شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
جَمَل الحَبُّوني وقَتّالة نويقة النّبي السّبعة

جَمَل الحَبُّوني وقَتّالة نويقة النّبي السّبعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 مارس 202105:31 م

في المخيال اللّيبيّ الشّعبي، تتضافر أسطورة ناقة النّبيّ بخُرافةٍ بطلتُها حشرة السّرعوف "فرس النّبيّ"، التي تحمل الاسمَ ذاته في اللّهجة اللّيبيّة: "نويقة النبي". يُعيد جَمَل "الحَبُّوني" الذي نحرته ميليشيا من مدينة "الزّاوية"، خيالَ اللّيبيّين إلى ناقة النّبيّ صالح المذكورة في القرآن. لكنّها تذكّرهم أيضًا بناقة البسوس التي كانت سببًا في اقتتال أبناء العمومة. فهل سيكون نحر جمل الحبّوني – الذي بدا حدثًا هامشيًّا – ذا أبعادٍ فارقةٍ على المشهد اللّيبي؟

تبدأ الحكاية من مدينة "امساعد" أقصى شرق السّاحل اللّيبيّ، يقرّر شابّ بسيط ينتمي إلى قبيلة الحَبُّون البدويّة أن ينطلق غربًا في مسيرة سلميّة سيرًا على القدمين مارًّا بكلّ مدن السّاحل هدفه العاصمة طرابلس، التي تبعد عن نقطة انطلاقه أكثر من 1600 كيلومتر. بعد المئات الأولى من الكيلومترات ينتبه الشّارع اللّيبيّ تدريجيًّا إلى مبادرته التي قصد بها مدّ يد السّلام للجانب الغربيّ بعد سنوات اقتتال مريرة كان قطباها شرق البلاد وغربها. في الوقت الذي يصل فيه إحدى المدن يمنحه بعض الأهالي جَمَلًا ليكون مركوبَه في هذه الرحلة الدّراميّة، وفي الوقت ذاته يجلس الفُرَقاء إلى طاولة المفاوضات بعد وقف إطلاق النّار، وتقود بعثة لأمّم المتّحدة جهودًا لوقف كامل للاقتتال وتوحيد حكومتَي الشّرق (الحكومة اللّيبيّة المؤقّتة)، والغرب (حكومة الوفاق الوطنيّ)، في حكومة واحدة (حكومة الوحدة الوطنيّة) التي من المفترض أن تقود اللّيبيّين إلى الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر 2021.
بين ثنائية النّبيّ صالح وناقته وعاقريها، ونبيّ الحكاية اللّيبيّة و"نويقته" وقَتَّالتها، يحضر الآن الحبُّوني وجمله وناحروه. ويبدو لنا الذّهنَّ اللّيبيّ الآن مُدَرّبًا لتحديد مراتب مكوّنات الخبر الأخير
يغدو جمل الحبّوني رمزًا للسّلام وللعبث ومادة خصبة للكوميديا والتّراجيديا. تنتشر النّكات والميمات والفيديوهات المُركّبة، وتنتشر قصائد المدح والذّم والإعجاب والسّخرية، ولا يبدو أنّ الحَبُّوني يكترث لكلّ هذا بل يسير دون انقطاع رفقة جمله الذي أطلق عليه اسم "رفيق السّلام". تنجح حكومة الوحدة الوطنيّة في نيل الثّقة من مجلس النّوّاب في الشّرق الذي يجتمع في مدينة "سرت" منتصف السّاحل اللّيبيّ في مشهد رمزيّ لعودة التّوازن، وتستلم مهامها رسميًّا من حكومة الغرب في مشهد رمزيّ آخر يُحيل إلى توزيع مصادر الثّقة بين الشّرق والغرب.

 يصل الحبّوني ورفيقُه الجمل إلى وسط السّاحل بعد مسار طويل وترحيبات وقلق على صحّة الجمل بعد تداول شائعات حول مروره بوعكة صحيّة. يخرج الحبّوني في بثّ مباشر على فيسبوك مطمئنًا الأهالي على صحّة الجمل وأنّه يتعافى وبات جاهزًا للعودة إلى رحلته. في مساء 23 أذار/مارس 2021 يعلن شقيق الحبّوني عن فقد الاتصال به، وينتشر فيديو لأفراد يسلخون الجمل في مشهد بدا للوهلة الأولى أنّه مزحة لغرض استفزاز المتعاطفين. لكنّ المزحة لم تكن مزحة؛ كانت المشهد الأوّل من حكاية "قَـتَّالة نويقة النّبي السّبعة".
ناقة النّبيّ في المخيال اللّيبيّ ليست بالضّبط ناقة، إنما مجاز يحيل إلى مقدّس. لقد مثّلت حشرة السّرعوف هذا المقدّس في الحكاية المعروفة، ولهذا استحقّ قاتلوها أن تحلّ بهم لعنة النّبيّ.
يغدو جمل الحبّوني رمزًا للسّلام وللعبث ومادة خصبة للكوميديا والتّراجيديا. تنتشر النّكات والميمات والفيديوهات المُركّبة، وتنتشر قصائد المدح والذّم والإعجاب والسّخرية، ولا يبدو أنّ الحَبُّوني يكترث لكلّ هذا بل يسير دون انقطاع رفقة جمله الذي أطلق عليه اسم "رفيق السّلام"
تبدأ الحكاية بمشهد نحر حشرة السّرعوف "نويقة النبي" من سبعة حيوانات مارقة باتت ملعونة في الثّقافة اللّيبيّة، هي: الجرانة (الضّفدعة)، الفَكْرُونة (السُّلَحْفاة)، بوبريص، الحرباء، بودقيقة (عثّ اللهب)، أمّ بريمة (طائر محلّي)، بوعمايا (الخُلد). ثم تقتسم هذه الحيوانات مهام طبخ السّرعوف المقدّس، تُكَلَّف الضّفدعة بجلب الماء من الغدير، والسُّلَحْفاة بجلب القصعة، والبوبريص بالملح من الكهف، والحرباء بالحطب من الغابة، وعثّ اللهب بأن يقبس نارًا، وأمّ بريمة بأن تجيء بالبرمة (القِدْر)، والخلد بحفر حفرة (البُو مَرْدَم) للطبّخ. يغضب النّبيّ وينزل عليها عذاب الله، تُحبَس الضّفدعة في الغدير عقوبةً لها، وتلتصق القصعة بظهر السُّلَحْفاة، ويُحبس البوبريص في الكهف، والحرباء في الغابة، ويحوم العثّ حول اللّهب ويسقط فيه كل مرة، وتخنق البرمةُ عنقَ أمّ بريمة، ويصاب الخلد بالعمى منحبسًا تحت الأرض.

بين ثنائية النّبيّ صالح وناقته وعاقريها، ونبيّ الحكاية اللّيبيّة و"نويقته" وقَتَّالتها، يحضر الآن الحبُّوني وجمله وناحروه. ويبدو لنا الذّهنَّ اللّيبيّ الآن مُدَرّبًا لتحديد مراتب مكوّنات الخبر الأخير. فالحَبُّوني الآن - في أذهان المتعاطفين - في مرتبة نَبيّ سَلام، وجملُه مُقدّس، ولا بدّ أن تحلّ اللّعنة على قَتَّالته الذين أعلنوا كفرهم برسالته، في واقعة قد تبدو جانبيّة لكنّها قابلة لأن تحمل المشهدَ اللّيبيَّ في أيّ اتجاه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image