يمكن للإنسان أن يحزن لوحده لوقت طويل وبدون وجود شخص يشاركه الحزن، ولكن من النادر جداً أن يضحك لوحده، فالضحك يحتاج إلى الآخر الذي يُضحِكنا أو يضحك لما نقوله أو نفعله. الضحك لا يحتاج إلى أسنان جميلة.
يقول إميل سيوران: "الضحك هو المبرر الكبير للحياة" وأقول أنا: مَن لا يملك القدرة على الضحك يفقد حياته مرة كل يوم. في الحقيقة ما قاله سيوران أعمق وأجمل بكثير مما قلته.
خسرت فرصة العمل الجيّدة
خلال حياتي، أسعى دوماً لتحويل أي شيء لا أنجح فيه إلى حالة إيجابية قدر الإمكان، بدل إلقاء اللوم على الآخرين أو على نفسي والدخول في لعب دور الضحية وحكاية أن الحياة ظلمتني وكأنني الوحيد على هذا الكوكب الذي تعرّض لظروف قاسية.
في ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن اللغة الأجنبية ضمن المنهاج المقرر للصفوف الابتدائية، فلم نكن ندرسها إلا في بداية المرحلة الإعدادية.
في الصف السابع اخترت اللغة الإنكليزية بدل الفرنسية، لأنها، كما كان يُقال لنا: إن إتقانها يمنحكم فرص عمل جيدة في المستقبل أكثر من إتقان أي لغة أخرى.
قررت من أول يوم دراسي أن أجتهد في دراسة الإنكليزية بحيث أتقنها بطلاقة. ولكن بعد مضي شهر، وأثناء ركوبي للدراجة الهوائية، حدث خطأ وسقطت عنها وكُسِرت يدي اليمنى من المرفق وتفتّتَ القليل من العظم، فخضعت لعمل جراحي وبسببه تغيبتُ عن المدرسة لعدة أشهر.
حين جاء صديقي الذي ألعب معه كرة القدم في خط الهجوم لزيارتي قلت له بحزن إن الطبيب أخبر والدي بأن يدي إذا تعرضت للكسر مرة أخرى فمن الصعب أن تشفى، وهذا يعني أن سوريا لن تفوز بكأس العالم. منذ طفولتي أخذت قراراً بيني وبين نفسي بأن أصبح لاعب كرة قدم، وكنتُ واثقاً بأني سأقود المنتخب السوري للفوز بكأس العالم.
خلال الفترة الطويلة التي قضيتها في المنزل، كان رفاقي في الصف يتعلمون أساسيات اللغة الإنكليزية. هذا الأمر أثر سلباً عليّ حتى هذه اللحظة، فأنا الآن لا أعرف أكثر من مئة وخمسين كلمة إنكليزية معظمها كلمات إيروتيكية. حاولت عدة مرات أن أتعلمها ولكنّي لم أنجح لأسباب نفسية وأخرى لها علاقة على ما يبدو بشيء معطل في عقلي مسؤول عن تعلم اللغة، إضافة إلى أنّي كسول!
بغض النظر عن الأسباب، المهم في الأمر أنّي لم أتعلمها وضاعت فرصتي في الحصول على عمل جيد كما كانت قد ضاعت فرصة سوريا للفوز بكأس العالم.
"إنْ حدث في يوم ما وتعلمت الإنكليزية بطلاقة فلن أخبر أصدقائي بذلك لتبقى كلماتي تضحكهم"
في الجامعة، أثناء امتحان اللغة الأجنبية، ولأنّي أعرف تماماً أنه من الصعب أن أنجح كوني لم أستعن بأستاذ قبل الامتحان، قررت أن أذهب من باب التسلية. قال رئيس القاعة بصوت عالٍ: مَن لغته إنكليزي؟ ثم: مَن لغته فرنسي؟ رفع بعض الطلاب أيديهم وأخذوا ورقة الأسئلة، ثم قال: مَن لغته ألماني؟ رفعت يدي وكانت هذه المرة الأولى في حياتي التي أشاهد فيها كلمات باللغة الألمانية. لم أفهم كلمة واحدة مما هو مكتوب رغم ذلك كتبت على ورقة الأجوبة:
1ـ هدم جدار برلين من أجمل قصص الحب التي حدثت في ألمانيا.
