"كل ما أطلبه منكم هو الاهتمام بقضيتها رجاءً، لأن ذلك قد يساعد في حصولها على حريتها... مساعدتكم واهتمامكم في قضيتها يمكن أن يحرراها".
هذا ما طلبته الأميرة لطيفة ابنة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في رسالة خطيّة وجّهتها إلى شرطة "كامبريدج- شاير" البريطانية في 24 شباط/ فبراير، بشأن شقيقتها الكبرى الأميرة "شمسة". واتهمت لطيفة رجال والدها باختطاف أختها من المملكة المتحدة وإعادتها قسراً إلى دبي عام 2000، إذ لم تُر علناً منذ ذلك الحين.
الرسالة التي نشرتها "بي بي سي" في 25 شباط/ فبراير، أكدت فيها لطيفة أن شمسة "لديها روابط قوية بإنجلترا... إنها تحب إنجلترا حقاً، وكل ذكرياتها العزيزة هناك". نشأت شمسة جزئياً في بريطانيا وتلقت تعليماً غربياً.
مرّر أصدقاء لطيفة الرسالة المؤرّخة في شباط/ فبراير عام 2018، وهو تاريخ إيقاف لطيفة نفسها وإعادتها قسراً إلى دبي.
حياة "زومبي"
ترسم الرسالة "صورة تقشعر لها الأبدان" عن مصير شمسة منذ إعادتها إلى دبي، وفق وصف "بي بي سي". اختُطِفت شمسة حين كانت في عمر الـ18 فقط، وتبلغ الآن 39 عاماً، ولم تُشاهد في الأماكن العامة منذ ذلك الحين.
تواصلت مع محاميها وناشدته التدخل عقب اختطافها... شمسة ابنة حاكم دبي من رحابة بريطانيا إلى "سجن المهدئات" في دبي
كتبت لطيفة: "تم احتجازها بمعزل عن العالم الخارجي بدون تحديد موعد لإطلاق سراحها أو محاكمتها أو تهمة موجهة إليها. تعرضت للتعذيب بالضرب على قدميها بالعصا...".
عقب إطلاق سراح شمسة من السجن عام 2008، رأتها لطيفة للمرة الأولى منذ خطفها. كتبت في رسالتها: "كان لا بد من قيادتها عبر إمساك يدها. لم تكن قادرة على فتح عينيها... أعطيت مجموعة من العقاقير للسيطرة عليها. جعلتها تلك العقاقير مثل الزومبي".
أكد شخص كان على اتصال بشمسة لـ"بي بي سي" أنها "أعطيت حبوب لإبقائها هادئة" وأنها بعد الإفراج عنها "كانت فقط صامتة. كل ما تفعله كان تحت السيطرة. انطفأت شرارتها". وعبّر عن اعتقاده أنها "استسلمت لحقيقة أن حياتها ستظل هكذا".
عام 2019، التقت لطيفة بشمسة مرة أخرى، عقب حبس الأولى جراء محاولتها الهرب أيضاً. عبر الهاتف السري، وصفت لطيفة لقريب لها كيف أن شمسة بعد "تخديرها كثيراً"؛ "لم تعد شمسة" رغم أنها لا تزال ظاهرياً "على قيد الحياة".
في نهاية رسالتها، طلبت لطيفة إعادة فتح التحقيق في ملابسات خطف شقيقتها من أحد شوارع كامبريدج قبل أكثر من 20 عاماً، موضحةً لشرطة كامبريدج-شاير أن هذا قد يساعد في إطلاق سراح شمسة، التي اختطفت بأمر من والدها.
ماذا نعرف عن الأميرة شمسة؟
ولدت الأميرة شمسة في 15 آب/ أغسطس عام 1981. والدها هو محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس دولة الإمارات، ووالدتها هي حورية أحمد لعمارة، جزائرية، ولديها شقيقتان: الأميرة لطيفة والأميرة ميثاء، وشقيق واحد هو الأمير ماجد.
اعتادت شمسة قضاء فصل الصيف مع عائلتها في مزرعة الأسرة لسباق الخيل في المملكة المتحدة، تحديداً في قرية لونغ كروس بمقاطعة سَري.
في آب/ أغسطس عام 2000، فرّت شمسة من ملكية والدها في سيارة رينج روفر عبر بوابة مفتوحة، وشقت طريقها من سَري إلى نزل مؤقت في جنوب لندن حيث قابلت محامياً متخصصاً في الهجرة طالبةً المشورة بشأن طلب اللجوء والبقاء في بريطانيا.
لكن في غضون أسابيع، خطفها رجال والدها بالقوة من شوارع كامبريدج، وتم نقلها بطائرة هليكوبتر إلى فرنسا ومن ثم نقلها إلى دبي على متن طائرة خاصة، لتقضي نحو ثماني سنوات في السجن.
في رسالة تمكنت من تهريبها من محبسها في دبي إلى محاميها البريطاني لاحقاً، روّت شمسة قصة إعادتها قسراً إلى دبي، مناشدةً مساعدة "الجميع".
كتبت آنذاك: "لقد أمسك بي والدي. تعقّبني عبر شخص كنت على اتصال به. ألقي القبض علي يوم 19 أغسطس (آب) في كامبريدج. أرسل أربعة رجال عرب للقبض عليّ، كانوا يحملون أسلحة ويهددونني، واقتادوني إلى منزل والدي في نيوماركت، وهناك أعطوني حقنتين وحفنة من العقاقير، وفي صباح اليوم التالي جاءت مروحية وطارت بي إلى الطائرة التي أعادتني إلى دبي. أنا محتجزة حتى اليوم".
وأضافت: "لم أر أحداً، ولا حتى الرجل الذي تسميه والدي. أخبرتك أن هذا سيحدث... أعرف هؤلاء الناس، لديهم كل المال، لديهم كل القوة، يعتقدون أنهم يستطيعون فعل أي شيء. قُلتَ إنه إذا اختطفني، فسوف تتصل بوزارة الداخلية (البريطانية) وتشركهم في الأمر. الآن، أنا لا أطلب منك فقط الإبلاغ عن هذا على الفور، بل أطلب مساعدتك وإشراك السلطات… إشراك الجميع".
"انطفأت شرارتها" ولم تُر في الأماكن العامة لأكثر من 20 عاماً... ماذا نعرف عن شمسة بنت محمد بن راشد آل مكتوم المختطفة بأمر من والدها؟
كشفت "الغارديان" البريطانية خبر اختطاف شمسة في كانون الأول/ ديسمبر عام 2001. ورفض الشيخ محمد، الذي كان ولي عهد دبي حينذاك، التعليق.
استمر صمت حكومة الإمارات على قضية إعادة شمسة قسراً إلى دبي حتى عام 2019، حين أعرب بن راشد عن "ارتياح كبير" لـ"إعادة" ابنته "المستضعفة" شمسة إلى كنف العائلة. كان ذلك في إطار نزاع قانوني بين حاكم دبي وزوجته السابقة الأميرة هيا بنت الحسين على حضانة طفليهما.
خلُصت المحكمة البريطانية العليا المعنية بنظر القضية إلى أن الشيخ محمد اختطف اثنتين من بناته - شمسة ولطيفة - وأعادهما قسراً إلى دبي حيث يستمر في احتجازهما رغماً عنهما.
تحقيق سابق ومراجعة حالية
بدأت شرطة كامبريدج-شاير تحقيقاً في القضية لأول مرة عام 2001 بعد تواصل من شمسة عبر محامي الهجرة في بريطانيا. لكن التحقيق وصل إلى طريق مسدود لمنع الضباط من الذهاب إلى دبي. اتضح لاحقاً أن رجال الشيخ محمد احتجوا لدى وزارة الخارجية على التحقيق.
عام 2018، عقب تفجير قضية اختطاف لطيفة وعقب رسالة ثانية من شمسة، راجعت الشرطة التحقيق، وتبيّن إقرار أحد المحققين بوجود "حساسيات كبيرة" عرقلت قضية شمسة. وضعت القضية على الرف مرة أخرى بداعي "عدم كفاية الأدلة لاتخاذ أي إجراء آخر".
عام 2020، أُطلقت مراجعة أخرى بعد حكم المحكمة البريطانية العليا.
عقب الرسالة الخطيّة الأخيرة من لطيفة، قالت شرطة كامبريدج-شاير في بيان إنه "سيتم النظر في الرسالة كجزء من المراجعة الجارية"، مشيرةً "هذا أمر معقد وخطير للغاية وبالتالي هناك تفاصيل للقضية لن يكون من المناسب مناقشتها علناً".
رغم تأكيد وزارة الخارجية البريطانية عقب تسريب فيديو للطيفة الاسبوع الماضي، أنها ستراقب الوضع عن كثب، لا يؤّمَل كثيراً من تحقيق الشرطة البريطانية في قضية شمسة للمرة الثالثة.
يعزى ذلك إلى صلات الشيخ العميقة في المملكة المتحدة، حيث يعد صديقاً للملكة التي كثيراً ما ظهر إلى جوارها في سباقات الخيول - شغفهما المشترك - علاوة على كونه أحد أكبر ملاك الأراضي في البلاد.كما تعتبر بلاده، الإمارات، حليفاً إستراتيجياً وتجارياً رئيسياً لبريطانيا في المنطقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 22 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...