نحو 15 مليون دولار تجنيها شهرياً حركة الشباب المتشددة في الصومال عبر "مدفوعات غير طوعية" من المواطنين الذين يضطرون إلى ذلك بـ"التخويف والعنف"، وبما يضاهي أو يفوق ما تجنيه السلطات الرسمية في البلاد.
توصل إلى ذلك معهد هيرال، المتخصص في دراسات وتحليل الشؤون الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، مبرزاً أن أكثر من نصف هذا المبلغ يأتي من العاصمة الصومالية مقديشو.
في البلد المنهك اقتصادياً حيث تخوض الجماعة المسلحة قتالاً ضد الحكومة منذ أكثر من عقد من الزمن، تقوم بعض الشركات بدفع الأموال لكل من المسلحين والحكومة المعترف بها دولياً.
وبينما تسيطر الحركة بشكل أساسي على جزء كبير من جنوب الصومال ووسطه، فإنها تبسط نفوذها أيضاً على مناطق تسيطر عليها الحكومة المتمركزة في مقديشو.
على عكس الحكومة الصومالية، فإن حركة الشباب "تدر فائضاً مالياً كبيراً" نتيجة زيادة الأموال التي تجمعها سنوياً في حين تظل تكاليفها التشغيلية ثابتة إلى حد ما، وفق تقرير "هيرال" الذي يستند إلى مقابلات مع أعضاء الحركة المتطرفة ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين وغيرهم.
وحشية وتهديد
سلّط التقرير الأمني الضوء على "الطريقة الوحشية" التي يجمع بها "الشباب" الأموال من سكان الريف. ولفتت إلى أن "الخوف والتهديد الحقيقي لحياتهم هما الدافع الوحيد الذي يجعل الناس يدفعون أموالاً لحركة الشباب".
في مناطق سيطرتها وخارجها... حركة الشباب الصومالية تفرض "الإتاوات" على المواطنين والشركات بـالتهديد والعنف وإما الدفع أو القتل أو الإجبار على ترك البلد
نظراً لعملها كجهة شبه حكومية، تعد "الشباب" الكيان الوحيد في البلاد الذي يجمع الإيرادات في بعض المناطق الريفية حيث تفرض الضرائب على الثروة الحيوانية والمحاصيل وحتى على استخدام الموارد المائية.
في مناطق سيطرة الحركة، وحدهم يستطيع المزارعون الذين يدفعون المال مقابل الري استخدام الأنهار والقنوات لري حقولهم. "اشتكى مزارع أنه أُجبر على دفع ضرائب تشغيل لجراره حتى عندما كان خارج الخدمة بسبب مشاكل فنية"، وفق التقرير.
علاوةً على السكان، تدفع جميع الشركات الكبرى الأموال للجهاديين، سواء على شكل مدفوعات شهرية أو سنوية، وهو ما تطلق عليه "زكاة" بنسبة 2.5% من أرباحها.
ويشكو رجال الأعمال في مناطق سيطرة الحكومة الصومالية اضطرارهم إلى دفع أموال لكل من المسلحين والحكومة، بما في ذلك رجال أعمال موجودون في مقديشو وفي مدينتي بوساسو وجوهر. يحدث ذلك أيضاً في مدينتي كيسمايو وبايدوا الواقعتين كذلك خارج مناطق سيطرة المتشددين، لكن بدرجة أقل.
بالنسبة إلى الحكومة، يعد الميناء البحري في مقديشو "مصدراً رئيسياً" للإيرادات. غير أن الجهاديين "يفرضون ضرائب" على الواردات عبره، علماً أنهم يحصلون على بيانات سفن الشحن من مسؤولين في الميناء.
وفيما يعتبرهم أهدافاً مشروعة، يدفع العديد من موظفي الحكومة قسطاً من رواتبهم لحركة الشباب، آملين أن تتركهم وشأنهم. وفي مناطق سيطرة الحكومة، تلقى موظفون حكوميون اتصالات من المسلحين، طالبين منهم المال.
أما في مناطق سيطرة الحركة، فيتوجه الجهاديون المكلفون تحصيل الأموال مباشرة إلى الشركات ويطالبون بالمدفوعات.
العسكر يخشونها أيضاً
ليس الموظفون أو المواطنون وحدهم الذين يرضخون ويدفعون. روى قائد عسكري في الجيش الصومالي كيف "أرسل أموالاً إلى الشباب رغم أنه يقاتل الجماعة".
كان ذلك بعد وقف أعمال بناء منزله. قال القائد العسكري: "اضطررت أخيراً إلى الاختيار بين التخلي عن أعمال البناء ودفع أموال لحركة الشباب"، متابعاً "للأسف، دفعت لهم 3600 دولار أمريكي واكتمل بناء بيتي".
رصد التقرير مراقبة الجهاديين عن كثب لقطاع العقارات المزدهر في الصومال، بالتوازي مع قطاع الواردات.
في مدينة كيسمايو الساحلية الجنوبية، قال وكيل عقارات إن المسلحين تواصلوا مع زميل له و"أمروه بدفع مبلغ غير قابل للتفاوض" وذلك "في ضوء تفاصيل المعاملات التي أجروها"، مشدداً على أنهم "يدفعون بالضبط ما طلبته حركة الشباب".
ليس الموظفون أو المواطنون فقط الذين يرضخون ويدفعون. روى قائد عسكري في الجيش الصومالي كيف أرسل أموالاً إلى "الشباب" رغم أنه يقاتل "الجماعة" ليستطيع استكمال بناء منزله
"الدفع أو القتل"
اتفقت المصادر التي استند إليها التقرير على أن "دفع الضرائب لحركة الشباب ليس عملاً طوعياً"، وأن الدافع الأول وراءه هو الخوف، مبرزين أن من يرفض الدفع يتعرض للقتل أو للإجبار على إغلاق أعماله التجارية والفرار من البلاد.
في غضون ذلك، يعتقد البعض أن الأمر يستحق الدفع بحجة أنهم يتلقون خدمات في المقابل ولأنه -بعكس الحكومة- يستطيع المسلحون توفير درجة من الأمان.
يقول أصحاب هذا الرأي: "الضرائب المدفوعة عند نقاط التفتيش التابعة لحركة الشباب تضمن مروراً آمناً عبر منطقة الحركة وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وينشط فيها المسلحون".
ويشرح التقرير تفصيلاً كيف يحل الجهاديون الخلافات بين رجال الأعمال وينظمون عمليات تصدير بعض المنتجات مثل الليمون.
ختاماً، أوضح معهد هيرال أن الطريقة الوحيدة لمنع المسلحين من الحصول على الأموال بهذا الأسلوب هي تحسين الوضع الأمني، بحيث يطمئن رجال الأعمال والمواطنون إلى استمرار حياتهم من دون خوف أو تدخل من "الشباب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...