شاهدت، كما شاهد الملايين حول العالم، احتفال مسيرة المومياوات والتوابيت لـ22 ملكاً فرعونياً (18 ملكاً و4 ملكات)، و17 تابوتاً فرعونياً تسير إلى مستقرّها الأخير في المتحف الجديد.
كان المهرجان مبهراً وجذب انتباه العالم في مشاهد تناغمت فيها كل الفنون، حينذاك تذكرت لماذا احتلت مصر عرش الفن السابع في العالم العربي كل هذه الفترة، وتفهّمت الذكاء الإعلامي والمجهود الفني في استغلال الحدث لرفع معنويات المصريين، بل العالم كلّه، في ظل موجات الجائحة التي تحتل صفحات الأخبار منذ نحو عام ونيف.
لكن بكل صدق، حزنت على وضع الفراعنة في أرض السودان، الذين انتهى بهم الأمر في المتاحف السودانية المنسية. أجدادنا الذين لم يزر مراقدهم المتربة إلّا عمال النظافة غير المتخصصين، "الخواجات" السيّاح وقلة قليلة من أبناء السودانيين العائدين من الشتات، الباحثين عن أجوبة لسؤال الهوية الذي ظل يؤرقهم لسنين.
بعد مشاهدة مسيرة المومياوات، حزنت على وضع الفراعنة في أرض السودان، الذين انتهى بهم الأمر في المتاحف السودانية المنسية. أجدادنا الذين لم يزر مراقدهم المتربة إلّا عمال النظافة غير المتخصصين، الخواجات السيّاح وقلة قليلة من أبناء السودانيين العائدين من الشتات
وبحكم العادة، كرسام كاريكاتير، دائماً ما أرى السخرية في كل موقف، وفي معظم الأحيان قد لا تكون تخيلاتي مضحكة إلا لي وحدي، على عكس ما يمكن أن يتصور البعض.
ولك أن تتخيل معي قبل سبعة آلاف سنة كم مصري قاد أو شارك في عصيان ضد فرعون وجنده، وكتب بالهيروغليفية على حيطان المدينة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وظل يحاول إقناع أصدقائه المتعايشين مع الوضع، بأن الآلهة لم تنصب عليهم فرعون بسبب قبح أعمالهم، أو لأنهم ببساطة "يستأهلون". تخيّله وهو يحاول إقناع والده أو عمه بأن الأهرام التي حصدت حياة أجيال أثناء تشييدها، قد بناها فرعون ليخلّد ذكراه فقط، وأنها لم تكن تقرّباً من الآلهة، ولا علاقة لها بالمصلحة العامة، لأن فرعون كان هو الإله الآمر الناهي. تخيّل شعورهم وهم يستمعون إلى فتاوى الكهنة في المعبد عن تحريم الخروج على فرعون.
تخيل كم شخص منهم اتُّهم بأنه من أتباع موسى، وكم شخص حاول قطع البحر بعد أن فقد الأمل في العيش بكرامة ولم يُسمع له حسّ بعدها.
تخيل هذا الخادم الفرعوني اليوم في حياته ما بعد الحياة، مع والديه وعمّه وبقية الخدم، يصفّقون ويصفّرون وهم متجمعون حول تلفاز في حياتهم الأخرى، يتابعون مهرجان نقل المومياوات.
تخيّل هذا الخادم الفرعوني اليوم في حياته ما بعد الحياة، مع والديه وعمّه وبقية الخدم، يصفّقون ويصفّرون وهم متجمعون حول تلفاز في حياتهم الأخرى، يتابعون مهرجان نقل المومياوات
يشاهدون رجلاً أنيقاً يستقبل المومياوات الملكية، من خلال خبرتهم الروحية السابقة، من سيكون هذا الرجل في اعتقادهم سوى الفرعون الجديد؟ لا بل سيكونون متأكدين في قرارة أنفسهم أن هذا الرجل هو الفرعون الجديد، وكلهم فخر بالمهرجان والبذخ والاحتفال بملوكهم، بينما رفاتهم في قبور مندثرة متواضعة، لا يهتم بها أحد ولا يحفل باكتشافها أو تخليدها.
فتخيّل معي...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون