياً نظراً لشيوعه"، بالإضافة إلى استخدام علاجات أو جراحات طبية غير مبررة مثل الولادة القيصرية.

وأضافت أن "هناك أنواعاً أخرى من العنف غير المعروف الذي يمارَس تجاه المرأة في أماكن الرعاية الطبية مثل الإهمال وتجاهل الألم والاحتياجات، وانتهاك الخصوصية والسرية، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالمعايير المهنية أثناء تقديم الرعاية الصحية مثل الفحوصات المهبلية دون مبرر أو حاجة طبية".

"ذهبت إلى طبيب جراح للكشف على خراج في الجزء الأسفل من البطن، تحت السرة وفوق منطقة شعر العانة. لم يكن في الكشف ممرضة، وأثناءه قام الطبيب بالعبث بمهبلي بأصابعه دون ارتداء قفاز طبي"

وتعقد مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون مجموعة من الفعاليات والدورات التدريبية لمقدمي الرعاية الطبية حول كيفية التعامل المهني مع النساء، في إطار برنامج "مراكز رعاية طبية آمنة للنساء".

فرض وصاية وعنف لفظي!

تعرّضت حنان (اسم مستعار) لحالة من الترهيب النفسي والعنف اللفظي أثناء تلقّيها الخدمة الطبية في أحد المستشفيات الحكومية. تروي الفتاة الثلاثينية لرصيف22: "كنت في أواخر العشرينات من عمري وكان قد عُقد قراني لكن لم يتم حفل الزفاف نظراً لبعض الظروف المادية، وحصلت بيني وبين زوجي حينها علاقة جنسية نتج عنها حمل، لكنّي لم أكن أعلم بأنني حامل، فقد شعرت بتعب شديد دفعني للذهاب إلى أقرب مستشفى حكومي وكانت معي والدتي".

وتروي: "أثناء فحصي سألني الطبيب هل أنت متزوجة فأبلغته بأن قراني معقود، وعقب انتهاء الفحص أبلغني بأنني حامل".

وتضيف: "كانت والدتي تنتظر في الخارج ولم تكن على علم بما حدث بيني وبين زوجي، وشعرتُ بالخوف والرعب وطلبتُ من الطبيب عدم إبلاغ والدتي بأي شيء لكنّي فوجئت بأنه قام بتوبيخي وتعنيفي والاستهزاء بي، كما قام بشتمي وتوجيه اتهامات مسيئة لي، وسرعان ما أبلغ والدتي بما حدث رغم طلبي وإصراري، ما تسبب بأزمة كبيرة جداً على المستوى الأسري، أما على المستوى النفسي فقد تسبب لي بحالة من فقدان الثقة في الأطباء وعدم زيارتهم إلا في الحالات الحرجة".

جرائم مشابهة

حالات العنف ضد النساء في أماكن تقديم الخدمات الطبية ليست قليلة، بل خرج بعضها إلى العلن ووصل إلى المحاكم. في نيسان/ أبريل الماضي، قضت محكمة جنايات الزقازيق بمعاقبة طبيب متهم بهتك عرض إحدى المريضات، أثناء توقيع الكشف الطبي عليها داخل عيادة خيرية في المدينة، بالحبس لمدة سنة مع الشغل. وفي كانون ثاني/ يناير الماضي، قررت محكمة جنايات المنيا معاقبة طبيب بالسجن ثلاث سنوات بعد اتهامه بمحاولة هتك عرض مريضة أثناء الكشف عليها.

وفي آذار/ مارس الماضي، أطلقت حقوقيات وناشطات وثيقة إلكترونية لجمع توقيعات عليها وتقديمها لنقابة الأطباء، حملت عنوان "نداء إلى نقابة الأطباء المصرية... أوقفوا العنف الجنسي"، وطالبت من النقابة إعلان تبرؤها من الطبيب بحال وجود حكم نهائي يثبت تورطه في مثل هذه الأفعال، وذلك إعمالاً للائحة آداب المهنة.

تؤكد عضوة مجلس نقابة الأطباء الدكتورة نجوى الشافعي أن هناك لجنتين في النقابة مختصتين بتلقي شكاوى المواطنين والتحقيق في أي واقعة انتهاك تصدر بحق أي طبيب وهما لجنة التحقيق ولجنة آداب المهنة.

وتضيف لرصيف22 أنه في حال تعرّض أي مواطن لأي انتهاك على يد طبيب يستطيع تقديم لشكوى للجنة آداب المهنة، فيما تقوم لجنة التحقيق باستدعاء الطبيب وكافة الأطراف، وإذا ثبت خطأ الطبيب يُعاقَب، وتبدأ العقوبات من اللوم وتنتهي بالشطب، بحسب حجم الانتهاك الذي قام به.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image