لم تمنع جائحة كورونا محبي الصورة والتصوير من حضور فعاليات "أسبوع القاهرة للصورة" الذي أنعش الوسطَ الثقافي في القاهرة منذ افتتاحه في الـ11 من مارس الحالي. معارضُ وندوات وورش ومسابقات، تشارك فيها أسماء لامعة لمصورين حول العالم. من أمريكا وفرنسا وبنغلادش وأبو ظبي وغيرها، إضافة لمصورين مصريين، شكّل الملتقى جسراً بينهم، يتبادلون الخبرات والرؤى فيما هو متعلق بالصورة.
"Depth of field" شعار أسبوع القاهرة للصورة، هو "عمق المجال"، أحد أهم مفاهيم التصوير الفوتوغرافي، التي على المصورين إتقانها، يتحكمون بها عبر فتحة الكاميرا وعوامل أخرى تجتمع لتحدد "المسافة بين أقرب الأشياء وأبعدها في الصورة والتي تبدو واضحة بشكل معقول". هذا هو التعريف العلمي للمصطلح، وكأنه إشارة للمسافة التي باتت تحدَّد بين الأفراد على صورة الحياة الكاملة في ظل الجائحة.
أسبوع القاهرة للصورة ملتقى يجمع محبي الصورة والتصوير مع فنانين بصريين من مصر والعالم، في مساحات عديدة من القاهرة الخديوية
تؤكد فينوس الريّس حماسة جمهور الملتقى والفنانين المشاركين، وكان قد أُجّل العام الفائت بسبب كورونا، تضيف لنا أن غير القادرين على الحضور يمكنهم متابعة الفعاليات عبر البث المباشر الافتراضي.
فينوس الريّس، مسؤولة العلاقات العامة في PHOTOPIA فوتوبيا، المدرسة الراعية لـ"أسبوع القاهرة للصورة". فوتوبيا واحدة من علامات التغيير بعد ثورة يناير 2011، عندما قررت مروة أبو ليلى التخلّي عن مجال الاقتصاد واتباع شغفها بالتصوير، فأسّست مدرسة تقدم خطة تدريس شاملة حول التصوير، الخطوات البدائية للتصوير، جميع أنواع التصوير، تقنيات التصوير وآلياته ومصطلحاته. تؤكد الريّس أنه منهاج متكامل يؤسس لعلاقة متينة مع العدسة ومع المحيط والطبيعة أيضاً.
لوحة ليحيى العلايلي
من أزمان أخرى
يقدم يحيى العلايلي، وهو مصور مختص بالطعام، ورشاً في فوتوبيا، ويشارك في "أسبوع القاهرة للصورة"، عبر لوحات كان قد جمعها في كتاب حمل عنوان "مذكرات المطبخ" أصدره بالتعاون مع Photobook Egypt.
مخرطة ملوخية تقليدية، حافظات توابل قديمة، مفارم لحمة يدوية، فرّامة بطاطس يدوية، فتاحات زجاجات العصير والنبيذ وغيرها من الأدوات، كانت مواضيع للوحات تفيض بالدفء والحنين، يغلب على الصور طابع "الفانتج" الذي يتوافق مع التيمة الأساسية له، مراعياً أن تحتوي كل صورة عنصراً واحداً كفيلاً بجذب الناظر والسفر به إلى أزمان وأجواء غير موجودة اليوم.
"رغم السكون الذي أحاط العالم السنة الفائتة غير أن العدسة لا تزال قادرة على نقل الحياة، والصورة لا تزال قادرة على الإدهاش"
الكتاب مقسّم إلى أربعة أجزاء (أدوات المطبخ، والقهوة، والشاي، وأدوات السفرة)، سبق كلَّ واحد منها عرض موجز له وحكايته عبر التاريخ، يؤكد العلايلي أنه قد جمع الأدوات من محلات الأنتيكا، بياعين الروبابيكيا ومن ربات البيوت القديمة وشارع الحسين.
من كتاب مذكرات مطبخ للمصوّر يحيى العلايلي
يؤكد المصور المصري البريطاني لرصيف22 أن "الموائد في الماضي كانت أكثر انتظاماً وحميمية بغض النظر عن الوضع المادي للأسر، الأمر الذي يظهر عبر الصور". يستعد قريباً لإطلاق إصدار آخر عن الطعام في الشرق الأوسط.
يعتبر العلايلي أن "أسبوع القاهرة للصورة" مساحة ثرية وممتعة لتلاقي الفنانين من مختلف البلدان والأطياف، "ما يعطي إحساساً بأن الحياة تعود إلى طبيعتها، بعد السكون الذي أحاط الجميع خلال السنة الفائتة".
يحيى العلايلي، مصور مصري بريطاني جمع أدوات المطبخ القديمة في كتاب "مذكرات المطبخ" ويعرض صوره الآن في أسبوع القاهرة للصورة
في أحد شوارع القاهرة الخديوية، وغير بعيد عن صور يحيى العلايلي، كان معرض "مصور غزة كيغام... فتح الصندوق" يقدم مجموعة من أعمال المصور الأرمني كيغام جغليان، الذي استقر في غزة بداية أربعينيات القرن الماضي، ووثّقت عدسته تفاصيل حياة الغزاويين، أفراحهم وأحزانهم ولحظاتهم الفارقة، ثم وثّق تهجير الفلسطينيين عام 1948، وما تلاه من أحداث ونكبات ومجازر.
من لوحات يحيى العلايلي
كيغام جغليان الحفيد، يحمل ذات الاسم ويسير على ذات الخطى، فنان ومدرس للفنون البصرية يقيم في مصر، بحث في أرشيف جده وقدم في المعرض عدداً من صوره لغزة التي لا تشبه حالها اليوم.
قوة الصورة
مصورون من اختصاصات عدة قدموا محاضرات خلال الملتقى، استضافتها مساحة روابط في وسط البلد، كان منهم شمايم Shamayim، مصور أمريكي من أصل أفريقي متخصص في الموضة والإعلانات. قدم محاضرة حول تجربته وتقنيات تصوير الأزياء، الإضاءة ومكونات الصورة والعلاقة بينها، تشكيل التكوين والأبعاد والزوايا، وكيفية التعبير عن المزاج والحالة العاطفية للصورة.
صورة من معرض كيغام
عمل Shamayim مع مجلات وحملات إعلانية في دول عديدة، منها فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، جنوب أفريقيا ودول أخرى. نال جوائز عدة وظهرت أعماله على مجلات عالمية للموضة منها ELLE وVOGUE.
من أمريكا أيضاً حضرتMaggie Steber ماجي ستيبر، مصورة تعمل في مجلة ناشونال جيوغرافيك National Geographic في نسختها الأمريكية، لديها مخزون من القصص الإنسانية والثقافية والاجتماعية، روتها عبر عدستها التي جالت فيها 64 دولة حول العالم، تواصلت مع الناس وعاشت تفاصيلهم، فاستحقت جوائز عدة، أهمها جائزة مؤسسة الصحافة العالمية والجائزة الدولية للتصوير الصحفي من Leica Camera AG. صورها كائنة على جدران الكونغرس ومكتبة ريختر، وعلى صفحات مجلات عالمية منها National Geographic وNew York Times وThe Guardian، ولها أبحاث وكتب عديدة.
كيغام جغليان، مصور أرمني استقر في غزة بداية أربعينيات القرن الماضي، ووثقت عدسته تفاصيل حياة الغزاويين، أفراحهم وأحزانهم ولحظاتهم الفارقة
صورة من معرض كيغام
هذه التجربة الثرية روتها في محاضرة تخلّلت "أسبوع القاهرة للصورة"، وتحدثت فيها عن القوة الكامنة للتصوير، وكيف للصورة أن تختصر حياة كاملة وتستمر في قدرتها على الإدهاش. و"رغم السكون الذي أحاط العالم في السنة الفائتة، غير أن العدسة لا تزال قادرة على نقل الحياة عبر التركيز على تفاصيل صغيرة من حولنا وفي البيت، تفاصيل وأشياء صغيرة لكنها تحكي حكايات كبيرة".
صورة من معرض كيغام
يجمع فنانون من حول العالم على أن جائحة كورونا غيرت مفاهيم العرض الفني، وخلقت فضاءات جديدة للبث، غير أن الالتقاء المباشر مع الأعمال الفنية لايعوضه أمر آخر، هذا ما يؤكده جمهور "أسبوع القاهرة للصورة"، وقول الفنان المصري عادل السيوي: "العرض الفني هو مساحة تتواجد فيها الأعمال الفنية، يتوجه الناس لرؤيتها بشكل مباشر ويتنقلون بينها بحرية، وليس من وراء الشاشات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون