شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
فوضى في الصومال... واستخدام السلطة لقوات درّبتها تركيا يهدد بإعادة البلاد إلى التسعينيات

فوضى في الصومال... واستخدام السلطة لقوات درّبتها تركيا يهدد بإعادة البلاد إلى التسعينيات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 25 مارس 202111:00 ص

ما بدا خلال العقد الأخير من استقرار نسبي وتداول سلمي للسلطة في الصومال، تبيّن أنه وضع هش، وسيناريو الانهيار وعودة الحرب الأهلية يلوح في أفق سماء مقديشو.

انتهت ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو في السابع من شباط/ فبراير الماضي، لكنه لا يزال يرفض تسليم السلطة، أو إجراء انتخابات جديدة، ما دفع المعارضة للخروج إلى شارع، فتفاجأت بقمع احتجاجاتها بالرصاص الحي.

القوات التي تطلق النار على المحتجين تنتمي إلى لواء غورغور الذي تدرّبه تركيا. وتداول الصوماليون صوراً تظهر مدرعات عسكرية تركية الصنع تنتشر في شوارع مقديشو لقمع الاحتجاجات.

لمحة تاريخية

لفهم المشهد السياسي الصومالي، ينبغي العودة إلى عام 1991، حينما تمت الإطاحة بالديكتاتور العسكري المدعوم من الاتحاد السوفياتي وابن عم الرئيس الحالي، سياد بري، من الحكم، بعد حرب أهلية أدت إلى انهيار الحكومة وتفكك الجيش، ومنذها تخوض البلاد محاولات فاشلة متكررة لإعادة بناء الدولة.

كانت أول إدارة أعادت مظهراً من مظاهر النظام إلى العاصمة هي "اتحاد المحاكم الإسلامية"، عام 2006، لكن سرعان ما أطاحت بها القوات الإثيوبية المدعومة من الولايات المتحدة، بسبب انزعاجها من طابعها الإسلامي، ومزاعم أديس أبابا بأنها تحتضن إرهابيين.

تجمع عدد من فلول المحاكم الإسلامية، وشكلوا حركة الشباب، وهي فرع من تنظيم القاعدة، وتسيطر على جزء كبير من الريف الصومالي وتنفّذ هجمات في العاصمة مقديشو بشكل متكرر.

لم تُجرِ الصومال انتخابات مباشرة منذ عام 1969، أي قبل أكثر من ثلاثة عقود من ولادة معظم الصوماليين الحاليين. ومع ذلك، بدا أنها تسير على المسار الصحيح في عام 2017، عندما أجرت انتخابات "غير مباشرة"، إذ انتُخب أعضاء البرلمان من قبل مندوبين اختارهم حوالي 14000 من شيوخ العشائر.

واختار النواب بدورهم الرئيس محمد فرماجو الذي وعد بإجراء انتخابات مناسبة في عام 2020، لكن مسؤولي الانتخابات ألغوا في العام الماضي تلك الخطة، بداعي انتشار فيروس كورونا وتزايد تهديد حركة الشباب الأمني.

وبدلاً من ذلك، سعى فرماجو إلى تعزيز سلطته من خلال تهميش خصومه واستخدام قوات الأمن ضد المعارضين.

المشهد الحالي

يماطل الرئيس الصومالي المنتهية ولايته في إجراء الانتخابات، وذلك في محاولة لتمديد ولايته، كما فعل بعض أسلافه. ورفضت المعارضة تأجيل الانتخابات، ودعت إلى تنظيم احتجاجات سلمية في وسط مقديشو، لكن المشاركين تعرضوا لإطلاق نار كثيف.

يقول الباحث المختص في شؤون القرن الإفريقي إبراهيم ناصر لرصيف22 إن فرماجو يتذرع بالتحديات الأمنية والاقتصادية والصحية من أجل تأجيل الانتخابات، كي يطيل فترة حكمه ويقوي أركان نظامه لإعادة انتخابه.

ويضيف أن المشهد السياسي في الصومال يتشكل من محورين: الأول، تكتل فرماجو؛ والثاني هو تكتل "مرشحي مجلس الرئاسة"، ويتكون من 14 عضواً، وهم سياسيون سابقون أشهرهم الرئيس السابق حسن شيخ محمود والرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، ويحركون الشارع ضد الرئيس الحالي.

ويلفت إلى أن القوى الدولية هي مَن تشكل المشهد السياسي الداخلي في المقام الأول، وكل التكتلات الداخلية تستند إلى دول إقليمية.

ويشير إلى أن إثيوبيا من أكثر الدول النافذة في المشهد السياسي الصومالي وهي تدعم فرماجو، بينما تميل الولايات المتحدة إلى دعم الرئيس السابق حسن شيخ محمود الذي يترأس رئيس حزب السلام والتنمية، في وقت يحظى الشيخ شريف شيخ أحمد، الذي دعمه عضو جماعة الإخوان المسلمين المقيم في قطر يوسف القرضاوي لتولي رئاسة الصومال عام 2009، بدعم إماراتي وسوداني.

وتصف وسائل إعلام موالية للإمارات، كموقع "المرجع"، شيخ أحمد بأنه "صوفي الهوى"، ويواجه "الإرهاب القطري"، كذلك تمنحه محطتها مثل "سكاي نيوز عربية" التي تبث من أبوظبي مساحة إعلامية لافتة.

وتقيم الإمارات قاعدة عسكرية في أرض الصومال (صوماليلاند)، وهي أحد الأقاليم الصومالية التي أعلنت نفسها جمهورية وتسعى للحصول على الاستقلال، ما أسفر عن تدهور العلاقات بين مقديشو وأبوظبي. وتدهورت هذه العلاقة أكثر بعدما وقّعت موانئ دبي العالمية، وهي شركة إماراتية، اتفاقيات مع حكومة أرض الصومال وحكومة بونتلاند (أرض البنط)، وهي ولاية أخرى أعلنت استقلالها، لتطوير موانئها وإدارتها، دون موافقة حكومة فرماجو المركزية.

وقال ناصر إن هنالك محوراً آخر تدعمه قطر وتركيا، ويتمثل في رجل الأعمال ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري الذي يحمل الجنسية النرويجية، وأُقيل من منصبه في العام الماضي.

وعلى غرار الإمارات التي أعلنت عن استثمارها في موانئ صومالية استراتيجية، أعلنت تركيا أنها ستنقّب في المياه الصومالية الممتدة في المحيط الهندي.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، بدأ الصوماليون يتحدثون عن أسباب مساندة أنقرة لمقديشو لبناء جيش حديث، مشيرين إلى أن تركيا تستغل وجودها في الصومال لأهداف استراتيجية إقليمية.

في الثامن آذار/ مارس الحالي، كتب الناشط الصومالي عمر جمالي على تويتر: "على الرغم من أن الشعب الصومالي يرى في القاعدة العسكرية التركية في الصومال دعماً لجيش الصومال الضعيف للتغلب على المسلحين وحماية سيادة البلاد، فإن تركيا ترى في الصومال مكاناً يمكنها فيه الضغط على الدول الخليجية المنافسة من خلال الإشراف على منطقة باب المندب الاستراتيجية".

قوات غورغور

حينما أعلنت تركيا، عام 2017، افتتاح قاعدة عسكرية في الصومال، قالت إنها تهدف لتدريب العسكريين الصوماليين، مشيرة إلى أنها قادرة على استيعاب 1500 متدرب.

مع مرور الأشهر، بدأ العسكريون الذين دربتهم تركيا ينخرطون في لواء القوات الخاصة "غورغور - النسور"، أما رجال الأمن فالتحقوا بوحدة شرطة خاصة "هرمعد - فهد".

"جنود غورغور يحملون العلم التركي على صدرهم بينما زملائهم في لواء داناب المدربين من قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا لا يظهرون أي علم أمريكي على زيهم العسكري"

لا يتعدّى عدد عناصر وحدة غورغور خمسة آلاف جندي مزودين بأسلحة وذخائر تركية، ويسافرون إلى أنقرة حيث يتلقون تدريبات إضافية.

في التاسع من آذار/ مارس 2021، وصلت مجموعة من الجنود المنتمين إلى لواء غورغور من تركيا، وكان في استقبالهم كبار القادة العسكريين.

يصف رئيس ولاية بونتلاند، في شمال شرق الصومال، غورغور بالقسوة، مؤكداً أنها لم تفعل شيئاً في محاربة حركة الشباب التي قطعت الطرق المؤدية إلى أقرب المدن إلى مقديشو.

ويتخوف القادة العسكريون من أن يؤدي استخدام فارماجو لإحدى وحدات الجيش إلى إثارة النعرات القبلية بين صفوف العسكريين، ما يؤدي إلى تفكك الجيش، وهو أمر يخدم مصلحة حركة الشباب.

في تصريحات لوكالة رويترز في 19 شباط/ فبراير الماضي، قال العقيد أحمد عبد الله شيخ، الذي خدم لمدة ثلاث سنوات، حتى عام 2019، كقائد لوحدة "داناب" (البرق) الصومالية التي دربتها الولايات المتحدة: "الجيش يتحلل والعديد من القوات على ما يبدو تعود إلى الولاءات العشائرية".

وأضاف: "هذه فوضى. لم يعد هنالك أي هيكل قيادة… أخشى أن يترك العديد من قوات الجيش الوطني الصومالي قواعدهم ليأتوا ويشاركوا في القتال، ما يعطي المزيد من الأرض لحركة الشباب. إن المكاسب التي تحققت على مدى عقد من الزمن قد تضيع".

وينتمي فرماجو إلى قبيلة دارود القوية، بينما تنتمي معظم وحدات الجيش في مقديشو وحولها إلى قبيلة "الهوية" المرتبطة بشكل وثيق بائتلاف المعارضة.

في 21 شباط/ فبراير الماضي، تحدث رئيس بونتلاند سعيد عبد الله ديني، الذي يُعد واحداً من أكثر القادة السياسيين فاعلية، عن الوضع الحالي في الصومال. وحذر من أن سلوك فرماجو وتسامح المجتمع الدولي تجاهه قد يعيد الصومال إلى فوضى التسعينيات.

يتخوّف قادة عسكريون من أن يؤدي استخدام الرئيس الصومالي المنتهية ولايته لإحدى وحدات الجيش المدرّبة من تركيا إلى إثارة النعرات القبلية بين صفوف العسكريين، ما يؤدي إلى تفكك الجيش، وهو أمر يخدم الجماعات الإرهابية

وجادل ديني بأن فارماجو يسعى إلى استخدام قوات غورغور التي تدرّبها تركيا في قمع المعارضة، مؤكداً أنه لن يستسلم ولديه قوات تحميه. وأشار إلى أنه منذ أن تولى فرماجو منصبه، لم تقاتل القوات الخاصة الصومالية سوى المعارضين السياسيين وليس جماعة الشباب الإرهابية، مع أنها تشكلت لمواجهتها.

ويشتكي العديد من الناشطين الصوماليين من استخدام فرماجو لقوات غورغور ضد المتظاهرين، مشيرين إلى أن هذا يقوّض مفهوم الجيش الوطني برمته ويضعف ثقة الناس به.

يرد المدافعون عن السياسة التركية على هذه الاتهامات بأن الأتراك بدأوا في تدريب القوات الصومالية حينما كان شيخ شريف وحسن شيخ في السلطة، ولم يكن فرماجو في المشهد السياسي، ويقولون إن هذه القوات والمعدات التي حصلت عليها من أنقرة ملك للشعب الصومالي وحكومته.

من جانبه، يقول رئيس مركز الدراسات الإفريقية في جامعة إينونو إسماعيل سويلميز إن تركيا تدعم بشكل قوي الصومال، ودعمت الحكومة دائماً، ولذلك سيكون لها تأثير اقتصادي وعسكري كبير على الانتخابات الصومالية.

وأضاف لرصيف22: "يمكنني أيضاً القول إن تركيا لن ترتكب خطأ دعم جانب واحد. على الأقل لغاية الآن. وبصفتها شريكاً استراتيجياً للغاية للصومال، فإن لديها الكثير لتفوز به من خلال ارتداء زي الوسيط بين الجانبين بدلاً من دعم طرف واحد".

ويشير سويلميز إلى أن تركيا تدعم "الحكومة" الصومالية و"الشعب" الصومالي، ولا تفرّق بين الأحزاب أو الأشخاص.

قوات داناب

بينما يكثر الكلام عن وحدة غورغور المدرّبة في تركيا، هنالك قوة أخرى مماثلة لم تذكر المعارضة أنها تدخلت لقمع المحتجين على تمديد رئاسة فرماجو وهي "داناب" (البرق) التي تحظى بتدريب أمريكي في القاعدة المتمركزة في جيبوتي.

تم تأسيس هذه الوحدة من قبل شركات غربية عسكرية الخاصة، لكن في العامين الماضيين، يبدو أن الولايات المتحدة استحوذت على زمام الأمور إذ تُظهر الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي عسكريين أمريكيين يقودون عناصر "داناب" في القتال ضد حركة الشباب وخدمة المدنيين.

وتظهر الصور أيضاً صوماليات يتلقين على تدريبات ضمن واحدة "داناب" إلى جانب المقاتلين الرجال على يد عسكريين غربيين.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام الصومالية تشير إلى الاختلافات بين غورغور وداناب.

في تغريدة نشرها موقع "غاروي أونلاين"، وهو موقع إخباري صومالي، في التاسع من آذار/ مارس 2021، جاء: "جنود غورغور يحملون العلم التركي على صدرهم بينما زملائهم في لواء داناب المدربين من قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا لا يظهرون أي علم أمريكي على زيهم العسكري".

تواجه الحكومات الغربية التي تدفع معظم ميزانية الحكومة الصومالية، "معضلة"، بحسب تقرير نشرته مجلة إيكونوميست البريطانية في 13 آذار/ مارس، وهي أن الرئيس المنتهية ولايته بدا لفترة طويلة أكثر حرصاً على التمسك بالسلطة من بناء الديمقراطية، ففي عام 2019، طرد كبير مبعوثي الأمم المتحدة، واقترب أكثر من إريتريا و"ديكتاتورها" أسياس أفورقي الذي تُكال له انتقادات غربية عنيفة.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن الحكومة تحقق بعض التقدّم، إذ يحترم المانحون رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري الذي عُزل من منصبه في تموز/ يوليو 2020، وكذلك وزير المالية عبد الرحمن دعاله بيله.

واستمال الاثنان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واستوفيا شروط الإعفاء من جميع الديون الخارجية للصومال تقريباً، والبالغة 5.3 مليارات دولار، وذلك بعدما نجحا في حذف رواتب الموظفين "الوهميين" الذين يتقاضون رواتبهم لكنهم غير موجودين.

وعام 2018، بدأت الصومال في الحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 1991، استثمر المجتمع الدولي أكثر من 50 مليار دولار في البلاد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard