شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كلّ شيء قابل للانفجار... والشعب اللبناني سيكون في الداخل

كلّ شيء قابل للانفجار... والشعب اللبناني سيكون في الداخل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 14 مارس 202102:51 م

يوم أمس، كانت ذكرى ولادة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، يوم أمس أيضاً وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 12500 ليرة لبنانية، الرقم الأعلى منذ بداية الانهيار الاقتصادي.

وبدأت الأسئلة البديهية بالظهور: كيف سنأكل؟ كيف سنتنقّل؟ كيف سنحافظ على مصالحنا؟ كيف سنتعامل مع هذا الخوف الذي وصل إلى قمّته، بحيث إن أجساد الناس وعقولهم باتت غير قادرة على احتمال كل هذا القلق والتفكير باليوميات؟ 

 في العام 2017، وفي مقال نُشر تحت عنوان "أيام مع محمود درويش"، كتب الباحث فوّاز طرابلسي، عن حصار بيروت 1982، وأخبرنا أن درويش ألّف قصيدة "مديح الظلّ العالي" في فندق "كاڤالييه" المتفرّع من شارع الحمرا. في القصيدة التي كانت قيد الإنشاء أثناء الحصار، والتي "هيّأها كلها لبيروت"، كتب درويش: 

لا شيء يطلعُ من مرايا البحرِ في هذا الحصارِ

عليكَ أن تجدَ الجسدْ

في فكرة أُخرى، وأن تجد البلدْ

في جُثَّةٍ أخرى، وأن تجد انفجاري

في مكان الانفجار...

حصار 2021

خرج الشعب اللبناني خلال الأسبوع الماضي لمواجهة الحصار الاقتصادي والمعيشي المفروض عليه في الشارع، والوسيلة الوحيدة المتبقية أمامه هي الاحتجاج، إقفال الطرقات، التظاهر أمام بيوت المسؤولين، إطلاق مسيرات تجوب الطرقات الرئيسية والفرعية في كل المناطق، من صور وصيدا وصولاً إلى بيروت وطرابلس، ونصب الخيم في الساحات. كل هذه الأفعال تشير إلى عودة الناس إلى الشارع، والسبب الرئيسي هو ارتفاع سعر صرف الدولار.  

تشرح نور نفّاع (28 عاماً) أنها لم تعد تراقب سعر الصرف، لأنها خسرت مدخّرات 3 سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية وحجز المصارف على أموالها. هذه الأموال كانت وسيلة نور للرحيل عن لبنان إلى كندا، وتقول: "أعيش مثلي مثل الجميع حصاراً فرض عليّ من الداخل، أنا محبوسة في هذه البلاد لأن أموالي سُرقت. ففي الوقت الذي صرت أملك فيه الإقامة الكندية لم يعد بإمكاني الذهاب، لأن وضعي المادي لا يسمح لي". 

يشرح عليّ أنه علق 3 ساعات على الطريق بهدف الوصول من بيروت إلى صيدا، ويبكي الرجل في مقابلة على التلفزيون، لأنه لا يستطيع الوصول إلى جلسته الأسبوعية "لغسل الكلى". ينام روبير قسيس في شارع الحمرا، ويمد يده للناس من أجل الطعام، ويقول: "في الأيام العادية وأثناء الحركة، كان الطعام متوفّراً كل يوم. حالياً ومع الإقفال التام، قد أقضي يوماً كاملاً دون لقمة خبز".

"في حصار الـ82 الذي وقع على بيروت، كتب درويش: 'أينما وَلَّيْتَ وجهكَ...كلُّ شيء قابلٌ للانفجارِ'. حينها كان العدو واضحاً، بأسلحته وببزاته. اليوم، العدو واضح أيضاً، لكننا لا نطاله، ولا نستطيع الدفاع عن أنفسنا أمامه، لأنه داخلي"

وباء كورونا ووباء سعر الصرف  

في هذا الحصار، الشعب الذي لا يعيش في القصور، بل يملك أفواهاً ليطعمها، دخل في مرحلة التخبّط مع الواقع ومحاولة التعلّق بقشّة في الهواء. كل من يعيش في لبنان ولا ينتمي إلى الطبقة الميسورة، صار يدرك أن الانهيار التام لم يحلّ علينا بعد، وأن الآتي أعظم، وبالتالي، صار من السهل انتظار الوقوع في قعر الهاوية، من أجل تقبّل وفهم حجم الكارثة التي يتم التعامل معها، ومحاولة الخروج منها أو التعوّد عليها، لأن لا مخرج أمام الناس. من هرب من البلد هرب، ومن بقي تمّ حصاره، وبالتالي وصول الانهيار الكامل أصبح أسهل من ترقّبه. 

أعلنت وزارة الصحة يوم أمس عن 56 حالة وفاة و3523 إصابة جديدة بكورونا في لبنان. في أي بلد عادي كانت لتشكل هذه الأرقام رادعاً عن الخروج من المنزل إلى العمل، لكن هذا السيناريو لا ينطبق على لبنان. 

يشرح يوسف (38 عاماً) وهو صاحب محل لبيع الهواتف في الجنوب، أنه التزم بالحجر المنزلي العام الماضي، لكنه مع الإقفال التام الذي فُرض في الأشهر السابقة، صار يفتح محلّه بالسرّ لكي يسترزق، يقول يوسف: "حين أصبت بفيروس كورونا، لم يكن لدي خيار البقاء في المنزل، في اليوم التالي قصدت محلّي الصغير وفتحته، ليس لأني غير واع، أو كما تصفنا مقدمات نشرات الأخبار، بل لأن ابنتي بحاجة لأن تأكل. وبين الموت من الجوع أو الموت من الوباء، لم يعد يعنيني الأخير".

جلس يوسف في محله، لفّ نفسه برداء عازل، منع زبائنه من الدخول، لكنّه عمل. مدخراته صرفت كلّها خلال العام الماضي، زوجته فقدت عملها، وهو المعيل الوحيد حالياً. ولذلك على الرغم من مرضه، فُرضت عليه العودة إلى العمل.

"الدولة لا تؤمّن لنا شيئاً، الأسعار صارت خيالية، حين أنظر إلى الأرقام لا أستوعب كم صارت كبيرة، والدولة تهدّدنا مجدّداً بالإقفال التام. نعم إنه تهديد لحياتنا ولأرواحنا. نحنا هيك هيك عم منموت، يفتحوا البلد ويخلّونا نشتغل". 

تسكير بيوت الوزراء والنواب

يوجّه المتظاهر نداء واضحاً من خلال مقطع فيديو بثّه من بعلبك: "شباب، التوجّه هلق عبيت الوزير حسين الحج حسن فوراً، نحنا هلق رايحين نسكر عندو بالبيت، هيدا تسكير الطريق مش عم نستفيد منو شي، أهم شي نسكّر بيوت الوزراء والنواب، اللي عنّا بالمنطقة، اللي هني أكتر شي فاسدين بالمنطقة".

وفي المقابل يقول منير (اسم مستعار) أنه لم يعد يبالي بأي حراك، وأن الفقراء هم من يجب أن يدفعوا الثمن، ويشرح: "هم من انتخبوا هذه السلطة التي فجّرتنا وأوصلتنا إلى هذه المرحلة، ونحن من ندفع الثمن بسببهم. حاولنا عبر السنوات أن نوجد بديلاً وفشلنا. ما وصلنا إليه اليوم، يتحمّل الشعب وحده مسؤوليته. ونحن، الذين حاولنا أن نغيّر، نعاني بسبب خياراتهم، ولذلك لا بأس من أن يحصدوا اليوم نتيجة خياراتهم".

"كان القتل على الهوية، لكننا تجنّبنا الحواجز. اليوم لا نرى، ولا مكان للاختباء، انفجر كل شيء فينا ونحن في الداخل. محاصرون نحن بالمرض، بالانهيار، بالمصارف، بالسلطة، وبحدود البلد"

كل شيء قابل للانفجار

في حصار الـ 82 الذي وقع على بيروت، كتب درويش أيضاً: "أينما وَلَّيْتَ وجهكَ...كلُّ شيء قابلٌ للانفجارِ".

حينها كان العدو واضحاً، بأسلحته وببزاته. اليوم، العدو واضح أيضاً، لكننا لا نطاله، ولا نستطيع الدفاع عن أنفسنا أمامه، لأنه داخلي. تقول زينب زايد (63 عاماً): "كان بإمكاننا رؤية المجازر في الخارج، ومعرفة أماكن اختبائنا لكي ننجو، كان لدينا كهرباء. كان الرصاص يلعب لعب، لكننا رأيناه، وابتعدنا عنه. كان القتل على الهوية، لكننا تجنّبنا الحواجز. اليوم لا نرى، ولا مكان للاختباء، انفجر كل شيء فينا ونحن في الداخل. محاصرون نحن بالمرض، بالانهيار، بالمصارف، بالسلطة، وبحدود البلد. يتحدّثون عن المبادرات الخارجية، لكن من يكترث لنا في ظل أزمة عالمية غيرت كل معالم الحياة؟".

نعود إلى الخوف غير الموجّه إلى شيء محدّد، والمحرِّك في الوقت عينه لكل شيء. المؤسسات التجارية تحتكر الطعام، الكهرباء ستنقطع نهائياً، جرائم القتل تسيطر، السوق السوداء تتحكم بحياتنا، مبادرات السياسيين الفاشلة ولقاءاتهم التي لا تنتهي لا تصل لنتيجة واحدة مفيدة. ونعود إلى الشارع، حيث ستكشف الأسابيع القادمة كيفية سير الأمور، وحيث يحاول الناس مجدّداً، كما فعلوا بالـ 2019، أن يحدّوا من الانهيار الشامل الذي يقولون إنه سيطال الجميع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard