حين شاهدت مسلسل "اللعبة" لأول مرة العام الماضي، والذي انتهى الجزء الثاني منه قبل أيام وتم الإعلان عن جزئه ثالث، لنجميه شيكو وهشام ماجد، قلت سيعودان أخيراً للدراما التي تحتاج إلى كوميديا مختلفة بعد تجربتهم الوحيدة "الرجل العناب" (2013)، وتوقف تجربة "الكبير أوي" لأحمد مكي عام 2015.
انحيازي لـ"شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي"، قبل أن ينفصل الأخير عنهم، لم يكن إلا نتاج متابعة أعمالهم الفنية لأكثر من 10 سنوات استطاعوا فيها خلق كوميديا جديدة تلبي احتياجات جيلي الذي بحث عن ضحكة مختلفة بعد أن أصبحت الكوميديا السائدة لا تثيره.
أتوقف الآن عند "شيكو"، الذي يمكنني القول بضمير مستريح إنه استطاع أن يغيّر النظرة الفنية للكوميديانات أصحاب الوزن الزائد. فيصبح حلقة مفصلية بين من سبقوه ومن سيأتون بعده. وقبل توضيح كيف حدث هذا، أوضح كيف تم توظيف الكوميديان "التخين" في السينما والتلفزيون.
فالمتابع لحقبتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أي منذ نشأة السينما المصرية يستطيع ملاحظة أن الكوميديان صاحب الوزن الزائد تم توظيفه فنياً من خلال جسده فقط، وبطريقة تنمرية بامتياز، والمقصود بالتوظيف أن يعتمد السيناريو على "جسد الممثل" ولا يمكن أن يؤديه سوى فنان صاحب وزن زائد.
إحسان، التي تعد أول نماذج "الكوميديان التخين" على الشاشة، تم حصرها في أدوار الزوجة "القوية والقبيحة" التي يهرب منها الرجال بسبب وزنها
ويمكن اعتبار الفنانتين إحسان الجزايرلي وماري منيب نموذجين على ما أقول. فـإحسان، التي تعد أول نماذج "الكوميديان التخين" على الشاشة، تم حصرها في أدوار الزوجة "القوية والقبيحة" التي يهرب منها الرجال بسبب وزنها (فيلم لو كنت غني). أما ماري منيب فتم حصرها في دور الحماة الشريرة وبالطبع القبيحة التي يهرب منها الرجال بسبب وزنها (فيلم حماتي ملاك)، وبعيداً عن تلك الثيمة، لم يتم استخدام الفنانتين في أي سياق فني آخر.
استمر هذا التوظيف حتى ستينيات القرن الماضي. وحين دخلت فرقة ثلاثي أضواء المسرح إلى الشاشة، ومن خلال أبرز نجومها "جورج سيدهم"، أضيف إلى صورة الكوميديان صاحب الوزن الزائد توظيفاً آخر في ظهوره على الشاشة وهو جائع طول الوقت ويلتهم الطعام بصورة "مقززة" أحياناً، إلى جانب حركات استعراضية قائمة على "هز الكرش" والنفور منه باعتباره ليس وسيماً، وهو الدور الذي قام به سيدهم في كثير من أعماله.
أما دخول يونس شلبي في سبعينيات القرن الماضي فأضاف بعداً ثالثاً للكوميديان صاحب الوزن الزائد، يتمثل في السذاجة وبطء الفهم؛ وهو النمط الذي قدّمه يونس على مدار مشواره الفني الطويل.
ومنذ تلك اللحظة، اعتمدت السينما والتلفزيون على تقديم "الكوميديان التخين" إما قبيحاً يهرب منه الجميع، أم ساذجاً بطيء الفهم، أو جائعاً طوال الوقت ولا يتحدث سوى عن الطعام. ويمكننا قياس تلك النماذج الثلاثة على كافة "الكوميديانات" أصحاب الوزن الزائد سواء كانوا أبطالاً أم أصحاب أعمال ثانوية.
اعتمدت السينما والتلفزيون على تقديم "الكوميديان التخين" إما قبيحاً يهرب منه الجميع، أم ساذجاً بطيء الفهم، أو جائعاً طوال الوقت
أما من أراد التمرد على تلك الصورة فلجأ إلى تغيير ثوبه الفني من خلال البعد عن الكوميديا أصلاً، كالفنان ماجد الكدواني الذي بدأ مشواره كممثل كوميدي في نفس النمط، لكنه سرعان ما هرب من التنميط بتقديمه ألوان غير كوميدية مثل فيلم "هيبتا" و"تراب الماس". لكن رغم هذه الخطوات، ظلت المعادلة الفنية هي أن تصبح كوميديان صاحب وزن زائد دون استخدام جسدك كمادة للسخرية هو أمر منعدم على حد متابعتي.
وهنا يأتي دور " شيكو"، فهو الوحيد الذي كسر تلك القاعدة. ورغم كونه من أصحاب الوزن الزائد، إلا أنه لم يعتمد على جسده للإضحاك. فنراه في "ورقة شفرة" أول أفلامه، يجسّد دور الشاب الذي يعيش في "يوتبيا نضالية" وهو ما يمكن لأي شخص بأي وزن أن يجسده، وفي "سمير وشهير وبهير" يجسد بطل وجد نفسه في سبعينيات القرن الماضي وعليه التعامل مع عالمه الجديد ومن هنا خرج الضحك، وفي "بنات العم" يتناول فكرة أن تتحول امرأة لرجل فجأة، وهكذا وصولًا إلى مسلسل "اللعبة" الذي اعتمد فيه على سير الأحداث.
بجانب عدم استخدام الجسد كمادة للإضحاك، قّدم "شيكو" من خلال أعماله الفنيه صورة جديدة لـ"الكوميديان التخين"، فهو لا يبحث عن الطعام طوال الوقت، وكأي شاب تُعجب به الفتيات وفي مسلسل "اللعبة" ظهر رجل متزوج من امرأة جميل تحبه ولا ترى في جسده عيبًا.
تكمن أهمية ما فعله "شيكو"، في رأيي، إلى جانب أنه قدم صورة أكثر إنسانية وبعيدة عن التنمر لـلكوميديان صاحب الوزن الزائد، في أنه فتح الطريق أمام آخرين مثله
بالطبع كان هناك أسباب كثيرة لهذا التفرد الذي تمتع به "شيكو" فهو اقتحم السينما "بطلًا" مع صديقيه " هشام ماجد وأحمد فهمي" وبالتالي لم يقع تحت أسر تنميط "المنتجين" له، بجانب إنه شارك مع صديقيه في كتابة بعض أعمالهم الفنية ما أتاح له حرية الحركة داخل الشخصية، لكن يُحسب له ايضًا إنه لم يستغل جسده كغيره من الفنانين لإضحاك الجمهور.
وللحق ايضًا فالوحيد الذي سبق "شيكو" في هذا كان النجم الراحل علاء ولي الدين لكن رحيله المبكر حال دون نضوج التجربة وإظهارها وهو ما توفر لـ"شيكو" الذي أعلن بوضوح إنه يمكنك أن تكون كوميديان صاحب وزن زائد دون الحاجة إلى استخدام جسدك، أو ترك الكوميديا للهروب من "التنميط".
تكمن أهمية ما فعله "شيكو"، في رأيي، إلى جانب أنه قدم صورة أكثر إنسانية وبعيدة عن التنمر لـلكوميديان صاحب الوزن الزائد، في أنه فتح الطريق أمام آخرين مثله يمتلكون مواهب فنية يمكن استخدامها جيداً، بعيداً عن زجّهم داخل إطار جسدي، لعلّ ذلك يسهم في إدراكنا كم ظلمنا من "كوميديانات" كان بإمكانهم/ن أن يغيروا في تاريخ السينما والتلفزيون لولا التنميط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...