شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"كم تمنّيت أن أموت"... ويلات سجون الأسد تنتظر لاجئي سوريا في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 23 مارس 202112:56 م

"اعتدى المحققون عليّ بالضرب، وأرغموني على الاعتراف بأنني كنت عضواً في جبهة النصرة وداعش، ثم أرغموني على البصم على تقرير (الاستجواب). لأنني كنت مكبلاً بالأصفاد ومعصوب العينين، أمسكوا بيدي من أجل البصمة"، ناصر، حُكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الانتساب إلى جماعة إرهابية.


"في اللحظة التي دخلت فيها الغرفة (مكتب الأمن العام في بيروت)، عرفت أنني أدخل إلى الجحيم... كانوا يضربونني والدم يسيل من فمي وهم يقولون لي إنني إرهابي ويجب أن أموت"، حسن، مصاب بالصرع قُبض عليه في عمر السادسة عشرة.


"قلت في نفسي: كم أتمنى أن يضربني (عنصر الأمن) على رأسي حتى أموت"، أحمد.


"تخيلت أختي وهي تتعرض للضرب ذاته. فقلت لهم سأوقع على أي تهمة"، كريم الذي قال إنه أجبر على "اعتراف" بعد تهديد المحققين له بإحضار شقيقته.


"قالوا ‘سنتسلى بك هذا المساء‘... كانوا يضربونني كل 30 دقيقة ويسمحون لي بالنوم دقيقة واحدة. مكثت هناك ثمانية أيام"، حسن.


هذه بعض الشهادات التي تضمنها تقرير لمنظمة العفو الدولية، منشور في 23 آذار/ مارس، مبيّناً أن العذاب ينتظر اللاجئين السوريين أينما ذهبوا. 


وثّقت المنظمة الحقوقية انتهاكات مروعة بحق 26 لاجئاً سورياً محتجزاً في لبنان باتهامات تتعلق بالإرهاب، مبرزةً أنهم عُذبوا باستخدام أساليب وصفتها بالـ"مروعة" ومستمدة من "أسوأ سجون الرئيس السوري بشار الأسد سمعةً".


عقب اندلاع الثورة السورية التي استحالت حرباً أهلية في 2011، فرَّ ملايين السوريين من قبضة الأسد الذي قابل ثورتهم الشعبية بالقوة القصوى. ويستضيف لبنان – منذ ذلك الوقت- نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري، وقد احتُجز المئات منهم بتهم تتعلق بالإرهاب أو الارتباط بجماعات مسلحة.


من الأشخاص الذين تواصلت معهم المنظمة، ستة محتجزين حالياً، و16 رجلاً وامرأتان احتجزوا سابقاً –مفرج عنهم حالياً- ورجلان اعتقلا مع ابنيهما المراهقين (15 و16 سنة) بين عامي 2014 و2021.  قالت المنظمة إنها وثقت أربع حالات اعتقال لأطفال سوريين (تراوح أعمارهم بين 14 و16 سنة) بتهم تتصل بالإرهاب.


وشدد التقرير المعنون: "كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان"، على أن جميع الحالات اعتقلت "تعسفياً" ولأسباب "غير ضرورية وجائرة وغير متناسبة ومبالغ بها".

باستخدام بعض أساليب التعذيب المستمدة من أسوأ سجون الأسد سمعةً مثل "بساط الريح" و"الشَّبْح" و"البلانكو"… اتهامات لمخابرات الجيش اللبناني بتعذيب لاجئين سوريين محتجزين تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب

على نهج "الأسد"

شملت أساليب التعذيب التي سردها اللاجئون السوريون وأربعة محامين لبنانيين مثلوهم: التعدي الجسدي مثل الضرب بالعصي المعدنية والكابلات الكهربائية والأنابيب البلاستيكية، والتعليق من القدمين والإرغام على أوضاع جسدية مُجهدة لفترات طويلة، والحرمان من النوم، والتعذيب النفسي كالإذلال. علاوةً على انتهاك إجراءات المحاكمة العادلة.


فيما لفت التقرير الحقوقي إلى "الانتشار الواسع للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة"، قال جميع الأشخاص إنهم تعرضوا للتعذيب خلال الاستجواب أو في الحجز، وإن ذلك استمر وتكرر في مركز مخابرات الجيش في أبلح (محافظة البقاع)، أو في مكتب الأمن العام في بيروت، أو في وزارة الدفاع في بعبدا (محافظة جبل لبنان).


كان لافتاً أن المحتجزين أبلغوا عن تعرضهم لبعض أساليب التعذيب المتبعة في السجون السورية، مثل "بساط الريح" حيث يُربَط المرء بلوح قابل للطي، و"الشَّبْح" عندما يُعلّق الشخص من معصميه ويتعرض للضرب، وطريقة "البلانكو" التي تتضمن تعليق الشخص طوال ساعات مع تكبيل معصميه خلف ظهره.


أفصح أربعة رجال على الأقل عن تعرضهم لضرب مبّرح أفقدهم الوعي، وقد كُسرت أسنان اثنين منهم.


أما باسل، فقال إنه تعرض لضرب مبرّح كل يوم على مدى ثلاثة أسابيع حتى تقيّحت جروحه، مضيفاً "ضربونا بأنابيب بلاستيكية من الحمّام على الظهر. وانتشرت على ظهري جروح فاغرة، وراحت تسوء جداً. وفي النهاية ظهرت ديدان بداخلها".

أحدهم تقيّحت جروحه حتى خرجت منها الديدان، وآخر ضرب على أعضائه التناسلية حتى تبوّل دماً طوال بضعة أيام، فيما أُرغمت لاجئة سورية على مشاهدة طفلها وهو يتعرض للتعذيب وأخرى على رؤية زوجها وهو يُضرب

وأبلغ أحمد عن أنه ضُرب على أعضائه التناسلية إلى أن أُغمي عليه. قال لاجئ محتجز آخر أن عنصراً أمنياً أصابه بجرح بليغ إثر ضربه على أعضائه التناسلية، حتى أنه ظل يتبول دماً لعدة أيام، مبيّناً أن العنصر قال له أثناء ضربه: "أضربك هنا حتى لا تستطيع الإتيان بمزيد من الأطفال إلى هذا العالم، كي لا يلوّثوا هذا المجتمع".


في بعض الحالات بدت "دوافع سياسية" وراء التعذيب. أفصح كريم، وهو صحافي احتُجز ثمانية أيام في مكتب الأمن العام، للعفو الدولية، أن المحققين اللبنانيين سألوه إذا كان يؤيد الرئيس السوري، وضربوه بقسوة أشد حين قال لا.


وقالت العفو الدولية إنه تبين لها أن الاتهامات المتعلقة بالإرهاب الموجهة إلى اللاجئين السوريين صدرت على أسس تمييزية، بما فيها الانتماءات السياسية، في 14 حالة من الحالات الموثّقة. وفي تسع حالات، عُدّ مجرد التعبير عن المعارضة السياسية للنظام السوري دليلاً يبرر الإدانات بتهم "الإرهاب".


إساءة معاملة تعرضت لها أيضاً لاجئتان سوريتان تواصلت معهما العفو الدولية، بما في ذلك التحرش الجنسي والإساءات اللفظية. أكد التقرير أن إحداهما أُرغمت على مشاهدة عناصر الأمن وهم يُعذّبون ابنها، والأخرى على مشاهدة زوجها وهو يُضرب.


انتهاك القانون والالتزامات الدولية

في حين قالت العفو الدولية إنه "لم يُجرَ أي تحقيق في أي من مزاعم التعذيب التي وثّقتها"، حتى حين أبلغ المعتقلون ومحاموهم عن التعذيب، أشارت إلى أن الحوادث تثبت انتهاك لبنان التزاماته الدولية والقانونية.


وأصدر لبنان قانوناً لمكافحة التعذيب عام 2017. لكنه "تقاعس بثباتٍ عن تطبيقه" وفق المنظمة.

وعلاوةً على التعذيب، حُرم جميع المحتجزين الذين وثّقت المنظمة حالاتهم من الاستعانة بمحامٍ خلال الاستجواب الأولي، مما يمثل انتهاكاً لقوانين لبنان المحلية، وللقانون والمعايير الدولية.

وذكر اللاجئون أنهم انتظروا عدة أسابيع للمثول أمام قاضي تحقيق بعد توقيفهم، وقد تأخرت المحاكمات مدداً وصلت إلى السنتين في تسع حالات، "في انتهاك صارخ للقانون الدولي".


يرصد التقرير عبر الشهادات اعتماد القضاة اللبنانيين على الاعترافات المنتزعة بالتعذيب، أو على أدلة استُمدت من مخبرين "غير جديرين بالثقة في أغلبية الحالات". واعتمدت أحكام الإدانة على "تهم غامضة وفضفاضة إلى حدّ لافت تتعلق بالإرهاب".


في 23 من أصل 26 حالة، حوكم لاجئون سوريون- بمن فيهم طفلان- أمام محاكم عسكرية، في انتهاك للمعايير الدولية التي تعارض محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.

تلقى المعارضون للأسد تعذيباً أشد… وفي تسع حالات، عُدّ مجرد التعبير عن المعارضة السياسية للنظام السوري دليلاً يبرر الإدانات بتهم "الإرهاب"

وفي ثلاث حالات على الأقل، صدرت أوامر بالترحيل القسري إلى سوريا، في إخلال بمبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين، بموجب القانون الدولي الذي يُحظر على دول اللجوء إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرض فيه فعلياً لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ونُفّذت أوامر الترحيل في حالة واحدة.


توصيات للبنان ومانحيه

من جهتها، عقّبت ماري فورستيي، الباحثة المعنية بحقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية، على التقرير الصادم بالقول إنه "يقدم لمحة سريعة عن المعاملة القاسية والمسيئة والقائمة على التمييز المجحف التي تمارسها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين، المحتجزين للاشتباه بهم بشأن تهم تتعلق بالإرهاب".

عنصر أمني لبناني أصاب لاجئاً سورياً معتقلاً بجرح بليغ بعد ضربه على أعضائه التناسلية قائلاً له: "أضربك هنا حتى لا تستطيع الإتيان بمزيد من الأطفال إلى هذا العالم، كي لا يلوّثوا المجتمع".

وأضافت أن اللاجئين الذين "فروا من الحرب والقمع والتعذيب في سوريا"، وجدوا أنفسهم "معتقلين تعسفياً، ومحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي في لبنان، حيث يواجهون العديد من الأهوال نفسها التي تحدث في السجون السورية".


ونبهت إلى أن "الانتهاك الصارخ من جانب السلطات اللبنانية لحق اللاجئين السوريين في الإجراءات القانونية الواجبة قد شكّل استهزاءً بالعدالة، ففي كل مرحلة بدءاً من التوقيف، مروراً بالاستجواب والحجز، انتهاءً بالمقاضاة في محاكمات جائرة، ضربت السلطات اللبنانية عرض الحائط تماماً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان".


ودعت فورستيي السلطات اللبنانية إلى أن "تبادر على الفور إلى تطبيق قانون مكافحة التعذيب الذي أصدرته، واحترام الواجبات المترتبة عليه... ويجب على لبنان أن يضمن إجراء تحقيقات فعالة في مزاعم التعذيب، ومساءلة أولئك المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات المروّعة".


في ختام التقرير، طالبت العفو الدولية الحكومة اللبنانية بوضع حد للاحتجاز التعسفي للاجئين السوريين بتهم الإرهاب، وأيضاً للتعذيب والمعاملة السيئة في مراكز الاستجواب والاحتجاز. كما حثتها على التمسك بواجباتها في ضمان محاكمات عادلة تحترم القانون الدولي، وتوفير الحماية المطلقة للاجئين السوريين من الترحيل القسري إلى سوريا.


وخاطبت الجهات الدولية المانحة للبنان أن تدعو الحكومة هناك إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين السوريين المعتقلين تعسفياً، وضمان عدم تعرض جميع اللاجئين السوريين لسوء المعاملة أو التعذيب ثانيةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image