شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"بيروت اللّقاء والسهر والحياة"... عن خصوصية وطابع أهم شوارع العاصمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 28 فبراير 202104:28 م

تندرج المقالة ضمن مشروع "بيروت بلا نوافذ" وهي مساحة مخصصة لشابات صحافيات يتحدثن عن بيروت بعد الانفجار. يقدم رصيف22 السلسلة ضمن منحة "قريب" من CFI، الممولة من قبل AFD.

في قصيدة "السفر" يقول الشاعر الفرنسي بودلير: "أيها الموت، أيها القبطان العجوز، حان الوقت، فلنرفع المرساة، هذا البلد يبعث فينا السأم. أيها الموت فلنبحر. فإذا كانت السماوات والبحر سوداويان كالحبر، فقلوبنا التي تعرفها مليئة بالأشعة، فلتسكّب لنا سمّك لينعشنا، فنحن نريد أن نغوص في قاع الهاوية أو الجحيم أو السماء ما الفرق؟ في قاع المجهول، لنعثر على الجديد".

في حديثه مع موقع رصيف22، يقول احد الدكاترة المختصين بالفلسفة وعلم النفس إن الشوارع تولد وتموت لأن الناس يبحثون عن كل ما هو جديد.

ورداً على مجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول الأسباب التي تدفع الناس إلى النزوح من شارع إلى آخر، وعن الأهمية التي يأخذها كل شارع، أجاب الأخصائي، الذي رفض الكشف عن إسمه، مستعيناً بقصيدة "بودلير": "الملل يسيطر على الطبيعة البشرية، ولذلك يتنقّل الناس من مكان إلى آخر بحثًا عن الصُدفة".

منذ سنوات وحتى اليوم، ندور في بيروت للعمل، اللقاء والسهر في 3 شوارع رئيسية: الحمراء، بدارو ومار مخايل-الجميزة، بحيث يبدأ نهارنا في واحد منها وينتهي في آخر، دون معرفة الأسباب الواعية والمباشرة التي تجعلنا نحرّك أجسادنا من منطقة إلى أخرى.

شارع الحمراء

يحكي فراس (30 عاماً)، عن شارع الحمرا، الذي يعتبره تغيّراً جذرياً في نهاية العام 2014 لأن الطابع العام اختلف والناس غادرت إلى أماكن جديدة.

وعن هذه النقطة، يقول لرصيف22: "خلقنا مساحة موسيقية بديلة نشأت وتكوّنت وتم تقديمها في أماكن ومسارح الحمراء، في ليلة رأس السنة 2012 – 2013 وضعنا أدواتنا الموسيقية في وسط الشارع الرئيسي وبدأنا بالغناء بأسلوب مرتجل، في السنوات اللاحقة حين حاولنا أن نكرّر فعلتنا، كان الشارع خالياً من الناس الذين انتقلوا على الأرجح إلى وسط المدينة وتحديداً إلى شارع "أوروغواي" الذي تم إقفاله في العام 2016 وأعيد افتتاحه في العام 2019، لكنّ رواده لم يعودوا لأنهم توزّعوا بين بدارو ومار مخايل".

منذ سنوات وحتى اليوم، ندور في بيروت للعمل، اللقاء والسهر في 3 شوارع رئيسية: الحمراء، بدارو ومار مخايل-الجمّيزة، بحيث يبدأ نهارنا في واحد منها وينتهي في آخر، دون معرفة الأسباب الواعية والمباشرة التي تجعلنا نحرّك أجسادنا من منطقة إلى أخرى

بالنسبة لهبة (28 عاماً)، فإن شارع الحمراء هو الشارع الوحيد الذي يقدّم خدمة "الرقص الدائم: "بين كل الشوارع التي نقصدها، تبقى الأماكن في الحمرا الوحيدة المتوفّرة دائماً للرقص، وتحديداً في 3 حانات: مزيان – مترو – لبيروت، بالإضافة إلى الحانات الصغيرة، مثل "زكريا" أو المقاهي الشعبية التي تقدّم سهرات أسبوعية تحيها الفرق الموسيقية وجلسات الكاراوكي".

وتضيف لرصيف22: "لا يوجد رفاهية فعلية في الحمرا، إذ ان السهرات والمقاهي وحتى الأطعمة تعتمد على العفوية، بمعنى آخر، فإن الأماكن هناك لا تفرض علينا ملابس معيّنة، بل تتيح لنا فرصة الإلتقاء بعشرات الأشخاص الذين نعرفهم لكي نرقص سوياً طوال الليل".

في صيف 2019، كانت العديد من المحال قد أقفلت أبوابها في شارع الحمراء، لكن أخرى بدأت بالظهور واللافت انها تتسم بطابع شبابي من خلال الطاولات التي وضعت على الأرصفة.

مع العلم بأنه ولسنوات طويلة وبسبب الثورات والتظاهرات، سيطر الطابع السياسي واليساري تحديداً على الأماكن في الحمرا، لكن ما حدث في الـ2019 هو أنه تم خرق هذه القاعدة التي كانت قد أصبحت ثابتة من خلال تقديم أمكنة وموسيقى بعيدة عن القضايا وتحديداً في شارع مقدسي.

الجميزة – مارمخايل

"نحن مواليد أواخر التسعينات وأوائل الألفية اختبرنا السهر، والخروج من المنزل في الشارع الممتد من الجميزة إلى مار مخايل"، هذا ما قالته ليا ( 22عاماً) واضافت: "حين قرّرنا أن نكتشف العالم الخارجي أكثر بعد بلوغ الـ 18، وجدنا هذه المنطقة في أوجّها، شقيقتي التي تكبرني بـ 9 سنوات، اختبرت بدورها هذا الأمر في شارع الحمراء وفي مونو، لكن حين جاء دوري أنا وأصدقائي وجدنا ما يشبهنا ويعبّر عنّا في مار مخايل".

تتميز "مار مخايل" بطابعها ومزيجها الخاص، ففي النهار تبدو هذه المنطقة قائمة حرفياً على الأرصفة، إذ ان أغلب الأماكن تصل الداخل بالخارج وتتيح فرصة التعارف ولقاء الغرباء، من كل البلدان والخلفيات.

ولكونها منطقة تراثية فقد تم الحفاظ على عمرانها (ما قبل الإنفجار طبعاً)، كما وفرت هذه المنطقة فرصة لروادها للنظر إلى ماضي بيروت ما قبل إجتياح المباني الباطونية لها.

الشوارع تولد وتموت لأن الناس يبحثون عن كل ما هو جديد

واللافت انه خلال أيام العمل العادية، يكون شارع مار مخايل – الجميزة كقرية صغيرة وتظهر المنطقة من خلال ناسها الأصليين وهي تستقبل زوّارها، الأمر الذي لا يمكن ملاحظته بهذه الطريقة في كل من الحمراء أو بدارو، حيث يطغى الزوّار والعمّال وحتى المكاتب والشركات على الطابع الأساسي الذي يشكّله السكّان، أما السبب فيعود بجزء معيّن إلى عدم اجتياح الشركات الكبرى والتجارية لكل من الجميزة ومار مخايل، كما حصل في الحمراء التي تعتبر مركزاً أساسياً للمصارف، الجامعات، والمحال التجارية.

أما في نهايات الأسبوع، فتكتظ منطقة "الجميزة – مار مخايل" برواد السهر، إلى درجة انه يصير من الصعب العثور على طاولة فارغة.

وعن أسباب تفضيلها السهر في مار مخايل على باقي المناطق، قالت ليا لرصيف22: "لا يوجد طابع موحّد، بإمكاننا الجلوس داخل الحانة، الوقوف في الخارج، أو حتى شراء قنينة بيرا واختيار درج أو رصيف، لإجراء محادثة ومراقبة المارّة، كما أن الموسيقى دائماً جديدة، وتمتد على نطاق عالمي وليس فقط عربي، بالإضافة إلى عدم وجود عمر محدّد لرواد السهر".

بدارو

عندما استأجر سعد (45 عاماً) منزله الحالي قبل 9 سنوات، كانت بدارو تعدّ منطقة سكنية ومهنية، بحيث انها تتضمن 3 مقاهي والكثير من مكاتب العمل، وبالتالي لم يتوقّع على الإطلاق أن يتحوّل الشارع بعد الـ 2014 إلى واحد من أهم الشوارع الحيوية في بيروت.

لكن حتى بعد هذه النقلة النوعية ورغم طابع السهر الواضح في بدارو، إلا أن الشارع لا يزال يحافظ على رصانته، بحسب ما أكده سعد لرصيف22: "هؤلاء الذين اختبروا المراهقة في الحمراء ومونو، نراهم اليوم في الـ 30 من عمرهم يعملون خلال النهار أمام شاشاتهم في مقاهي بدارو ويسهرون في الليل في حاناتها".

والحقيقة إن الموسيقى في بدارو لا تطغى على الجو العام، والرقص يكون من قبل مجموعات صغيرة داخل مكان اعتادوه، وعليه تؤمن بدارو المساحة الكافية للعمل، الحوار، واللقاءات التي يشكلها أفراد من فئة عمرية أكبر من تلك التي نراها في كل من مار مخايل الجميزة – وحتى الحمراء.

"هؤلاء الذين اختبروا المراهقة في الحمراء ومونو، نراهم اليوم في الـ 30 من عمرهم يعملون خلال النهار أمام شاشاتهم في مقاهي بدارو ويسهرون في الليل في حاناتها"

خلال فترة الأعياد في العام الماضي، وحين لم تعلن الدولة الإقفال العام، ومن كثرة الإكتظاظ الذي حصل في بدارو، تم وضع طاولات على الأرصفة في أماكن عامّة بهدف استيعاب الأعداد الكثيرة التي قصدت الشارع للسهر والإحتفال.

من جهته، فقد بشير (26 عاماً) منزله القائم في الجعيتاوي بسبب الإنفجار الذي حدث في الرابع من آب، وبدأ البحث عن منزل جديد يستأجره في بدارو وضواحيها، وذلك لأن المنطقة ورغم حيويتها، تؤمّن نسبة معينة من الهدوء الذي لا يمكن إيجاده في الحمرا.

وتعليقاً على هذه النقطة، قال لرصيف22: "قد تكون حركة المرور كثيفة خلال النهار في الشارع الرئيسي لكن الحركة تستمر، ولا تشكّل إزعاجاً للسكان، ولا تمس الأحياء الفرعية، وبالتالي بإمكان الفرد أن يخرج من منزله ويلمس الهدوء، ويسمع صوته وأصوات الآخرين حين يجلس في المقهى، لا أصوات الزمامير والسيارات ومولدات الكهرباء".

وتابع: "لم أنزح وحدي إلى بدارو، بل هناك مجموعات أعرفها اتخذت الخطوة نفسها، لأن الشارع يملك حتى اللحظة طابعاً تراثياً معيّناً يتم الحفاظ عليه، فحين أدخل أحياء فرن الشباك مثلاً أشعر أنني في حي يعيدني إلى طفولتي، وليس في مكان تجاري"، هذا وختم بشير حديثه قائلاً: "في الوضع الذي نعيش فيه، من انهيار إقتصادي وإقفال تام أرى أنه من الضروري البحث عن أماكن الراحة والهدوء التي بإمكانها أن تفصلنا عن الخارج لا أن تذكّرنا به، وهذا ما تؤمّنه بدارو".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image