شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ملاذهنّ من الفقر والحرب... سوريات في أحضان أزواج مقاتلين أجانب

ملاذهنّ من الفقر والحرب... سوريات في أحضان أزواج مقاتلين أجانب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 11 مارس 202111:38 ص
Read in English:

Syrian Women Wedding Foreign Fighters to Escape Poverty

روسي، إيراني، باكستاني، عراقي... جنسيات جديدة للعرسان دخلت بقوة في عالم زواج السوريات، بفعل تنوّع أمكنة قدوم حاملي البنادق وقادتهم الداعمين للنظام السوري على الأرض السورية.

ففي الساحل السوري، لم يعد مظهر روسي يرتاد السوق ليشتري حاجيات أسرته ملفتاً للنظر. وفي مناطق النفوذ الإيراني، لا فوارق بين عراقي وإيراني وسوري سوى اللكنة واللهجة... عندما طالت ضيافة هؤلاء الغرباء، كان لا بد من تأمين احتياجات القلب وربما الغرائز.

تعقيد جديد "عالميّ" الطابع أضيف إلى تعقيدات الفوارق "الطبقية" في زواج السوريين. تعقيدات مثل "ابن ريف وبنت مدينة"، "شامي وديرية"، "سوري ابن بلد وسوري نازح"... والتي كثيراً ما رجحت كفتها على كفة الحب والوفاق لا تزال موجودة وزادت وطأتها بفعل الحرب. فقط حلّ ضيف جديد على قائمتها الطويلة.

حُكي كثيراً عن زواجات الجهاديين بسوريات ولكن للمشهد تتمة: زواجات المقاتلين الأجانب القادمين لدعم النظام السوري من سوريات.

قد يظن البعض أن العريس القادم من بين ركام الحرب منح الفتاة السورية خياراً جديداً للمفاضلة الحرة ولتحديد مَن يخطف قلبها. إلا أن الصورة ليست كذلك، فالعريس الغريب هذا، هو إما ملاذها من العيش تحت خط الفقر المدقع، أو سفيرها إلى بلاد الأمان، أو مصدرها لتوفير الحماية لها ولأسرتها. كثيراً ما لا تملك فعلاً خيار نطق كلمة "لا" في وجه "الحليف" و"المناصر".

فارس الأحلام المحارب

إلهامي س. (27 عاماً)، عسكري إيراني أتى إلى سوريا ليقاتل في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وبقي في دمشق حيث يعمل في مجال الترجمة كونه يتقن اللغة الفارسية، رغب بالزواج من فتاة سورية، كون "النساء السوريات معروفات بمهاراتهن وبقدراتهن على تحمل المسؤولية"، حسب تعبيره، فتزوج من زهراء (اسم مستعار) على الطريقة التقليدية.

وهو يتحدث لرصيف22، تقاطعه زهراء (22 عاماً)، وهي ربّة منزل، ضاحكة وتقول: "كان يراني أثناء مروره في شارعنا (حي الأمين)".

تصف زواجها بالناجح و المبني على التفاهم والصدق والثقة، وتضيف: "لا نسمح للسياسة والحرب بالتدخل في زواجنا ومنزلنا"، وترى أن زواجها أصبح أمراً عادياً نتيجة كثرة الزيجات من هذا النوع في البيئة التي تعيش فيها.

قبل سنة، كان إلهامي يخطط للبقاء في سوريا، لكن الأوضاع الراهنة وصعوبة المعيشة دفعته إلى التفكير جدياً بالسفر، بغرض تأمين حياة أفضل، وهذه الفكرة لا تؤرق زهراء، كما لم تؤرقها فكرة الزواج من شاب من جنسية أجنبية. تقول: "الأمر الذي يشغل بالي هو أن أمنح أولادي الجنسية السورية".

لا يختلف حال زهراء عن حال أريج العلي، طالبة هندسة معلوماتية تبلغ من العمر 24 عاماً وتزوجت من شاب باكستاني، مقاتل سابق في صفوف لواء زينبيون (لواء السلام) الذي يقاتل بجانب القوات الإيرانية، ثم عمل في السفارة الإيرانية في دمشق بعد الحرب. تقول أريج: "تعرفت على علي ع. في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، عندما كان يقاتل في صفوف الحرس الثوري الإيراني. وأصبح يأتي إليّ في الجامعة ونلتقي، وبدأت علاقة حب تنشأ بيننا".

بعد أقل من عام، تقدّم علي لخطبة أريج، واستمرت فترة الخطوبة حوالي ثلاثة أشهر، ثم تزوجا، ويخططان الآن للسفر إلى باكستان، إلى حين يجد الزوج الباكستاني فرصة عمل أفضل، أما أريج فترغب في السفر أكثر منه لأن باكستان تفتح لها مجالات وأفقاً أوسع لدراستها.

وعن حياتهما معاً تقول أريج لرصيف22: "حياتي معه سعيدة، ولا أعاني من أيّة نظرة سلبية إلى زواجنا، خاصة في الحي الذي نعيش فيه"، حي الإمام زين العابدين في دمشق، "ولا أخشى على مستقبلي"، وتضيف: "أيّة اعتبارات سياسية أو عسكرية لا يمكن أن تؤثر على زواجي".

زواج عابر للجنسيات

عن هذا النوع من الزيجات، تقول الباحثة الاجتماعية سمر علي لرصيف22: "يمكن أن نطلق عليه اسم الزاوج العابر للجنسيات، وكان وما زال موجوداً في الكثير من البلدان، وخلال فترات زمينة مختلفة، وتزداد نسبته في فترات الاندماج والاختلاط وخلال الأزمات والحروب".

وتضيف: "زواج السوريات من أجانب أتوا خلال الحرب يرتبط نجاحه وفشله بدرجة وعي الطرفين وتقاربهما الفكري والثقافي، والقدرة على فهم الآخر، وتقبّل الاختلاف الثقافي واختلاف الطباع".

قد يظن البعض أن العريس الأجنبي القادم من بين ركام الحرب منح الفتاة السورية خياراً جديداً للمفاضلة الحرة ولتحديد مَن يخطف قلبها. إلا أن الصورة ليست كذلك، فالعريس الغريب هذا، هو إما ملاذها من الفقر، أو سفيرها إلى بلاد الأمان، أو مصدرها للحماية

تعيد علي إلى الأذهان حالات الزواج التي حصلت في السابق بين سوريات وعراقيين، والتي نجحت ولاقت قبولاً في المجتمع السوري، كذلك الأمر بالنسبة للزواج من أردنيين وفلسطينيين، وتقول: "ربما هنا تلعب الجغرافيا دوراً في تشابه بعض العادات والثقافة، أما في حالة الزواج من جنسيات أجنبية، فالأمر أكثر صعوبة بسبب الاختلاف الكبير".

قانونياً، يتطلب الأمر عقد القران بداية، ثم تثبيته في المحكمة، لكن المحكمة الشرعية لا تثبت الزواج إلا بعد إحضار موافقة أمنية من الفرع 300 والذي يسمى أيضاً بـ"فرع مكافحة التجسس"، ومن أبرز مهامه مراقبة كل مَن يدخل سوريا من أجانب، وتستغرق حوالي أسبوع من تاريخ التقديم عليها، وتُقدَّم عن طريق وزارة الداخلية السورية.

بعض الزيجات من هذا النوع لا يتم تثبيتها في المحكمة، بل تتم في إطار ديني فقط، مثل زواج فاطمة حاج علي، وهي شابة تبلغ من العمر 35 عاماً وتقيم في دمشق، ومتزوجة منذ سنتين من رجل عراقي كان مقاتلاً.

تقول فاطمة لرصيف22: "تعرّفت على زوجي عن طريق الصدفة وعن طريق أقرباء وتم النصيب والزواج كان تقليدياً". وعن نجاح زواجها، تضيف الشابة التي تركت مهنة التمريض بعد الزواج: "طلب منّي بشكل ودي ترك العمل، ووافقت، وزواجي كان ناجحاً قبل كورونا، لأن زوجي كان يتردد إلى سوريا كثيراً، أما بعد كورونا، أصبح من الصعب عليه أن يأتي إلينا بالوتيرة ذاتها، بسبب إغلاق المطارات والحدود".

لا تعاني فاطمة من أية صعوبات لها علاقة باختلاف الجنسية أو اللهجة، لكن نظرة المجتمع إلى زواجها تؤرقها. تقول: "هي نظرة ظالمة، الكل يرى أني طامعة فيه، وهو طامع فيّ، وإلى اليوم، بعد مضي كل هذه السنين وولادة ابنتي، أسمع ذات الأقاويل دوماً، وهي تزعجني كثيراً، لأنها غير صحيحة".

نتفاهم بلغة الحب

بعيداً عن عوامل الإغراء، سواء أكانت خارجية كالجمال والأناقة أو داخلية كـ"الأخلاق" والسلوك، لا شك في أن عامل الإغراء الأول بالنسبة لكل أجنبي أقدم على الزواج من فتاة سوريّة هو سقف المتطلبات المتدني الذي تمتاز به قياساً بنظيراتها، مهما اختلفت جنسياتهن، إضافة إلى أن معظم الفتيات السوريات اختبرن ظروف الحرب، وبالتالي أصبحن قادرات على تحمّل الظروف الصعبة. ونتيجة لذلك، أقبل العديد من الرجال الأجانب بعد الحرب على الزواج من فتيات سوريات في بلدان اللجوء.

"هي نظرة ظالمة، الكل يرى أني طامعة فيه، وهو طامع فيّ، وإلى اليوم، بعد مضي كل هذه السنين وولادة ابنتي، أسمع ذات الأقاويل دوماً، وهي تزعجني كثيراً، لأنها غير صحيحة"

تدعم هذا التحليل الأرقام التي سجلتها الدول المجاورة لسوريا في ما يتعلق بالزيجات بين أجنبي وسورية. ففي تركيا، سُجلت 6،495 حالة زواج أتراك من سوريات، عام 2016. وفي لبنان، تُعقد سنوياً مئات الزواجات بين سوريات ولبنانيين بينها زواجات بقاصرات، وكذلك الحال في الأردن، فيما سجلت المحاكم المصرية حوالي 12 ألف حالة زواج بين مصريين وسوريين خلال عام واحد، وفقاً لإحصائية عن المجلس القومي للمرأة في مصر، نددت بظروف هذه الزواجات وما فيها من استغلال للاجئات ووصفتها بأنها "إتجار بالبشر".

المشكلة في الزواج من شخص أجنبي تبدأ عندما تظهر شروخات بين الزوجين ناتجة عن تباين بين ثقافتيهما، وقد تنعكس على الأطفال.

تقول الباحثة الاجتماعية سمر علي: "عندما تكون ثقافة الوالدين مختلفة يعيش الأبناء في صراع نفسي كبير، لأن كلاً من الوالدين يسعى إلى فرض ثقافته وعاداته وتقاليده عليهم، ومن هنا ينشأ خلاف أسري ثقافي بين الزوج والزوجة، وعادة ما يكون الأبناء هم الضحية".

تشكل هذه الجزئية عامل خشية كبير لدى سلمى ع.، 31 عاماً، التي تتحدر من محافظة اللاذقية وتعيش في دمشق حيث تعمل موظفة حكومية.

تزوجت سلمى من بوريس (اسم مستعار)، موظف مدني في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية قبل خمس سنوات. وتقول لرصيف22: "تزوجت بوريس منذ سنتين، وأعيش معه حياة سعيدة، لكن أخشى من الفجوة الكبيرة بين ثقافتنا وثقافته، وكثيراً ما يتولد عن الحوار ثغرة ما في هذا السياق، لكن الحمد لله يبقى الجدال في إطار الحوار والتفاهم".

وعن مرحلة التعارف، تروي: "التقينا صدفة. كان لقاء غير مرتب أبداً، يوم عيد ميلادي. كنت أحتفل مع أصدقائي، وإذ بشاب روسي يأتي بصحبة أحد أصدقائي، تعرفت إليه وبدأنا نلتقي".

"يوم تعرفت إلى سلمى، ندمت على عدم تعلمي اللغة العربية"، يقول بوريس، ويضيف لرصيف22: "أحببت سلمى من اللحظات الأولى، وتزوجنا بكل يسر وسهولة، وأي ظرف خارجي يتعلق بأمور السياسة أو ما شابه لا علاقة لنا به".

وعن نظرة المجتمع، تقول سلمى: "ندير ظهرنا إلى كل ما يُقال عن زواجنا، ولا نأبه إلى ما نسمعه من أقاويل وتحليلات".

تبقى قضية اللغة العائق الأكبر بين الزوجين "لكننا نتجاوزه بالتحدث بالإنكليزية في كثير من الأحيان"، تقول سلمى، مضيفةً عن مستقبل أسرتها: "سوريا أو روسيا... أعترف أن المكان مهم... ومهم جداً ما نمر به من ظروف ولكن الأشخاص هم العامل الأساسي في كل ظرف يطرأ، فعوامل تكوين الأسرة هي واحدة في أي بلد كان".

بِرَهن التحالفات

"لا زاوج بلا تحديات، لكن على الطرفين تجاوز تلك التحديات معاً". هكذا تعلق الباحثة الاجتماعية سمر علي، وتضيف: "في الزيجات العابرة للجنسيات تكمن الخطورة في ظن الرجل بأنه أفضل من زوجته بسبب جنسيته، أو تفكيره في أنه انتشلها من واقعها المرير بزواجه بها، وقد يصل الأمر إلى التذكير بهذا الأمر مراراً، وبالتالي ستصيب الزوجة حالة من الخيبة والقلق الدائم من هذا الأمر".

أما احتمال الطلاق لأسباب لها علاقة بخلافات سياسية وتغير التحالفات، فتقول عنها: "رغم أنها مسألة لا يتوقع المرء حدوثها، خاصة بعد مضي سنوات على الزواج، لكن في السنوات الأخيرة سجلت المحاكم الشرعية حالات طلاق كثيرة سببها الاختلاف في الرأي السياسي، لذلك هي أمر محتمل وعامل خطر لا يمكن تجاهله".

تقول الدراسات والإحصاءات إن المولودين من أبوين من جنسيات مختلفة، يكتسبون انفتاح وثقافة وغنى علمي ولغوي وحضاري، كون الطفل يكتسب النضج الفكري والعاطفي والوعي الاجتماعي من كلا الوالدين... لكن هل ستظفر الزيجات العابرة للجنسيات في سوريا بهذه السمة، وهي وليدة الحرب وشوائبها؟ وهل سيحمي حصن الغنى هذا العائلة من هجمات الفوارق الطبقية والخلافات السياسية والشروخات الثقافية؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard