شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ظل في الأدراج 50 عاماً… مشروع قانون جزائري لسحب الجنسية من معارضي المهجر

ظل في الأدراج 50 عاماً… مشروع قانون جزائري لسحب الجنسية من معارضي المهجر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 6 مارس 202111:51 ص

مشروع قانون صادم تقدمت به الحكومة الجزائرية، يقضي بسحب الجنسية من كل جزائري مقيم بالخارج، يقوم بأفعال تضر بمصالح الدولة.

أثار القانون الذي وصفته الطبقة السياسية بـ"الزلزال" مخاوف الكثيرين. فالسلطة الحاكمة في الجزائر لم تلجأ لمثل ذلك المسار حتى في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد. فلماذا اليوم؟ وسط مخاوف من تحول ذلك القانون لسيف جديد مسلط على رقاب المعارضة الجزائرية في لحظة حراك يطالب فيها الشارع بفتح باب الحريات لا غلق كل النوافذ.

عمار بلحيمر، وزير الاتصال المتحدث الرسمي باسم الحكومة نفى تماماً أن يكون ذلك القانون خطوة تسلطية من قبل النظام الحاكم لإقصاء المعارضة وتكميم أفواهها، وأكد على أن "هذه الإجراءات المقترحة في مشروع القانون، تستجيب لما تسمحُ بهِ الاتفاقيات الدولية واستنفاد إجراءات الطعن".

قانون سحب الجنسية يعود إلى خمسة عقود  

مشروع القانون التمهيدي المطروح على طاولة الحكومة، طرح لأول مرة عام 1970  أثناء حكم الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين.

"الزعيم الثائر"  كان متشبعاً بأفكار القومية العربية، واستطاع بقبضة حديدية أن يسكت الأفواه في الداخل، لكن الأصوات المعارضة في الخارج، كانت مزعجة لدرجة دفعت بحكومة الحزب الواحد "جبهة التحرير الوطني" إلى التفكير في قانون سحب الجنسية للضغط على الخصوم السياسيين آنذاك.

إلا أن المشروع لم يمر وقتها، وظل مجمداً لعقود من دون أن يتحول إلى قانون نافذ، حتى استخرجته السلطة الحالية من درج الأرشيف بعد 50 سنة، في ظرف سياسي مثقل بالتوترات، تعيشه الجزائر منذ إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رغبته في الترشح لولاية خامسة، أشعلت غضب الشارع الذي لم يهدأ إلى اليوم.

الأمم المتحدة تنتقد الهجمة على حقوق الإنسان في الجزائر... السجن والتعذيب لمعارضي الداخل وسحب الجنسية من معارضي الخارج

لماذا تتخذ الحكومة قراراً مماثلاً في هذا الوقت بالذات؟  

الأحداث المتسارعة في الجزائر تسهل الحصول على إجابة شافية عن توقيت طرح السلطات للمشروع التمهيدي لقانون سحب الجنسية من المغتربين الآن.

فرجوع الرئيس عبد المجيد تبون من رحلة العلاج في ألمانيا تزامن مع الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي، الذي أعلن عودته بعد تعليق المظاهرات لقرابة عام بسبب الجائحة الصحية.

هنا حدث انعطاف شديد في مسار المظاهرات الشعبية، فالشعارات باتت أكثر سخونة وتحولت إلى ما يشبه "العداء المباشر" للمؤسسة العسكرية، فالمطلب المشروع بتمدين الدولة وإبعاد العسكر عن القرار السياسي، سرعان ما تحول دون سابق إنذار من شعار" دولة مدنية ماشي عسكرية"، إلى "الجنرالات إلى المزبلة"، ثم " المخابرات إرهابية" و "الشرطة احتلال"...

شعارات فتحت نقاشاً طويلاً حول مصدرها وهدفها ومن يقف وراءها.

وحاولت وجوه بارزة داخل الحراك الشعبي التدخل سريعاً لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، على غرار الناشط السياسي والخبير الدستوري رضا دغبار، الذي طالب المتظاهرين "بالتفريق بين تغيير النظام السلس وإعادة بناء دولة الحق والقانون وإسقاط النظام ومؤسسات الدولة".

اغتنمت السلطة فرصة كانت تبحث عنها، لإيجاد ذريعة لتغيير نبرة خطابها مع الحراك، الذي تريد له أن ينتهي بأي طريقة.

 فالتلفزيون الرسمي وصف الشعارات المرفوعة بعد عودة المظاهرات، بالشعارات التي رفعت في زمن العشرية السوداء. وازدادت رسالة السلطة وضوحاً، بعدما أكد الرئيس عبد المجيد تبون لوسائل الإعلام الجزائرية أن: الشعارات التي تهاجم الجيش ومؤسسات البلاد تطبخ في مخابر التآمر في الخارج منذ 15 سنة خلت.

إشارة تبون إلى وجود جزائريين وراء البحار يهدفون لضرب استقرار الدولة، وتحريض المحتجين على الخروج إلى الشارع، أعقبها إعلان وزارة الدفاع عن إحباط عملية تفجير قنبلة تقليدية الصنع في العاصمة.

هذه الرسائل مؤشرات سبقت صدور قرار الحكومة بإحياء مشروع سحب الجنسية الذي يعود لخمسة عقود.

حركة رشاد الإخوانية تحركٌ يُقلق السلطة

أمير ديزاد ، سعيد بن سديرة، هشام عبود، لطفي دوبل كانون، طوطو وغيرهم جزائريون بالخارج، ينشرون فديوهات تتعلق بسياسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وهو ما تراه السلطة مساساً بالأمن القومي وتتهم هؤلاء بخدمة أجندات خارجية والتآمر ضد البلد.

لكن السلطات تبدي خشية أكبر من " حركة رشاد "التي تضم عدداً من الإسلاميين التابعين لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذي حل بقرار من السلطات لارتباطه بالحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي.

مخاوف السلطة ليست فقط ممن تصفهم بالخلايا النائمة في الجزائر لكن همها الأكبر هو العناصر النشطة في الخارج مثل  العربي زيتوت ومراد دهينة اللذين توجه لهما أصابع الاتهام بشكل واضح بتحريك العديد من الأعضاء الموزعين في العواصم الأوروبية فضلاً عن اتصالهما بالخلايا النائمة في الجزائر.


مخاوف من تعسف السلطة بقانون سحب الجنسية لتصفية الخصوم السياسيين

هذا القرار (سحب الجنسية) أحدث زلزالاً سياسياً وشعبياً، وردود فعل لا متناهية، بين مؤيد ومعارض وآخر يخشى تعسف السلطة في استعماله.

يقول المحامي والحقوقي اسماعيل خلف الله لرصيف22: "هذا القانون الخاص بسحب الجنسية يندرج ضمن حماية الجزائر لسيادتها ومؤسساتها، وهو معمول به في بلدان عربية وغربية عديدة، خاصة أن الجزائر تتعرض لهجوم غير مقبول من بعض الجزائريين في المهجر، وينجر عنه تطرف أكثر منه في الميدان، لهذا فما تقوم به الحكومة هو خطوة استباقية لحماية مؤسسات الدولة والوحدة الوطنية. ما نخشاه كحقوقيين هو تعسف السلطة في تطبيق القانون، الذي يعد فضفاضاً دون محددات، فمصطلح الإرهاب غير محدد ويختلف من دولة لأخرى، وبنفس الدرجة تهمة الإضرار بالمصلحة الوطنية، فهي عنوان عريض يمكن أن يندرج تحته أي فعل أو قول يزعج السلطات".

وسط هذه المخاوف التي يطرحها حقوقيون، اقترح نواب برلمانيون خريطة طريقة لقطع الطريق أمام أي تعسف أو تغول للسلطة في استعمال هذا القانون المثير للجدل، بهدف تصفية خصومها السياسيين في الخارج.

من هؤلاء السيناتور محمود قيساري، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الأمة -الغرفة العليا للبرلمان الجزائري-  الذي طالب أن لا تكون الأحكام النهائية لرفع الجنسية نافذة، إلاَّ بعد عرض القائمة الإسمية للمعاقبين إسماً إسماً، على البرلمان بغرفتيه للمصادقة النهائية عليها.

على أن يكون من حق الواردة أسماؤهم في تلك القوائم، تقديم دفعاتهم للجنة الشؤون القانونية للبرلمان، عبر المحامين للدراسة والتحليل.

وفي خضم هذا الجدل، واختلاف قراءة القانون بين النظرة السياسية والأمنية، تتهم الفئة الرافضة السلطة بمحاولة خنق المنتقدين لها، في سقطة غير محسوبة العواقب قد توسع جبهة معارضيها إلى عشرة ملايين جزائري في الخارج .

هشام خياط  منسق مبادرة نداء 22 التي تدعو لتنظيم جهود وصفوف الحراك الشعبي لتحقيق مطلب تغيير النظام والذهاب لجمهورية جديدة، لا يشارك فيها رموز عهد بوتفليقة يصرح لرصيف22: "هذا القانون يستهدف الجزائريين في الخارج، ولكنه سيستهدف فيما بعد الجزائريين في الداخل لقمع حرية التعبير والرأي الآخر، وهذا أمر غير مقبول ويجب عدم السكوت عنه أبداً، هذه السلطة تريد منازعة الجزائريين في حقوقهم الوجدانية، والتفكير في تجريد المواطن الجزائري من جنسيته يعد جريمة في حق المواطنة، خاصة أن الجزائر تعيش ظرفاً سياسياً رافضاً لتوجه النظام وبقاء السلطة الحاكمة".

الجزائر تحت مجهر منظمات حقوق الإنسان الدولية

"هذا القانون سيفتح باباً على السلطات من الصعب إغلاقه"، هكذا يستهل  أستاذ العلوم السياسية بجماعة الجزائر عبد الحكيم بوغرارة حديثه لرصيف22 ويستطرد: "هذا القانون سيضع الجزائر تحت مجهر منظمات حقوق الانسان الدولية، فالجزائر ملتزمة المعاهدات والاتفاقيات التي تحمي حرية التعبير من كل أوجه التعسف، ومنها ميثاق حقوق الانسان عام 1948".


لم تمض ساعات قليلة على إعلان الحكومة توجهها الجديد حتى جاء الرد سريعاً من الأمم المتحدة، عبر المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التي طالبت السلطات الجزائرية أن توقف "فورا،" أعمال العنف ضد متظاهرين سلميين، وكذلك الاعتقالات التعسفية.

وصرح رووبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية خلال مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة في جنيف، الجمعة 5 أذار/مارس 2020: "إننا قلقون جداً لتدهور وضع حقوق الإنسان في الجزائر والقمع المستمر والمتزايد ضد أعضاء الحراك المؤيد للديموقراطية. تُستخدم أحكام غامضة الصياغة في قانون العقوبات الجزائري لتقييد حرية التعبير بلا داع ومحاكمة الأشخاص الذين يعبرون عن آراء مخالفة. كما تلقينا مزاعم بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي".

تأتي هذه الانتقادات من مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في وقت تحتل الجزائر مرتبة متأخرة، في تصنيف حرية الصحافة لعام  2020 (146 من  180 دولة) حسب منظمة مراسلون بلا حدود.

كما سبق للجزائر أن أدانت في 28 تشرين الأول/نوفمبر 2019، ما وصفته بتدخل البرلمان الأوروبي في شؤونها الداخلية، بعد أن رفع لائحة تطالب الجزائر بالكف عن التضييق على الحريات، وحملة الاعتقالات التي طالت ناشطين سياسيين معارضين، 

قرار الحكومة بالتوجه للتفكير في سحب الجنسية من المقيمين بالخارج، إذا ما تأكد تورطهم في قضايا ذات صلة بالإرهاب، أو الإضرار بالمصلحة الوطنية، يعكس حجم الهوة بين السلطة السياسية والمعارضين لها، فالنظام الجزائري لم يلجأ إلى هذا الخيار، حتى في سنوات الدم والإرهاب، والعشرية السوداء التي أتت على الأخضر واليابس، وتسببت في مقتل أكثر من 200 ألف جزائري. وقد يكون لهذا القرار أثر عكسي، ويزيد من حدة الانتقادات الموجهة لها في الداخل، ويضعها في مواجهة مع عشرة ملايين جزائري في المهجر، الكثيرون منهم ناقمون على الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلادهم، كما يلقي بالجزائر في عين الإعصار أمام المدافعين عن حرية التعبير في المجتمع الدولي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image