شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الرسالة الثانية من ملك الأردن إلى المخابرات... آمال عريضة وإحباطات متوقعة

الرسالة الثانية من ملك الأردن إلى المخابرات... آمال عريضة وإحباطات متوقعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 24 فبراير 202102:07 م

منهم من وصفها بالتاريخية، ومنهم من اعتبر أنها تخاطب عقلية الإدارة الأمريكية الجديدة، ومنهم من نظر إليها من زاوية أنها تعكس الرغبة الحقيقية في توزيع الأدوار، كل حسب اختصاصه، تلك الرغبة التي طالما كانت موجودة في عقلية وخطابات ورسائل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني منذ استلامه العرش الملكي.

تلك التحليلات جاءت على لسان محللين سياسيين تحدثوا إلى رصيف22 في قراءتهم لما جاء بين سطور الرسالة التي وجهها العاهل الأردني إلى مدير دائرة المخابرات العامة اللواء أحمد حسني في السابع عشر من الشهر الجاري، ووصفها ناشطون ومغردون على مواقع التواصل الاجتماعي بالرسالة الاستثنائية والتاريخية، وأملوا أن تسهم في تقليص تدخلات "الدولة العميقة"، وهو توصيف لعمل المخابرات الأردنية، في مختلف مناحي الحياة في الشارع الأردني، وربما إيذاناً بتعزيز الحريات السياسية والحريات العامة بكل أصنافها سواء حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وحرية التجمع السلمي وغيرها.

ومما جاء في رسالة الملك عبد الله الموجهة إلى اللواء أحمد حسني مدير الاستخبارات الأردنية، دعوته إلى أن "تركز دائرة المخابرات العامة بكل طاقاتها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية للأمن الوطني والعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل، وتكريس الإمكانيات اللازمة لتظل عنواناً شامخاً للكفاءة الاستخبارية في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي للمخاطر الأمنية"، من دون إشارة صريحة لمسألة تدخل المخابرات في الحريات العامة.

ليست الأولى

الكاتب والصحافي المختص بالشأن السياسي زايد الدخيل ذكر أن هذه الرسالة من الملك عبدالله الثاني إلى جهاز المخابرات ليطالبها بالعودة إلى اختصاصاتها ليست الأولى. يقول الدخيل: "قبل حوالي العامين وجه الملك رسالة إلى مدير المخابرات الحالي اللواء أحمد حسني عند تعيينه في المنصب، أكد خلالها أهمية الاستمرار بتركيز وبوتيرة أسرع في عملية التجديد والتحديث والتطوير الجارية لجهاز المخابرات، والعودة إلى اختصاص عملهم وتشكيل علاقة تنظيمية مع بقية المؤسسات، وهو إشارة منذ ذلك الحين، أي قبل العامين، لتحديد الدور الوظيفي لدائرة المخابرات".

إلا أن هذه الرسالة في رأيه تختلف: "حدد [الملك] في الرسالة بشكل علني لأول مرة الاختصاصات التي ينبغي أن تمارسها المخابرات، بمنهجية عصرية متطورة وبكل احتراف ووفق صلاحياتها الدستورية، بتزويد الدولة تقارير استخبارية تقييمية محترفة، ثم حماية الأمن الوطني، والعودة إلى الملف الرئيسي لمهمتها ألا وهي مكافحة الإرهاب".

وصفها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالرسالة الاستثنائية والتاريخية، وأملوا أن تسهم في تقليص تدخلات "الدولة العميقة"، وهو توصيف لعمل المخابرات الأردنية، في مختلف مناحي الحياة في الشارع الأردني، هل تنجح رسالة الملك هذه المرّة؟
ويصف الدخيل الرسالة الأحدث بالـ"نادرة"، وواصل: "الرسالة الملكية الأولى قبل عامين لم تكن سراً على أحد. وكذلك الرسالة الثانية التي كانت معنونة نفسها بنفسها بالعودة إلى الاختصاص. وفي نفس الوقت كانت دعوة صريحة للسلطات الدستورية الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، للعودة للممارسة اختصاصاتها لأنها تمتلك اليوم الأدوات والوسائل الكفيلة لتعاملها مع المخاطر والتحديات التي تواجه البلاد".

ضجيج بلا طحن

أما الكاتب والمحلل السياسي مالك عثامنة فيرى أن "رسالة الملك كان الضجيج الإعلامي حولها أكبر من الرسالة نفسها". واعتبر أن رسالة الملك: "مكررة ووردت في معظم خطاباته وأوراقه النقاشية التي أعتقد أنها أهم من هذه الرسالة". إلا أن الضجيج الإعلامي نفسه في رأيه، "ربما يوحي أن هناك قراراً ملكياً حاسماً بإجراء تغييرات في بنية الدولة الأردنية"، هذه التغييرات مترافقة مع متغيرات إقليمية ودولية خصوصاً الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي يرى عثامنة أنها "أنقذت الأردن إقليمياً" بعد سنوات من العزلة في عهد إدارة دونالد ترامب، "ما جعل الملك يتموضع إقليمياً وهو مرتاح ويريد أن يتموضع مرتاحاً محلياً"

واستذكر جلسة جمعته برفقة مجموعة من الكتاب والصحافيين الأردنيين مع العاهل الأردني في العام 2019، وقال: "سمعت من الملك خلال تلك الجلسة رغبته في تغيير بنية الدولة الأردنية وتحويلها إلى نظام ديمقراطي قائم على أحزاب، حينها ناقشناه بأنها رؤية لن تتم ولن تصبح حقيقة إلا إذا أنتجنا وعياً بديلاً عن الوعي المشوه في الدولة الأردنية الموجود منذ عقود، وهذا الوعي المشوه والمزور ساهمت في تشويهه وتزويره ومسخه أيضاً الأجهزة الأمنية والقبضة الأمنية التي حكمت وفق سياسة الأمنوقراطية (التدخل الأمني)".

"هل ستنتهي الأمنوقراطية فعلاً؟" يتساءل عثامنة، ويجيب نفسه: "أتمنى ذلك، وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة، نعم الملك هو رأس الدولة لكن هناك قوى ستواجه وتتحايل على الخطاب الملكي كما كان يحدث دائماً".

بشارة الحرية؟

ربطت الكاتبة والمحللة السياسية لميس أندوني أهمية رسالة الملك بمصير الحريات السياسية والحريات العامة في الأردن، وقالت: "هذه أول مرة تصدر رسالة من الملك بصيغة أوامر إلى جهاز المخابرات بعدم التدخل في الحريات السياسية والحريات العامة، وأتمنى أن تسهم بانتهاء التوقيف والاعتقالات في المخابرات أو من قبلها".

ولأن رسالة الملك لم يرد فيها صراحة ذكر الحريات الفردية والعامة، تعلق أندوني: "لا معنى آخر سيكون غيره، أو هذا ما نطمح به، بأن يتبع الرسالة تغيير غير مسبوق في البلاد، خصوصاً أن الأردن يمر اليوم بحالة تململ جراء تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية".

ودولياً، اعتبرت أندوني الرسالة "تهيئة لإعادة ترتيب البيت الداخلي" للتعامل مع إدارة بايدن الأمريكية التي أعلنت أنها متمسكة بمبادئ حقوق الإنسان والحريات. "وإذا نفّذ الأردن ما جاء في رسالة الملك لمدير المخابرات فهذا سيفيد بدعم الموقف الأردني في مواجهة أية مشاكل إقليمية أو داخلية، فكلنا نعلم أن الحكومات العربية همها هو إرضاء واشنطن". وإن كانت تشكك في أن تستجيب المخابرات لرسالة الملك.

مما جاء في رسالة الملك عبد الله الموجهة إلى مدير الاستخبارات الأردنية دعوته إلى أن "تركز دائرة المخابرات العامة بكل طاقاتها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية للأمن الوطني والعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل ... والتصدي للمخاطر الأمنية"
هي خطوة "تتجه لتهيئة البيئة الإصلاحية بخطوات جريئة"، هكذا وصف الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي رسالة الملك التي اعتبر أنها "تستكمل ما بدأ به الملك قبل أعوام عندما أعاد طرح تحقيق الإصلاح السياسي والقوانين الناظمة للعمل العام، وفحوى رسالته هو إعادة الأمور إلى نصابها مما سيجعل المؤسسة المخابراتية تركز على اختصاصها الفعلي، أي الأمني، مثل محاربة الإرهاب".
إلا أن الرنتاوي لا يذهب بعيداً في تفاؤله بأن تتحول رسالة الملك إلى تطبيق على الأرض، وفسَّر ذلك بقوله: "عدم ذهابي للتفاؤل بحكم الفجوة بين الخطابات الملكية وقوى الشد العكسي لها التي اعتدنا عليها، كما لا أستبعد أن تُواجه رسالة الملك الأخيرة بظهور قوى مقاومة كالتي عرقلت منذ عقود وضع الأمور في نصابها وساهمت في توصيف الأردن كدولة سلطوية في تقرير الإيكونوميك الأخير، لكن نعول على حرص الملك في المحافظة على صورة الأردن في الخارج، وسيزيد ذلك الحرص في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة".

مردود اقتصادي

فيما اهتم الكاتب والمحلل الاقتصادي عبد الفتاح الكايد بالتبعات الاقتصادية لرسالة الملك، واعتبر أن الرسالة "جاءت في وقت أصبح الاقتصاد الأردني بحاجة فعلية إلى من يعلق الجرس" خصوصاً في موضوع الاستثمار.

ويوضح: "عندما يشكر جلالته في رسالته دائرة المخابرات لملئها الفراغ لفترة طويلة في ظل ضعف برامج وأدوات لتحفيز الاقتصاد في باقي مؤسسات الدولة، فهذا يؤشر إلى وجود ضعف حقيقي في تلك المؤسسات التي لم تستطع إزالة المعوقات التي تصطدم بالحالة الاقتصادية. ومن تجربتي الخاصة،وعندما كنت في العمل الحكومي منذ 15 عاماً، كانت البيروقراطية في المؤسسات الاقتصادية أقل بكثير مما هي عليه اليوم".

ويختم الكايد: "آن الأوان أن نفكر خارج الصندوق. وآن الأوان أن يكون هناك تغيير في عقلية المؤسسات المعنية بالشأن الاقتصادي، ولعل عودة كل جهة إلى اختصاصها كما جاء في الرسالة، تسهم في ذلك".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard