لمع نجم عازف الكمان والملحّن التونسي زياد زواري في زمن غامض على المستوى الصحي والعالمي. لا شيء واضح في هذا العالم سوى سواده الذي طال كل شيء.
لذلك خطرت الفكرة الكفيلة بالإبقاء على الحدّ الأدنى من النشاط والإنتاج في مثل هذه الظروف، وذلك بالانضمام إلى مبادرة تحمل اسم مؤسسة "والله وي كان wallah we can" وهي مؤسسة خيرية تهدف إلى بناء مركز لإيواء الأطفال المعرّضين للعنف في تونس. ساهم زياد زواري في عمل فني يمزج الهيب-هوب بالسيمفوني مع مجموعة "آل-كسترا" بقيادة رامي الشوّالي، ومغني الراب التونسي علاء.
حقّقت الأغنية السابقة نجاحاً باهراً خلال هذه الأيام في تونس. فقد تَخطّى عدد مشاهديها مليوني مشاهد على اليوتيوب في أقل من شهر منذ انطلاقها. وقد أُنتج هذا العمل في إطار مشروع موسيقي خيري تحت اسم "كريشندو". وهو عمل يهدف إلى دعم مركز إدماج الأطفال ممّن هم ضحايا العنف.
مشروع كريشندو
يعمل هذا المشروع الفني الاجتماعي على إعادة توزيع أغاني الراب عبر إدماج آلات الموسيقى السمفونية، ومن المنتظر أن يتم تنفيذ شراكات موسيقية مقبلة أركسترالية-شعبية مع مغني الراب التونسي بلطي. كما يرجح التعامل مع المغني الفرنسي سليمان والمطرب لطفي بوشناق، ومواصلة تجربة تصوير فيديوهات للمزج الموسيقي فوق أسطح المدينة.
تعرفنا على عازف الكمان والملحّن التونسي زياد زواري في زمن غامض على المستوى الصحي والعالمي بعد انضمامه إلى مبادرة مؤسسة "Wallah we can" وهي مؤسسة خيرية تهدف إلى بناء مركز لإيواء الأطفال المعرّضين للعنف في تونس
لهذه المساحات المشمسة المشرفة على الأحياء والأزقة القديمة لتونس العاصمة دورها المبكّر في افتكاك شيء من الحرية أو في إعادة تشكيلها. فقد كانت السطوح بمثابة قاعات عروض معلّقة، تنتصب فيها أعمدة النور وتجهّز فيها الكراسي والطاولات والأقداح لاستقبال الاحتفالات الموسيقية الليلية.
عاد للموسيقى بوصفها معماراً صوتياً ونغمياً على حدِّ تعبير إميل ليتري، دورها الشبيه بدور أورفيوس القادر بعزفه على ترويض كلاب الجحيم.
انفتاح على تيارات موسيقية أخرى
يخصُّ الزواري رصيف 22 بحديث عن بداياته، فيقول إنه ينتمي إلى عائلة موسيقية تقيم بمدينة صفاقس. بدأ تعلم العزف على البيانو منذ سن السادسة مع والدته، ثم مارس العزف على الكمان مع عمه، وسرعان ما تجاوز دروس المقطوعات الكلاسيكية ليشتغل بمفرده على عزف كل ما يسمعه من موسيقى.
مثّلت الموسيقى الكلاسيكية الغربية، المقامات الشرقية والمغاربية، الروح الهندية وموسيقى الجاز، روافد لتجربة العازف والملحن الذي نعرفه اليوم. هي تجربة منفتحة منذ بداياتها، لا تكفُّ عن البحث عن كيميائها الخاصة.
في ألبوم "طرق المقام" الذي شاركه فيه العازفان عبد الرحمان تاريكشو وجوليان تقيّان، سنستمع لمقطوعات تتشابك فيها التأثيرات الموسيقية التونسية المحلية بالجاز والسّطمبالي. أما معزوفة "صفاقس" فقد أرادها أن تكون تحية لمدينته الأم. سيسافر المستمع لأكثر من خمس دقائق بين المحلّي الصوفي والإيقاع ذي الأصول الإفريقية من جهة، وللجاز القادر على استيعاب كل المجازفات الموسيقية من جهة ثانية.
يضيف الزواري أن انطلاقته كعازف كمان منذ صغره في حفل على ركح قرطاج مع المطرب اللبناني وديع الصافي سنة 1999، كانت أمراً في غاية الأهمية، لكنه يعتبر انتقاله إلى فرنسا لمواصلة دراسة الموسيقى سنة 2006، نقلة نوعية ومنعرجاً حاسماً في تجربته: "ما حاولتُ خلال صباي العمل على صياغته بمفردي، تبلور منذ رحلتي الدراسية برفقة فنّانين قادمين من كل أنحاء العالم، يتكلّمون دون حواجز بلغة واحدة: لغة الموسيقى".
مشروع العازف والملحن زياد زواري هو تجربة منفتحة منذ بداياتها، لا تكفُّ عن البحث عن كيميائها الخاصة
دامت هذه التجربة المشتركة أسبوعين في مدينة مارسيليا، وهو ما جمعه بالمغني الفرنسي مانو تيران، واليوناني عازف الآلتُو دينيوزيوس باباريوس، والمغربي ""سعيد ملومي"، ضابط الإيقاع.
يعتبر الزواري أن لتجربته الحرة تلك التي تتسم بالانفتاح، أثراً حاسما في ترسيخ تصوراته الموسيقية: "ثمة مزج وذهاب وإياب ما بين رياحٍ أربع، ما بين الآلات والمقامات. 'الطّبُوعْ' كما تُسمّى بالتونسي، 'الرّاغا' عند الهنود، 'الغِنَاوَهْ' عند المغاربَة، ولهذا دور أساسي في إعادة صياغة هويّتي الموسيقية".
ويخصّص زياد الزواري، المتحصّل على دكتوراه في الموسيقى والمدرّس حاليّاً بالجامعات التونسية، مقطوعة صوتية وإيقاعية تحمل عنوان "هواء من الهند" تنتمي لنفس ألبوم "طرقِ المَقام"، ليذكّر بواحدة من أهمّ روافد تجربته في الاستلهام من "تلك الروح الآسيوية المفهمة بالحياة والحركة، وذلك الإيقاع الذي يُحيل إلى صدى الكواكب والكوسموس".
وفي نفس الألبوم، يستعيد الملحن التونسي بمشاركة من العازفيْن، التّركي والأرميني، واحدة من أشهر المعزوفات التونسية على الكمان، وهي مقطوعة "جرجيس" للعازف التّونسي الأكثر صيتاً دون منازعٍ منذ عقود، الراحل رضا القلعي، ليؤكّد بعد كل رحلة في عوالم موسيقية رحبة على اعتزازه بانتمائه الأوّل إلى الموسيقى التونسية.
ارتجال مرح ومضبوط
يواصل الزواري في ألبومه "إلكترو بطايحي"، الصادر سنة 2019، رحلة المزج بين مختلف الممكنات الإيقاعية والموسيقية، لذلك نجده مراوحاً بين أنواعٍ موسيقية تونسية مثل "السطمبالي" و"المالوف" و"النّوبَة". فيدمج الطبل مع "البِندير" معَ "القُمْبري" فالقيثارة الإلكترونية، وذلك في توليفات صوتية وغنائية شعبية، مطيحاً بكل ما من شأنه أن يجعل صناعة الموسيقى عملاً تقليدياً رتيباً.
يتحوّل الكمان، رفيق دربه في كلّ العروض، من آلة ينحصر دورها في إثارة شجون المستمع، إلى أداة تغيير فعلي للأدوار ضمن عروض موسيقية وبصرية في آن.
هنا، يخلّ صانع الموسيقى بالمكانة شديدة الهيبة للمايسترو الذي يُدير ظهره للجمهور حتّى يتمكّن من قيادة العازفين بقلب بارد وملامح حادّة، ويزحزح مكانة الملحّن، قائد اللوحات الموسيقية، ليصير فاعلاً جمالياً، يدير ويعزف في آن، مشاركاً مع البقية في مقاطع تتداخل فيها أدوار العازفين إن لزم الأمر. يعود الصوت ليغنّي أو ليثير إيقاعاً. يذهب الكمان بعيداً ثم يعود ليوقّع الثيمات، تماماً كما يفعل عازفو الجاز.
بصمة الجاز
يخصّص زياد الزواري، المتحصّل على دكتوراه في الموسيقى مقطوعة صوتية وإيقاعية تحمل عنوان "هواء من الهند" تنتمي لنفس ألبوم "طرقِ المَقام"، ليذكّر بواحدة من أهمّ روافد تجربته في الاستلهام وهي "تلك الروح الآسيوية المفهمة بالحياة والحركة"
كثراً ما انحاز صاحب "طرق المقام" إلى الجاز، لأن له قدرة على خلق مزاج أو إيصال فكرة أو تعزيز جوّ معين. تركيبته متطرفة ويمتلك "قدرة واسعة على استيعاب كل الأنواع الموسيقية". لنا أن نذكّر هنا تأثره بعازف الكمان والموسيقي الفرنسي الرّاحل ديديي لوكود، الذي ساهم في دفعه إلى هذا اللون وعلّمه كيفية المزج بين التعبير المينمالي حيناً وفيض النغمات حيناً آخر، وكان يهدف إلى خلق نوع من التباين بين نمط المعزوفة وما تتطلبه "تقنيّاً" من أسلوب، وتلك الانفجارات غير المتوقعة في المقطوعات الهادئة.
هكذا يسير زياد زواري على خطى آخر معلّميه، مشجّعاً للأنشطة الخيرية، مواصلاً دعمه للمشاريع الشبابية والمواهب التونسية التي لا يكف عن التذكير بأنّها اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى تملأ الفضاء، غير أنها لا تلقى السند الإعلامي والاهتمام اللاّزمين، في بلد تشعر بأن مؤسساته لا تحمل رؤية أو مشروعاً لثقافة حية.
أمّا عن سؤالنا حول رأيه في مهرجان الموسيقى التونسية الذي أقيم مؤخراً، فقد أجاب بأنه لا يُخفي امتعاضه الواضح من رفض الساحة الموسيقية التونسية أشكال التجديد: "كلّ شيء يراوح مكانه، كأن لا أمر تغيّر منذ عقود، كأن لا رغبة حقيقية في تحديث الرؤى والتوجّهات".
أجندة
بالإضافة إلى مشاركته في "كريشندو"، سافر زياد زواري منذ أيام قليلة إلى الدار البيضاء لإقامة فنية يشاركه فيها العازف التونسي حمدي مخلوف، العازفة حبيبة رياحي على آلة القانون وأمين بالها من المغرب في الإيقاع، وذلك في إطار مشروع تدعمه اليونسكو. سيقدم عزفاً حيّاً، يمكن مشاهدته على الإنترنت "جاز مغاربي"، مساء الجمعة 30 أبريل/ نيسان المقبل، الذي يتزامن مع اليوم العالمي للجاز.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com