انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.
هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.
نساء يحملن ملامح غربية، يهبطن من حافلة، ويحتضن مجموعة أخرى من النساء العربيات، اللواتي يرحبن بهن بحرارة، في جو يسوده الود والألفة والضحكات.
هكذا يبدأ الفيديو المصور الذي بثته صفحة اسرائيل بالعربي، والذي سنكتشف بعد لحظات أن أحداثه تدور في منطقة غور الصافي جنوب الأردن، وندرك أن ما نراه على الشاشة لا يعدو كونه حلقة جديدة من مسلسل التطبيع العربي الإسرائيلي المتسارع الأحداث والتفاصيل.
"يسلمو ايديك"
في منطقة وادي عربة باسرائيل تشكلت مبادرة "يسلمو ايديك"، وهي مبادرة يسعى القائمون عليها إلى تقديم تبادل الخبرات بين النساء في الدولتين لإنتاج وتصنيع الحِرف اليدوية والأقمشة والصوف بين الجانبين الاسرائيلي والاردني لتحقيق مكاسب مادية لهما، تسمح بتدشين تجارب جديدة وترسيخ التعاون بشكل أكثر استدامة، وذلك كله بتنسيق مع مؤسسة "الحلول الخضراء المتكاملة" التي تعنى بالمحافظة على البيئة. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والعمل على تقليل الانبعاثات الحرارية.
نايفة النواطرة، رئيسة "جمعية سيدات غور الصافي للتنمية الاجتماعية"، التي عقد فيها أحد هذه اللقاءات تحدثت لرصيف22 قائلة: "تلك الزيارة تمت دون علمي، وقد جرى استقبال الإسرائيليات من قبل أعضاء بالجمعية بشكل شخصي. وما أحب أن أؤكده هنا هو أن مشاركة نساء من جمعية سيدات غور الصافي في المشروع الإسرائيلي، لا يعني أن للجمعية علاقة بذلك، فبعضهن يترأسن جمعيات أخرى".
الاقتصاد مدخل التطبيع الذهبي
البعض يرى أن اختيار غور الصافي تحديداً لم يكن عشوائياً وإنما تم استغلالاً لكونها من أكثر المناطق فقراً في الأردن، وهو ما سهل تسلل التطبيع الإسرائيلي من خلال مشروع تعارفي إلى ربات منازل أردنيات.
"هي مجرد بقايا بيوت التي تستتر بها الأسر الفقيرة، لا تصلح للعيش، وتخلو من أبسط مقومات الحياة اليومية، فحتى أنبوبة الغاز لا توجد في غالبية البيوت، فالفقر يحيط بنا من كل جانب والبطالة مستمرة في الارتفاع"، هكذا يلخص أحمد الصالح وضع قريته في منطقة الغور الصافي.
ما أثارته واقعة المبادرة الإسرائيلية القائمة على التعاون بين النساء الإسرائيليات والأردنيات، وما صحب ذلك من غضب شعبي عارم، لا يمكن النظر اليها اردنية خالصة منفردة، دون ربطها بالسياق العربي العام
يقول الصالح (45 عاماً)، وهو صاحب محال لبيع المواد التموينية: "رغم تواضع عدد الأسر التي تتقاضى المعونة الشهرية، فإن الرقم لا يعكس حقيقة الفقر بالمنطقة، إذا ما عرفنا أن متوسط عدد أفراد الأسر بالقرية يتجاوز السبعة، وفي بعض الأسر يصل تعداد أفرادها إلى 10، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من أرباب الأسر، باتوا مطلوبين للجهات القضائية بقضايا مالية نتيجة خسارات متتالية أثناء عملهم بالقطاع الزراعي، وهذا ما يمنعهم حتى من المطالبة بأبسط حقوقهم أو التقدم للصندوق طلباً للمعونة، أو حتى البحث عن عمل".
أما فاطمة (43 عاماً) التي تسكن في منزل مع إبنتها، فتقول: "أتقاضى 40 ديناراً من صندوق المعونة الوطنية، وبالكاد تكفي لسد أثمان فواتير الكهرباء والماء وشراء الخبز، واضطر للعمل الشاق في هذا العمر المتقدم، كي استطيع تأمين متطلبات الحياة الأخرى من مأكل ومشرب"، مضيفة: "أعرف الكثير من النساء في مثل سني في البلدة ما زلن مضطرات للعمل".
محمد عبد الرؤوف، أستاذ العلوم السياسية يعلق قائلاً: "العامل الاقتصادي هو المدخل الأساسي لعملية التطبيع، والاقتصاد هنا لا يعاني الفقر فحسب، بل يشمل البحث عن توسع تجاري أو تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر. في مصر مثلاً، القطاع السياحي قطع أشواطاً كبيرة في التطبيع، فهل يمكن وصف القائمين على السياحة في مصر بالفقراء، كذلك الأمر بالنسبة للإماراتيين الذين سيستثمرون وفقاً للتصريحات الرسمية نحو 12 مليار دولار في إسرائيل".
التطبيع في العالم العربي
ما أثارته واقعة المبادرة الإسرائيلية القائمة على التعاون بين النساء الإسرائيليات والأردنيات، وما صحب ذلك من غضب شعبي عارم، لا يمكن النظر اليها اردنية خالصة منفردة، دون ربطها بالسياق العربي العام. فمنذ فترة وجيزة ثارت عاصفة في القاهرة على خلفية نشر الممثل المصري المعروف محمد رمضان صوراً له مع مطرب إسرائيلي، لتتعالى مطالبات بشطبه من النقابة، وإيقافه عن العمل، فضلاً عن موجة هجوم كاسح عليه على صفحات التواصل الاجتماعي.
الأمر نفسه تكرر في المغرب وفي السودان وفي بلدان عربية مختلفة، تتحرك فيها عملية التطبيع بسرعة متزايدة، وهو ما يواجه عادة بالرفض الشعبي العام، وصمت الحكومات.
"الاحتلال لم يجد وسيلة للترويج للتطبيع سوى عبر سيدات ينحدرن من مناطق تعاني الفقر وسوء الأحوال المعيشية، كما أن استغلال الوضع الاقتصادي الصعب لسيدات الغور، يعتبر أحد أشكال الاتجار بالبشر وكرامتهم، ومحاولة لإظهار جانب مزيف للاحتلال الغاشم، لتغطية جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الشقيق"
ردود غضب واسعة
أثار المشروع التطبيعي غضباً واسعاً في الأوساط الأردنية الشعبية، إذ عبّر ناشطون عن رفضهم القاطع لأي محاولة تطبيعية مع الاحتلال.
الناشط إبراهيم ساحوري، أكد لرصيف22 "أن الاحتلال لم يجد وسيلة للترويج للتطبيع سوى عبر سيدات ينحدرن من مناطق تعاني الفقر وسوء الأحوال المعيشية، كما أن استغلال الوضع الاقتصادي الصعب لسيدات الغور، يعتبر أحد أشكال الاتجار بالبشر وكرامتهم، ومحاولة لإظهار جانب مزيف للاحتلال الغاشم، لتغطية جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الشقيق".
وفي بيان، أوضحت حركة المقاطعة في الأردن "لا يمكن قراءة مشروع "يسلمو ايديك" إلا إنه يسعى، وما تم نشره من صور وفيديوهات، إلى تنميط المجتمعات في الأردن، وتأكيد تفوق المستعمر بصورة فجّة وتبني رواية الاحتلال بأنه واحة التطور في المنطقة، ويأتي للعطف على نسائنا، وهو عملياً شكل من أشكال فرض الهيمنة الثقافية عن طريق الاستحواذ على صناعة النسيج المرتبطة بهويتنا".
وبيّن البيان أن الهدف من هذا المشروع استغلال السيدات الأردنيات كأدوات للترويج للجانب الإسرائيلي والمجندات في جيش الاحتلال لإضفاء الطابع الإنساني ونزع صفة الاحتلال عن الجانب الإسرائيلي.
خلفية العلاقة بين الأردن وإسرائيل
يرتبط الأردن بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ العام 1994 وقد جرت في منطقة وادي عربة جنوب المملكة، وشمال إيلات وبالقرب من الحدود الإسرائيلية الأردنية. وهي المنطقة التي كان لمشروع "يسلموا إيديك" وجود فيها.
بعد الاتفاقية، فتحت إسرائيل والأردن حدودهما، وأقيمت عدة معابر حدودية سمحت للسياح ورجال الأعمال والعمال بالسفر بين البلدين. كما بدأ الإسرائيليون زيارة الأردن، وخصوصاً منطقة البتراء.
فضلاً عن توقيع اتفاقية الغاز العام الماضي وما صحبها من مناقشات حادة في الأوساط الأردنية.
وشهدت العلاقات الأردنية – الإسرائيلية مراحل شد وجذب خلال الآونة الأخيرة، بالأخص بعد الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، العام الماضي، بضم أجزاء من غور الأردن، وهي منطقة إستراتيجية تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية، في خطوة استنكرها العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، إلا أن اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل مع اشتراط التراجع عن الضم ساهم في تخفيف التوتر بشكل ملحوظ.
وسط أصوات محاولات حثيثة من قبل البعض لترسيخ فكرة تقبل التطبيع، وهي الأصوات التي تتناغم مع هرولة بعض الأنظمة العربية صوب اسرائيل، ما زالت الأغلبية من الشعوب العربية ترفض الفكرة، وإن حاول البعض تسويقها كأمر واقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.