2ـ لديّ صورة فوتوغرافية لحارس ألمانيا شوماخر، عبد القادر كردغلي صاحب الرقم ثمانية في المنتخب السوري يمكنهُ أن يحرز الكثير من الأهداف عليه.
نظام Underwear
عام 2017، كان لديّ موبايل نوكيا قديم كُبُرَ في العمر فوجدت نفسي مضطراً لشراء موبايل آخر. اقترح عليّ أحد الأصدقاء أن أشتري موبايلاً حديثاً يعمل بواسطة نظام Android. كررت لفظ الكلمة أكثر من مرة لأحفظها لأنها لم تكن من ضمن الكلمات التي أعرفها، ثم قلت له: "الأندرويد يعني يلي شاشتو بتشتغل باللمس؟". ضحك وقال: "بما أنك بعيد عن التكنولوجيا لا داعي لتعرف عن هذا النظام أكثر من ذلك".
اشتريت الموبايل الذي يعمل باللمس، وبعد عدة أيام من استخدامه شعرت بالفرح لأنّي أملك جهازاً بالغ الحساسية واللطف، فبمجرد أن ألمس أي جزء من شاشته يستجيب بسرعة هائلة، وحين أكتب رسالة فيها كلمة "أحبك" وبمجرد أن أكتب أول حرفين يكمل لي ما تبقى على شكل اقتراح. كنت سعيداً به.
"منذ طفولتي، أخذت قراراً بيني وبين نفسي بأن أصبح لاعب كرة قدم، وكنتُ واثقاً بأني سأقود المنتخب السوري للفوز بكأس العالم"
حين رآهُ صديقي قال: أخيراً دخلت عالم التكنولوجيا من أوسع أبوابه، فضحكنا وأخبرته أنّي في البداية وجدت صعوبة في استعماله واحتجت لعدة أيام كي أفهم آلية عمل نظام Underwear. ضحك وقال: اسمه نظام الأندرويد وليس نظام الثياب الداخلية.
في إحدى المرات، أمام الأصدقاء، لفظت كلمة Erection بدل Reaction وأيضاً كلمة String وكنت أقصد فيها Piercing. كلمة String هي الوحيدة التي لمتُ نفسي حين لفظتها بغير مكانها، لأنّي أحفظها منذ سنوات طويلة وأعرف أنها زهرة نادرة تعيش قرب الينابيع العذبة في هضبة التيبت. هذه المعلومة قرأتها في كتاب "هضاب الهيمالايا ومفهوم الأنوثة لكوكب الأرض". لا تبحثوا عنه على غوغل ولا في المكتبات فلن تجدوه.
كل كلمة أتعلمها بالإنكليزية إنْ لم أتذكر كيف تُلفظ تلقائياً ألفظ كلمة قريبة منها بالإيقاع أو الأحرف من الكلمات المئة والخمسين التي أحفظها.
صحيح أنّي لم أتعلم الإنكليزية لكنّي رغم ذلك أحب أن أحفظ بعض الكلمات الصعبة وخاصة تلك التي يتكرر فيها حرف السين أكثر من مرة، لأن فيها إيقاعاً موسيقياً جميلاً، لذا كنت أقوم بين الحين والآخر بالاستعانة بصديق لغته قوية ليعلّمني بعضاً من هذه الكلمات، وبعد أن أمضي عدة أيام في حفظها ولفظها بشكلها الصحيح أنتظر الوقت المناسب في جلساتي مع الأصدقاء لأقول لهم: كيف حال الـSociolinguistics هالأيام؟ أو هل تعانون من Alcohol intoxication؟
خلال العام الماضي، حفظتُ ثلاث كلمات غيباً فيها حرف السين، وهي: Desensitization وHomosexually وأيضاً Bisexual، أما الكلمة المستحيلة المعجزة الخارقة التي لم أستطع أن أحفظها ولا حتى أن أنطقها حتى الآن فكانت Congratulations. حين سأحفظها سأحتفل!
إنْ حدث في يوم ما وتعلمت الإنكليزية بطلاقة فلن أخبر أصدقائي بذلك لتبقى كلماتي تضحكهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...