لو عالسما انت طلعت/ یمكن أنا برتاح
لا بقیت انت ولا رحت/ وطیفك بقي ما راح
بنادي وینك ما تعبت/ لو تعبوا كل البشر
من أغنية "عائلات من أجل الحرية"
يتألف "Mute"، العمل التركيبي النحتي للفنان خالد بركة من تسعة وأربعين تمثالاً مصنوعاً على هيئة الحضور الإنساني، وبأحجام تقارب الجسد الإنساني.
في البيان المرافق للعمل، يطلق الفنان عليها لقب "الشخوص". ألبس الفنان هذه الشخوص ثياب ناشطين وناشطات تم جمعها من أنحاء الشتات السوري. وعلى صعيد التكوين الجسدي، تمّ فصل رؤوس التماثيل، وإعادة تركيبها على الأعناق بطريقة معكوسة. فنياً، تحيل هذه الشخوص على عدة قراءات متعلقة بهويتها.
يتألف "Mute"، العمل التركيبي النحتي للفنان خالد بركة من تسعة وأربعين تمثالاً مصنوعاً على هيئة الحضور الإنساني، وبأحجام تقارب الجسد الإنساني. في البيان المرافق للعمل، يطلق الفنان عليها لقب "الشخوص"
الشخوص المترقبة مع عائلات الضحايا
حباب وأهل أم وأخت/ نحن الأمل حابب صور
بنادي وینك ما تعبت/ لو تعبوا كل البشر
حباب وأهل زوجة وبنت/ نحن الأمل حابب صور.
تم عرض التركيب الفني للمرة الأولى في الأول من شهر يوليو الماضي، في مدينة كوبلنز الألمانية، مقابل المحكمة التي كانت تنظر في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سورية، وبسبب القيود الصحية المفروضة، لم تتمكن عوائل الضحايا والناشطين والناشطات السوريين والسوريات من متابعة المحاكمة من داخل القاعة، ومن هنا تأتي واحدة من الأفكار الملهمة للفنان لابتكار هذه الشخوص.
في الصورة (لميس الخطيب)، من "عائلات من أجل الحرية"
هي تعبّر عن تلك العائلات التي تتطلع لهفةً لتحقيق العدالة، لكنها محرومة في الوقت عينه من التواجد داخل القاعة. وقد أوضح الفنان خالد بركة في لقاء خاص مع رصيف22 أنه حتى ولو رُفع العائق الصحي ودخلت هذه العائلات إلى قاعة المحكمة، فإنها لن تتمكن من الإدلاء بآرائها أو التوضيح عن رغباتها، لأن الإجراءات القضائية لا تسمح بذلك، وقد تم ابتكار هذه الشخوص للتعاضد مع العائلات، وللتعبير عن المشاعر المتداخلة في بواطنهم من غضب، لهفة، انتظار، ترقب ورغبة في متابعة قضيتهم.
في الصورة (سيدرا الشهابي) من "عائلات من أجل الحرية"
إن الحالة الجامدة للتماثيل المنصوبة توحي للمشاهد بحالة الانتظار، الانتظار، الشعور المعقد الذي يتأرجح بين اليأس والأمل، بين الفاعلية والثبات، بين الإمكانية والإرادة المكتومة.
الشخوص المتضامنة مع الناشطين والناشطات
لما بسأل
لا تسألي لا تذكري/ ضو الأمل رح ینطفي
لا تندھي لا تنطري/ عتم السجن ما بیختفي
صوتَك یوصل
ضلي سألي، ضلي اذكري/ ضو الأمل ما بینطفي
ضلي اندھي، ضلي انطري/ عتم السجن رح یختفي.
يتضمن "Mute" أيضاً تحية للناشطين والناشطات في النضال لأجل القضايا الإنسانية، السياسية والثقافية في سورية، ذلك أن الملابس التي ألبسها الفنان للشخوص هي ثياب ناشطين وناشطات تم جمعها من أنحاء الشتات السوري. كذلك تشريحياً، تتخذ بعض الشخوص هيئة الهتاف أو الاعتراض أو التظاهر المعبر عنها بحركات ووضعيات الشخوص، مثل رفع الأيدي والأذرع.
إن الحالة الجامدة للتماثيل المنصوبة توحي للمشاهد بحالة الانتظار، الانتظار، الشعور المعقد الذي يتأرجح بين اليأس والأمل، بين الفاعلية والثبات، بين الإمكانية والإرادة المكتومة...
وهي هيئات نحتية ارتبطت بالأعمال الفنية التي دعت إلى الانتفاض السياسي، الفاعلية السياسية والنهوض الثوري، في بداية الحراك الثوري في سورية، نذكر منها منحوتات "مظاهرة، عاصم الباشا"، ومجموعة أعمال النحات خالد ضوا.
يضاف إلى ذلك أن الأمكنة التي اختار الفنان أن يعرض فيها عمله الفني، أمام قاعة المحكمة، ومن ثم أمام البرلمان الاتحادي في برلين، يضيف سمة الناشطية إلى هذه الشخوص. وإن كانت الشخوص في الإحالة الأولى أقرب إلى وجدانيات اللهفة والانتظار، فإن الشخوص في هذه الإحالة تميل إلى النقيض، إلى الفاعلية، وإلى الحركة أكثر منها إلى الثبات.
يعلن البيان الخاص المرافق للعمل بوضوح أن "Mute، كتم" كعمل فني مندرج في إطار فن الالتزام السياسي، حيث يوظف الفنان عمله، ويلبس شخوصه معاني القضايا التي يدافع عنها.
ذكر في البيان: "يردد هذا العمل مطالب حملة #سوريا_غير_آمنة لا يجوز إبعاد أي شخص إلى دولة تمارس التعذيب الممنهج، ولا تتحقق العدالة بإرسال مجرمين مثل إياد الغريب وأنور ر. إلى سوريا، بل يجب محاكمتهم في إطار نظام قضائي عادل ومستقل. المظاهرة الصامتة هي تذكير بأن محاكمة كوبلنز هي خطوة أولى نحو العدالة، وأن الترحيل إلى سوريا سيأخذنا مئات الخطوات في الاتجاه الآخر".
العلاقة المرآتية بين الحقيقي والفني
بیوم عیدك أنا نطرت/ وانت بعد ما جیت
تقلي أنا بدي كعك/ شاي ودفا بالبیت
یا ترى یبقى بالعمر/ لحظة لقا یاریت.
في العرض الذي قُدّم فيه العمل أمام مبنى محكمة كوبلنز، شاركت رابطة عائلة قيصر، بالإضافة لـعائلات من أجل الحرية في هذه المناسبة، كمُنَظَمتين سوريتين ناشطتين في مجال حقوق الأفراد الذين تم اعتقالهم، إخفاؤهم قسرياً، أو تعذيبهم من قبل النظام السوري، أو أحد الأطراف الأخرى المنخرطة في النزاع.
لما بسأل
لا تسألي لا تذكري
ضو الأمل رح ینطفي
لا تندھي لا تنطري
عتم السجن ما بیختفي
شاركت العائلات بمشاركة صور الأقارب المختطفين وقصصهم وشهادتهم الشخصية. في الصور الفوتوغرافية الملتقطة لهذه التظاهرة، نرى العائلات والناشطات يقفن إلى جانب الشخوص الفنية، هذا التجاور يخلق تضامناً بين كلا الطرفين، فالعائلات تمنح هذه الشخوص الصامتة صوتاً، والشخوص الفنية تعبر عن مشاعر أفراد العائلات.
إنه تجاور مرآتي بين الجسد السوري المناضل والجسد السوري الفني. في واحدة من الصور نلمح العلاقة المرآتية بين امرأة ناشطة وبين واحد من الشخوص الفنية، في تجاور على مستوى البورتريه. تنظر المرأة بعاطفية إلى التمثال الذي يبادلها المشاعر الوجدانية في الصورة. نشعر تبادل المشاعر بين الشخصية الحقيقية والشخص الفني.
الشخوص المختفية قسراً أو المغيبة
ألمي صار ھو الوقت/ من یوم لي اختفیت
یا ترى یبقى بالعمر/ لحظة لقا یاریت
أملي صار ھو الوقت/ من یوم لي اختفیت.
إن الخيار الفني بفصل رؤوس التماثيل، وإعادة تركيبها على أجسادها بطريقة معكوسة، تمنح هذه الشخوص الفنية إحالة إلى المغيبين والمخفين قسراً. الوجوه المغيبة لهذه الشخوص الفنية تذكر بالوجوه المغيبة قسرياً في سورية، بين الإخفاء، الاعتقال والاغتيالات، بالوجوه المجبرة على الاختفاء في العتمة. وكذلك الأفواه المقلوبة المكمومة للشخوص الفنية تذكر بالأصوات المخفية والآراء الممنوعة من التعبير والمقموعة.
الشخوص المغنية للحرية
في الفنون التي تتبنى مقولات الحرية، من المعروف أن الصوت هو تعبير عن الإنسان، عن الرأي: "علّي صوتك، ارفع صوتك". وفي الفيزياء، يعرف الصوت بأنه اهتزاز فيزيائي في المكان تسببه الذبذبات الهوائية الصادرة عن الحنجرة. وبالتالي، فإن الأصوات المطالبة بالتغيير أو بالعدالة أو بالمساواة هي تلك القادرة على خلق اهتزاز فيزيائي في المكان.
واحدة من التعابير التي كررت بشكل ملحوظ في بداية المظاهرات المطلبية في سورية، عبارة: "سمعت صوتي للمرة الأولى"، وكأن الصوت كان بلا معنى أو عبثياً قبل أن يعبر عن رأيه ويهتف بحريته. وعن موضوع الصوت، نضيف أخيراً أن من أنواع إصدار الصوت التي ابتكرها الإنسان وطورها يأتي الغناء.
يتضمن "Mute" تحية للناشطين والناشطات في النضال لأجل القضايا الإنسانية، السياسية والثقافية في سورية، ذلك أن الملابس التي ألبسها الفنان للشخوص هي ثياب ناشطين وناشطات تم جمعها من أنحاء الشتات السوري
فن ترنيم الكلمات للتعبير عن المشاعر أو عن الآراء كما هي عليه الأغنية التي نقتبس مقاطع منها، لتصبح المعادلة: "علّي صوتك بالغنى"، الأغنية الشهيرة التي ضمنها يوسف شاهين، في فيلمه لواحد من فلاسفة التنوير عند العرب، ابن رشد.
إضافة إلى الإحالات العديدة السابقة، أضاف الفنان خالد بركة، في الحديث الخاص معه، احتمالاً يتعلق بحركة تحطيم النصب والتماثيل في الساحات العامة في الولايات المتحدة وأوروبا، رفضاً للإشادة بالشخصيات التاريخية العنصرية أو الاستعمارية، ومن هنا يرى الفنان أن يمثل بديلاً لتمجيد الزعماء وقواد الحروب، بتماثيل وأعمال فنية عن الناس العاديين وقضاياهم، فعمله الفني يقدم شخوصاً لا تحيل إلى أشخاص بعينهم، بمقدار ما تحيل إلى قضايا، يقول الفنان في هذا الإطار:
"ألمي صار هو الوقت، أملي صار هو الوقت"
"في ظل موجة تحطيم التماثيل الاستعمارية، يأتي هذا العمل ليحتفي بالناس العاديين، بملابسهم العادية، بالملابس اليومية التي كانوا يرتدونها. هذا احتفاء الناس العاديين ودعوة لتحويلهم إلى نصب لجعلهم كرمز للمقاومة".
كما أن هذا العمل الفني هو محاولة لإيصال الصوت لكل القضايا المتعلقة به، فإن مقاطع الأغنية التي رافقتنا كلماتها على طول النص، تعود إلى عمل فني آخر يهدف لغاية مماثلة، وهو إعطاء الصوت للواتي يرغبن بالتعبير والغناء بمشاعرهن وقضيتهن. لقد تم إنجاز هذا العمل بعد عدة جلسات سرد قصصي مع عضوات حركة "عائلات من أجل الحرية" في لبنان، وسوريا، وتركيا، للتوصل إلى هذه الكلمات، التي تروي مونولوجاً في داخل كل امرأة تنتظر مغيباً قسرياً أو مخفياً بدون مصير معلوم.
في ظل موجة تحطيم التماثيل الاستعمارية، يأتي هذا العمل ليحتفي بالناس العاديين
وتعود أهميتها كون النساء اللواتي يعشن حال الانتظار، حال النضال في البحث عن مفقوديهن، وحال المشاعر والأحاسيس التي تترافق مع كل ذلك، هن اللواتي كتبن كلمات الأغنية التي نتلمس فيها إصراراً على البحث عن المفقود: "بنادي وینك ما تعبت، طیفك بقي ما راح"، وأمام الآراء المشككة بجدوى الانتظار والداعية إلى اليأس، تكرر المغنيات إرادتهن: "ضلي سألي ضلي ذكري، ضو الأمل ما بينطفي"، لتعبر الأغنية في النهاية بدقة عن التجربة القاسية اللواتي يعشنها بين الألم والأمل: "ألمي صار هو الوقت، أملي صار هو الوقت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين