في 19آذار/ مارس من كل عام، اعتادت الدولة المصرية الاحتفال بعيد استرداد "طابا" الواقعة أقصى جنوب الشريط الحدودي بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها آخر بقعة نجحت مصر في استردادها من بين أنياب السيادة الإسرائيلية عن طريق التحكيم الدولي.
لسنوات طويلة، عدّت مصر استرداد طابا نقطة انتصار مهمة تستأهل الاحتفال، إلا أن هذا الاحتفال ظل خفوته يتناسب مع اتساع مساحة الدفء بين إدارة الحكم في مصر وأصدقائها في الدولة العبرية حتى صار "يوم طابا" نسياً منسياً.
في ثمانينيات القرن الماضي، عقب استرداد تلك البقعة السياحية الشهيرة التي تعد مقصداً رئيساً ورخيصاً للسياحة الإسرائيلية في مصر، كان الوضع مختلفاً. كانت برامج التلفزيون المصري قبل عصر الفضائيات تدعو الشباب للاتجاه إلى سيناء لتعميرها، وبقيت أغنية "عايزينها تبقى خضرا الأرض اللي في الصحرا" وجبة يومية، يحفظها تلاميذ المدارس ويرددونها إلى جانب النشيد الوطني في بعض الأحيان. وظل حلم "تخضير سيناء" بعيداً رغم تخصيص الدولة مليارات الجنيهات لما يزيد على ثلاثة عقود لأجل هذا الهدف. إلا أن اللونين الأصفر والبني وظليهما، ظلا متسيدين على أرض شبه الجزيرة التي تصل مصر الإفريقية بآسيا، وبدا أن الحلم يبتعد في حين تخطو مصر للتموقع في قائمة الدول التي تعاني الشُح المائي، بينما يرعى الإرهاب في أراضي سيناء.
إلا أن مجموعة من المهندسين الهولنديين، لديهم الأمل، ولا تنقصهم الخطة لإحياء الحلم المصري المنسي.
يقول المهندس الهولندي للغارديان: "قيل لنا إن عبدالفتاح السيسي ليس مجرد رئيس، بل هو بمثابة إله في مصر. موافقته تعني كل شيء. فإن لم يكن عازماً على مساعدتنا، فإننا قد فشلنا بالفعل".
التجربة الصينية
بعدما شهد المهندس الهولندي فان دير هوفن مؤسس شركة "صانعي المناخ" Weather makers نجحت تجربة تحويل هضبة لويس الصينية الجرداء إلى مساحة من الأراضي الخضراء الصالحة للزراعة، فكر المهندس الهولندي وزملاؤه في أن يكرروا المشروع نفسه في شبه جزيرة سيناء، التي كانت تكسوها الغابات قبل 4500 عام أو يزيد. لهذا قدموا المشروع إلى القيادة السياسية والعسكرية المصرية تحت مسمى "إعادة تخضير سيناء"، وهو ما كشفت عنه صحيفة الغارديان في تقرير نشرته في 20 آذار/ مارس الجاري.
ويعتقد أصحاب المبادرة أن نجاح مشروعهم قادر على تغيير المناخ في مصر وطبيعة التربة في سيناء خلال عقدين من الزمن، مستندين في ذلك إلى تجربة خاضها عالم صيني بدعم من البنك الدولي، حوّل خلالها هضبة صخرية جرداء إلى منطقة مزارع خصبة.
ظل حلم "تخضير سيناء" بعيداً رغم تخصيص الدولة مليارات الجنيهات لما يزيد على ثلاثة عقود لأجل هذا الهدف. إلا أن اللونين الأصفر والبني وظليهما، ظلا متسيدين على أرض شبه الجزيرة
في 2016 شاهد هوفن مع صديق له فيلماً وثائقياً حول هضبة لويس الصينية. في ذلك الوقت – تقول الغارديان- كانت الهضبة الصينية تشبه سيناء المصرية: جافة وجرداء. شاهد المهندس كيف أدت خطوات بسيطة كإعادة تدوير المياه وزراعة أشجار على الأطراف وخطوات أخرى كانت كافية لأن تحول الهضبة الجرداء إلى أرض خصبة، وتغير من مناخ شمال الصين حيث تقع الهضبة في غضون عشرين عاماً. وسرعان ما تذكر المشروع الذي عمل عليه في سيناء قبل عامين – في 2014- حين أسند إلى المهندس الشاب مهمة تطهير بحيرة البردويل، أهم وأنقى البحيرات المالحة المصرية الواقعة قرب العريش في شمال سيناء، وتعميقها، بعدما فرض الجيش المصري سيطرته على الشريط المتاخم للبحر المتوسط في المحافظة الحدودية خلال مواجهاته مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
"في قاع البحيرة التي تستمد مياهها من البحر المتوسط مباشرة وتنتج أفضل وأجود الأسماك البحرية في مصر ترقد تربة خصبة تساوي ملايين الدولارات"، قال فان هوفن، وأضاف: "هذه التربة، على ملوحتها، صالحة كبذرة لاستزراع أراضي سيناء التي تسيطر التربة الرملية على شمالها، بينما تحتل جنوبها الجبال الوعرة".
عكس اتجاه الحكومة
لم تكشف الغارديان في تقريرها المسهب عما انتهى إليه اجتماع فان هوفن مع الحكومة المصرية، التي تعلن منذ عهد السادات بشكل متواصل نيتها تعمير سيناء وتنميتها دون إتمام أي من خطواتها في هذا الاتجاه حتى النهاية.
لكن اللافت أن مشروع فان هوفن يطرح في وقت يشكو المصريون من عملية تجريف واسعة للأراضي الخضراء في المدن والريف تحت مسمى "التطوير".
يعتقد أصحاب المبادرة أن نجاح مشروعهم قادر على تغيير المناخ في مصر وطبيعة التربة في سيناء خلال عقدين من الزمن، مستندين في ذلك إلى تجربة خاضها عالم صيني بدعم من البنك الدولي، حوّل خلالها هضبة صخرية جرداء إلى منطقة مزارع خصبة.
وبرغم أن الحكومة المصرية تعهدت في 2019 – مع بداية حملتها التي واجهها غضب شعبي- إعادة زراعة المساحات الخضراء المجرّدة، احتلت بعد مرور سنتين أشكاك بيع الأطعمة والمشروبات مساحات الحدائق والأشجار المزالة، بينما تجري إزالة حدائق عامة ومصادرة أراض زراعية تاريخية في مختلف أنحاء الجمهورية لصالح بناء مشروعات سكنية.
ولا يشكل شح المياه في مصر تهديداً لمشروع فان هوفن. إذ يعتمد مشروعه على رفع مياه البردويل، والاعتماد على الأنابيب الإسموزية (المحفورة في التربة) لتنقيتها والاعتماد عليها، وتالياً على مياه المتوسط، في ري الأرض. وبدأ مع مجموعته في Weather makers دراسة أنواع النباتات والأشجار القادرة على تحمّل الملوحة كي يتم استزراعها بسيناء في إطار المشروع.
كما سيعتمد المشروع على تقنية توظيف للطبيعة في تنقية المياه تدعى Eco machine، وتعتمد على حفر سلسلة من البحيرات الصغيرة تمر فيها المياه المستخدمة في الاستزراع، فتستهلكها الأسماك والبكتيريا والطيور والكائنات الدقيقة والصغيرة الموجودة في التربة، فتخفف من ملوحتها وتضيف إليها مخصبات طبيعية، مما سيسهم في تحلية المياه إلى حد معقول، يفيد في الاستزراع دون تكلفة كبيرة تستدعيها عادة مشاريع التحلية الكبرى.
بحسب تقرير الغارديان، لم تسفر اللقاءات بين مجموعة هوفن ومسؤولي الحكومة والجيش المصريين عن نتيجة حاسمة. وترى الغارديان أن المشروع متعلق بموافقة فرد واحد، هو الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي لا يبدو أنه قد اتخذ قراره بعد.
تعرف المجموعة العاملة مع هوفن ذلك، ويقول المهندس الهولندي للغارديان: "قيل لنا إن عبدالفتاح السيسي ليس مجرد رئيس، بل هو بمثابة إله في مصر. موافقته تعني كل شيء. فإن لم يكن عازماً على مساعدتنا، فسنفشل بالفعل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه